الديناميات الجديدة للتنافس الدولي في الفضاء الخارجي

المباحثات الروسية الأميركية جرى تخصيص جزء منها في تعريف جديد لمصطلح "أمن الفضاء" في ظل التحديات المستحدثة التي جعلت من الفضاء ساحة محتملة للنزاعات العسكرية بمختلف أنواعها.

  • الديناميات الجديدة للتنافس الدولي في الفضاء الخارجي
    الديناميات الجديدة للتنافس الدولي في الفضاء الخارجي

بدأت الولايات المتحدة وروسيا، أواخر الشهر الماضي، في العاصمة النمساوية فيينا، جولة جديدة من المباحثات الثنائية التي تتناول بشكل عام آليات الحد من التسلح، وخصوصاً جانباً مستحدثاً ومهماً من جوانب الاستقرار الاستراتيجي، وهو "أمن الفضاء". 

هذه المباحثات تعد الثانية من نوعها، عقب جولة أولى من المباحثات تمت في منتصف حزيران/ يونيو الماضي، بشأن الاستقرار الاستراتيجي والحد من التسلح.

تمت المباحثات بين 3 مجموعات من الخبراء يمثلون الوزارات السيادية في البلدين، وعلى رأسها وزارات الدفاع والخارجية. وقد ترأس الوفد الروسي نائب وزير الخارجية سيرجي ريابكوف، في حين ترأس الوفد الأميركي مارشال بيلينجسي، نائب وزير الخارجية لشؤون الأمن الدولي والحد من التسلح. 

إحدى هذه المجموعات الثلاث تم تخصيصها للنقاش في تعريف جديد لمصطلح "أمن الفضاء"، في ظل التحديات المستحدثة في هذا المجال، والتي جعلت من الفضاء ساحة محتملة للنزاعات العسكرية بمختلف أنواعها. والجدير بالذكر أن آخر اجتماع جمع بين الجانبين للنقاش في هذا الموضوع كان في العام 2013.

 

الخطوة الروسية الغامضة تشعل الغضب الأميركي

  • الديناميات الجديدة للتنافس الدولي في الفضاء الخارجي
    اختبرت روسيا آلية تمكنها من استخدام قمر صناعي لإطلاق قمر آخر 

لا يمكن اعتبار موضوع "أمن الفضاء" أمراً مستحدثاً بشكل تام ضمن الاستراتيجيات الدفاعية الدولية، فقد بدأ الحديث عن استخدام الفضاء في خدمة الأغراض العسكرية منذ سبعينيات القرن الماضي، لكن طرأ مؤخراً تطور بالغ الأهمية في هذا المجال، حين قامت روسيا باختبار آلية يمكن من خلالها استخدام الأقمار الصناعية كمنصة لإطلاق أقمار صناعية أخرى، وربما مستقبلاً يمكن تحوير هذه الآلية، ليتاح من خلالها إطلاق صواريخ باليستية أو مقذوفات مضادة للأقمار الصناعية.

نفت الأوساط العسكرية الروسية بشكل مستمر الاتهامات الأميركية حول هذه الآلية بأنها ستار لاختبار عسكري يستهدف تدمير الأقمار الصناعية المعادية، في حين تصف موسكو هذه الآلية بأنها "آلية فنية" مخصّصة لفحص الأقمار الصناعية الروسية. 

الحديث هنا يدور حول القمر الصناعي الروسي "كوزموس 2542"، وهو قمر مخصص للأغراض العسكرية، أرسلته موسكو إلى مداره في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وقام خلال هذه التجربة بإطلاق قمر صناعي أصغر هو "كوزموس 2543"، اقترب بشدة بعد إطلاقه من قمر صناعي عسكري أميركي يدعى "يو أس أيه – 245"، وهو ما أثار توجس قيادة الفضاء الأميركية التي دشنها الرئيس دونالد ترامب في كانون الأول/ديسمبر 2019. 

وقد تضاعف هذا التوجس نتيجة رصد الجيش الأميركي إطلاق مقذوف ذي سرعة متوسطة عن متن القمر الصناعي الأصغر الذي تم إطلاقه عن متن "كوزموس 2542".

