"الدرونز".. حلول عسكرية متعددة الاستخدامات

تتنوّع "الدرونز" بتنوع استخداماتها، فمنها طائرات ذات أجنحة ثابتة للاستخدامات العسكرية والقتالية، والأخرى الأصغر حجماً شبيهة بالمروحيات للقيام بمهام محدودة، وكذلك تسليحها.

  • تسخّر تقنية أشعة الليزر لمواجهة
    تسخّر تقنية أشعة الليزر لمواجهة "الدرونز" وإسقاطها

ابتكار الطائرات المسيّرة سدّ ثغرة تقنيّة بالغة التّعقيد: إتاحة التصوير الجوي والتقاط "مقاطع مرئية متحركة" من دون استشعار والعودة بسلام. سعت الدّول الصناعيّة إلى تطوير تطبيقاتها وتعديل خاصيّة التحكّم بها عن بعد وزيادة مديات تحليقها، والتي تعتمد في الدرجة الأولى على نظم الملاحة الجوية عن طريق الأقمار الاصطناعية ومراكز تحكّم وقيادة عبر شبكات لاسلكيّة (WiFi).

وأضحت السّيطرة على الشقّ التقنيّ وآفاقه مقلقة للقوى العالميّة والفئات المناهضة لانتشار التسلّح، في ظلّ سعي عدد من الدول لقوننة استخدامها وفق معايير واتفاقيات دولية للتقيد بها، لكن بعض الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ترفض التوقيع عليها.

تسليح "الدرونز" بصواريخ وموادّ متفجّرة جاء منسجماً منطقياً مع احتياجات الجيوش، وخصوصاً القوات المسلّحة الأميركية، ومن ثم "جيش" الكيان الصهيوني. وقد حقّقت الأولى فيها نجاحات بارزة في نموذجي طائراتها "ريبر" و"غلوبال هوك" اللذين يصنع هيكلهما من ألياف الكربون، لخصوصيّتها في الوزن الخفيف وقوتها وما تحمله من معدات. 

وقد شاركت فيها واشنطن حلفاءها الأوروبيين الذين ابتدعوا تصاميم خاصة بهم لتعزيز الصناعات العسكرية المحلية. أما في التطبيقات غير العسكرية، فتوظّف طائرات "الدرونز" في مهام اعتراض الاتصالات، والقيام بمسح منطقة جغرافية محددة للهواتف النقالة لتحديد هوية أشخاص أو مجموعات بشرية بعينها. ويتم النظر في استخدامها لنقل الطرود والمشتريات وتوزيعها.

تتنوّع "الدرونز" بتنوع استخداماتها، فمنها طائرات ذات أجنحة ثابتة للاستخدامات العسكرية والقتالية، والأخرى الأصغر حجماً شبيهة بالمروحيات للقيام بمهام محدودة، وكذلك تسليحها. وتحمل الطائرات العسكرية منها كاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء، وأجهزة ملاحة جوية "جي بي أس"، وأجهزة ليزر تعمل بنظام التحكّم عن بعد، وأجهزة تمنع التصادم.

 إضافةً إلى ما تقدّم، ينبغي لفت الانتباه إلى تطبيقات متناهية الصّغر حجماً تعرف بـ"مايكرو درون"، ولا يتعدى حجمها كفّ اليد، وتستخدم عادة في مهام التجسس وتحديد إحداثيات الهدف ومهام المراقبة والاستطلاع. تقوم شركة "بروكس دايناميكس" النرويجية بتصنيعها. وقد أطلقت عليها القوات البريطانية اسم "بلاك هورنيت"، وهي تستخدمها بكثافة في أفغانستان لرؤية ما يجري خلف الجدران والزوايا، وباستطاعتها التحليق لمدة 25 دقيقة والتقاط صور وبثها لمسافة نحو 1،5 كلم، بيد أن حجمها الصغير يتأثر بسرعة الرياح، ويحدّ من الاعتماد عليها إلا في الحالات الضرورية.

في المقابل، يستطيع النموذج الفرنسي المعروف بـ"فولمار" التحليق لمدة 12 ساعة متواصلة، ولمسافة تبلغ نحو 90 كلم، ويطلق عن الكتف. النموذج الأميركي من "مايكرو درون" يعرف باسم "رايفن" أو "الغراب".