السبب الرئيسي للتوجس الأميركي من هذه التجربة، هي أنها تنقل "عسكرة الفضاء" إلى اتجاهات أخرى جديدة تماماً، فحتى العام الماضي، كانت التطبيقات العسكرية الفضائية تتركز بشكل أساسي على عمليات اعتراض الأقمار الصناعية، عن طريق صواريخ بعيدة المدى يتم إطلاقها من سطح الأرض، لكن الخطوة الروسية توسع نطاق القدرات التي يمكن استخدامها في الفضاء، لتشمل مواجهات مباشرة في الطبقات العليا للفضاء، تكون الأقمار الصناعية فيها أدوات قتالية مشابهة للمقاتلات، وخصوصاً أن للاتحاد السوفياتي سابقة في محاولة الوصول إلى هذا المستوى من العمليات في الفضاء، وذلك عبر مشروع المحطة الفضائية القتالية "سكيف"، التي تمّ إنتاج عدة نسخ منها لنقلها إلى الفضاء الخارجي على متن المكوك الفضائي "بولايس".

 

دول النادي الفضائي العسكري

  • الديناميات الجديدة للتنافس الدولي في الفضاء الخارجي
    تمتلك بعض الدول القدرة على تدمير الأقمار الصناعية

يضاف إلى ما سبق، بدء روسيا منذ فترة طويلة، وتحديداً منذ آب/أغسطس 2009، بإعادة تفعيل كل المشاريع العسكرية المتعلقة بالفضاء وتطبيقاته الدفاعية والهجومية، والتي كانت معلّقة بشكل كامل منذ ثمانينيات القرن الماضي، وعلى رأسها برنامج طائرات (A-60 Beriev)، التي كانت مزوّدة بقبة دائرية لتوليد أشعة الليزر، لاستهداف الأقمار الصناعية، وبرنامج صواريخ "كونتاكت" الطموح، الذي تم تعليقه بشكل كامل عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، وكان يستهدف استخدام مقاتلات "ميغ 31" كمنصات إطلاق لهذا النوع من الصواريخ التي تستطيع استهداف الأقمار الصناعية.

 وفي سياق محاولات تفعيل البرامج السابقة، أطلقت موسكو برامج جديدة، منها برنامج صواريخ "بي أل -19 نودول"، الذي تم إجراء تجربة أولى عليه في تشرين الثاني/نوفمبر 2015.

إضافة إلى روسيا، تمتلك الولايات المتحدة والصين القدرة على استهداف الأقمار الصناعية، إذ تعتمد واشنطن منذ شباط/فبراير 2008 على استخدام صواريخ "أر أي أم – 161" التي يتم إطلاقها عن متن القطع البحرية، كسلاح رئيسي لاستهداف الأقمار الصناعية. وبالفعل، تمكَّن هذا الصاروخ خلال هذه العملية من تدمير القمر الصناعي الأميركي "يو أس أيه – 193"، الذي كان قد خرج عن السيطرة عقب إطلاقه في كانون الأول/ديسمبر 2006.

من جانبها، دخلت الصين إلى هذا النادي متأخرةً، وتحديداً في كانون الثاني/يناير 2007، حين أجرت تجربة ناجحة تم فيها استخدام الصاروخ "SC-19"، لاستهداف قمر صناعي صيني مخصص للأرصاد الجوية، تم إطلاقه في العام 1999 في مدار يتجاوز ارتفاعه 800 كيلومتر.

وفي أيار/مايو 2013، أجرت بكين تجربة على صاروخ شبه مداري يحمل معدات علمية مخصصة لدراسة الغلاف الجوي، لكن سادت شكوك حينها، وخصوصاً من جانب وزارة الدفاع الأميركية، في أن هذه التجربة ستار لاختبار منظومة صينية جديدة لاعتراض الأقمار الصناعية. 