 تتميّز النّماذج الأكثر تطوّراً من طائرات "الدرونز" بقدرتها على التحليق لمسافات بعيدة، والبقاء في الأجواء لفترات طويلة، وحمل ذخائر حربيّة توصلها إلى الهدف، وربما ستسلّح بخاصيّة الشبح.

النموذج القتالي الإسرائيليّ يعرف بـ"هيرون"، وكذلك بـ"أيتان"، يشمل تسلّحه صواريخ "جو- أرض" وقنابل موجّهة، ويمكنه البقاء لنحو 52 ساعة في الأجواء، وعلى ارتفاع 35،000 قدم، بسرعة 400 كلم/الساعة. وقد اشترى عدد من الدّول ذلك النموذج، ومنها ألمانيا، والولايات المتحدة، وكندا، والهند، وتركيا، وأستراليا، والمملكة المغربية، وربما بعض الدول الخليجية.

 تحمل النّماذج الأميركيّة المتطوّرة عدة أجهزة استشعار ومخازن أسلحة تصل حمولتها إلى ما يفوق 3 أطنان، منها صواريخ وقنابل موجهة تصل سرعتها خلال التحليق إلى 745 كلم/السّاعة، وتصل مدة طيرانها إلى 20 ساعة، وتحلّق على ارتفاع 17 ألف متر. تتجاوز كلفة نموذج "غلوبال هوك" 130 مليون دولار. وقد استطاعت إيران إسقاط هذه الطائرة بصاروخ "أرض – جو" والحصول على معظم حطامها في مياه الخليج.

النموذج الأميركي الآخر هو "بريدايتور" و"أم كيو ريبر" اللذان صمّما وفق معايير ومواصفات حلف "الناتو". تصل حمولة هذا النموذج إلى نحو 1.7 طن، وهو مزوّد بوسائل الرصد العسكري وأنظمة رادار وقنابل موجهة. وإضافة إلى الجيش الأميركي، فإنه يستخدم أيضاً في بريطانيا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا.

 استطاعت الصّين تطوير نموذجها الخاصّ "سي أتش-4،5،6" لمنافسة "ريبر" الأميركية. يصل "وزن الطائرة عند الإقلاع إلى 3.3 طن، بحمولة أسلحة تزن 1.2 طن"، وتشمل صواريخ مضادة للدروع تستطيع التحليق المستمر لمدة 60 ساعة. وقد اشترت مصر والعراق النموذج الصيني لتعزيز قدراتهما العسكرية.

 

دول تمتلك طائرات "درونز" مسلّحة 

 تتصدّر الولايات المتحدة قائمة الدول المنتجة والمصدّرة لمختلف أنواع طائرات "الدرونز"، أبرزها "أم كيو-9 ريبر"، التي تستطيع حمل صاروخين موجهين بالليزر، وكذلك "إسرائيل"، رغم إنكارها اللامتناهي وامتلاكها طائرة "هيرون" التي تستطيع البقاء في الجو لنحو 45 ساعة، والتي استخدمتها في حربها على قطاع غزة في العام 2008-2009. 

وقد طورت فرنسا نموذجها الخاص بها من "هيرون" باسم "إيغل"، تليها بريطانيا التي "اشترت" نموذج "ريبر" الأميركي في العام 2007، وأدخلت إليه تحسينات مطلوبة، وأصبح يعرف بـ"بروتكتر"، وعملت مع "إسرائيل" لإنتاج نموذج آخر للأغراض التكتيكية يعرف بـ"ووتش كبير".

تمتلك روسيا نموذجاً عسكرياً متطوّراً أنتجته شركة تصنيع المقاتلة "سوخوي"، يعرف بـ"سو-70 أخوتنيك" أو "الصياد الضارب". تتميّز هذه الطائرة بقدراتها الشّبحيّة. وقد قامت بمناورة مشتركة مع المقاتلة "سوخوي-57" مع نهاية العام الماضي، ويصل وزنها إلى 20 طناً، وتحلّق على ارتفاعات تصل 1600 متر، بسرعة 1000 كلم/السّاعة، وباستطاعتها التسلح بصواريخ مضادة للسفن "إكس-35" وحمل 4 صواريخ أسرع من الصّوت "إكس-74 أم 2".