انضمت الهند إلى هذه الدول في آذار/مارس 2019، حين أجرت تجربتها الأساسية على صاروخ "Prithvi Mark2" المكون من 3 مراحل. وكانت المرحلة الثالثة منها مزودة بمقذوف يتم توجيهه داخلياً عن طريق محدد ليزري للمدى وباحث بالأشعة تحت الحمراء، نجح في تدمير القمر الصناعي "مايكروسات أر"، وذلك على مدار منخفض يبلغ ارتفاعه 300 كيلومتر.

ويتوقع أن تدخل مزيد من القوى الدولية، مثل فرنسا وألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، إلى قائمة الدول التي تمتلك قدرات فضائية عسكرية، ففرنسا التي استفزها اقتراب قمر صناعي عسكري روسي في العام 2017 من أحد أقمارها الصناعية العسكرية بشكل خطير، أعلنت في تموز/يوليو الماضي عن إضافتها الفضاء الخارجي كمجال أساسي يضاف إلى مجالات اهتماماتها العسكرية.

وعلى أثر ذلك، تمت إعادة تشكيل قيادة القوات الجوية في الجيش الفرنسي، وتسميتها "قيادة سلاح الجو والفضاء"، وتم تجهيز مركز مستقل لإدارة عمليات الفضاء في مدينة تولوز الفرنسية.

 

واقع الفضاء الخارجي بعد تزايد موجات العسكرة

  • الديناميات الجديدة للتنافس الدولي في الفضاء الخارجي
    مفهوم "عسكرة الفضاء" توسع بشكل مطرد خلال السنوات الأخيرة

على الرغم من حظر بعض المعاهدات الدولية للأنشطة العسكرية المتعلقة بالفضاء الخارجي، فإن مفهوم "عسكرة الفضاء" توسع بشكل مطرد خلال السنوات الأخيرة، وباتت أسلحة الفضاء تنتمي إلى فئات متعددة من الأنظمة القتالية، وبعضها يشمل أكثر من استخدام، وبعضها الآخر لا يعتبر الفضاء مسرحاً أساسياً له، لكنه يمتلك القدرة على العمل فيه. لذلك، حصرت المنظمات الدولية أنواع الأسلحة والمنظومات القتالية المتعلقة بالفضاء الخارجي في 6 أقسام.

القسم الأول هو القسم المتعلق بالأنظمة الصاروخية التي يتم إطلاقها من منصات أرضية، وهو الأكثر شيوعاً حتى الآن، وتكمن خطورته في أنه قد يكون ستاراً لإجراء تجارب نووية في الفضاء، كما أن عمليات استهداف الأقمار الصناعية في المدارات المرتفعة قد ينتج منها تناثر حطام هذه الأقمار في الفضاء الخارجي، ما يعرض الملاحة الفضائية والأقمار الصناعية الأخرى لمخاطر جدية.

القسم الثاني يتعلق بالمنظومات الإلكترونية التي يتم إطلاقها من أجهزة توجيه أرضية، بهدف التشويش على الأقمار الصناعية المعادية، وإحداث أضرار فنية فيها، سواء بشكل مؤقت أو دائم.

 القسم الثالث هو القسم الخاص بالمواجهات التي تتم بين الأقمار الصناعية، سواء عن طريق اعتراض أحد الأقمار للآخر، أو إطلاق أحدها مقذوفات موجهة نحو الأقمار المعادية. ومن أمثلة هذا القسم، التجربة الروسية في أواخر العام 2019. 

القسم الرابع مشابه للقسم الثاني، لكنه يتم من خلال أقمار صناعية في الفضاء، وليس من محطات أرضية، حيث يتم تخصيص قمر صناعي معين، من أجل بث موجات عالية التردد في اتجاه الأقمار المعادية.

يُضاف إلى هذه الأقسام، قسمان يتعلقان بمستقبل النزاعات العسكرية في الفضاء الخارجي؛ الأول يرتبط بالقدرة على ضرب أهداف أرضية، عن طريق مقذوفات مطلقة من وسائط فضائية، والآخر يعمل بالآلية نفسها، لكنه يستخدم إشارات الميكروويف وأشعة الليزر وتطبيقات الحرب الإلكترونية، من أجل التشويش على المركبات الفضائية المعادية، أو الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، التي تتخذ مسارات للتحليق قريبة من الفضاء الخارجي.