 كما أنتجت طائرة أخفّ وزناً هي "12-تو-300 كورشن"، التي يصل وزنها عند الإقلاع إلى 3 أطنان، وتتجاوز سرعتها 950 كلم/الساعة، بحمولة مسلحة تصل إلى 1000 كلغم، وتستطيع الطيران إلى مدى 300 كلم، وتستخدم "لمهام الاستطلاع العسكري وتدمير الأهداف الأرضية" بارتفاعات تتراوح بين 50 متراً و6000 متر.

تنتج تركيا طائرات "درونز" تعرف بـ "بيرقدار"، وهي نسخة معدلة من النموذج "الإسرائيلي هيرون"، وتعمل على تصديرها إلى دول أخرى. تستطيع هذه الطائرة البقاء لمدة 20 ساعة في الجو، بمدى 150 كلم، وتحلّق على ارتفاعات متوسطة بحمولة صاروخين مضادين للدبابات وذخيرة موجّهة بأشعة الليزر.

 انضمّت إيران إلى قائمة الدول المصنّعة والمصدّرة لطائرات "الدرونز" منذ العام 2010. وقد أنتجت "شاهد-129"، وتستطيع التحليق لمدة 24 ساعة، وأحدثها طائرة "كمان-22"، التي تشبه إلى حد بعيد طائرة "أم كيو-1 بريداتر" وخصائص من الطائرة الأميركية الأحدث "أم كيو-9 ريبر".

 

تقنية الحماية من "الدرونز"

في 4 كانون الأول/ديسمبر 2011، استطاعت إيران "السيطرة إلكترونياً" على طائرة "درون" أميركية من طراز "أر كيو-170 سنتينل"، وأجبرتها على الهبوط داخل أراضيها على بعد 140 ميلاً من حدودها مع أفغانستان، بعد نصب "كمين إلكتروني" والتشويش على أجهزة اتصال الطائرة والتحايل عليها، ما فرض تحوّلها إلى القيادة الآلية وعدم الاستجابة لإشارات قاعدة التحكّم الأميركية الأرضية.

تعتبر آلية التشويش التي طبّقتها إيران أفضل السبل للسيطرة على طائرات "الدرونز" وإجبارها على الهبوط "كتلة واحدة"، بدلاً من تفجيرها وتناثر شظاياها خلال سقوطها وإلحاق الضرر بالأماكن المكتظة، بحسب خبراء قطاع الطيران.

تسخّر تقنية أشعة الليزر أيضاً لمواجهة "الدرونز" وإسقاطها، عبر تسليط "حزم ضوئية شديدة القوة" على جسم الطائرة بعد تعقب أجهزة الرادار الفعالة لاستكشافها، وبإمكانها "إحراق أي شيء تقع عليه". كذلك من الممكن استخدام تقنية "أمواج الميكرو ويف" التي تتمتع بخصائص وفعالية شبيهة بأشعة الليزر، لكنها تختلف عنها بإرسال "ذبذبات قادرة على تعطيل أجهزة التحكّم بالدرونز وإسقاطها أرضاً".

 في وقت سابق من العام الماضي، أعلن سلاح البرّ الأميركيّ عن جهوده لتطوير سلاح يعمل بأشعة الليزر، ويتميز بقوته التي ستتفوَّق بمليون مرة على أيّ جهاز في الترسانات الحديثة، ومن شأنه "إرسال صلية لمدة قصيرة تصل إلى 4 ملايين جزء من الثانية تبدّد طائرة الدرون أو أيّ جسم آخر"، ويعرف بـ"نبض ليزري قصير"، ويستخدم أيضاً لتدمير أجهزة إلكترونية عبر خاصيته كسلاح نبض كهرومغناطيسي.

أبرز مخاطر تطبيقات طائرات "الدرونز"، بحسب الاختصاصيين، يمكن إيجازها بـ"التجسس، وتهريب الأسلحة، وعبور الحدود، وتهديد المجال الجوي وحركة الملاحة، وخصوصاً قرب المطارات المدنية، والأذى الناجم عن سقوطها في أماكن مأهولة بالسكان".

على الطرف المقابل، هناك خصائص إيجابية لتسخير طائرات "الدرونز" في خدمة البشرية، وخصوصاً في برامج مكافحة التلوث، ورش الأسمدة، والدخول إلى مبانٍ مشتعلة لإنقاذ المحتجزين فيها، وعمليات المسح الجيولوجي، والتصوير وبثّ لقطات حية، وإيصال مساعدات وأدوية إلى مناطق نائية أو منكوبة، وتطبيقات مماثلة.