اسطنبولي و"تيرو": محاولة لإحياء السينما الطرابلسية

الممثل والمخرج قاسم اسطنبولي يعمل على إحياء سينما "أمبير" في طرابلس شمال لبنان.. ماذا في التفاصيل؟

  • صالة
    صالة "كولورادو" معروضة للبيع

في الكنز السينمائي الطرابلسي المدفون، ضرب الممثل والمخرج اللبناني قاسم اسطنبولي ضربة مغامرة وتحدٍ، بمحاولة إحياء إحدى دور السينما في طرابلس، أي سينما "أمبير"، وهي من الأعتق تأسيساً، وربما آخر الصالات التي كانت ما تزال عاملة حتى الأمس القريب.

خطوة اسطنبولي مغامرة لأنها تأتي في زمن انهيار الحياة السينمائية الغنية في طرابلس اللبنانية التي تعتبر إحدى أثرى مدن الشرق بعدد صالات السينما التي انتشرت فيها، والتي بلغت 35 داراً، بحسب اسطنبولي، وربما أكثر.

أمران لا بد من التوقف عندهما لمناسبة إعلان اسطنبولي عمله على إحياء "الأمبير"، الأول، أن طرابلس شهدت هذا الانتشار الكبير للسينما في مختلف أحيائها، ومنها ما أصبح راهناً رمزاً للفقر والانعدام الاجتماعي، مما جعل المدينة خلية نحل اجتماعية وثقافية، وأضفى فيها دينامية حياة اجتماعية وشبابية وعائلية قل نظيرها، بلغت ذروتها قبيل العام 1975، ثم بدأت تذوي تدريجياً مع ارتدادات الأحداث اللبنانية على المدينة، حتى تحولت الدور إلى صالات مقفلة مثل "كولورادو"، و"بالاس"، و"متروبول"، و"كابيتول"، أو مخازن للبضائع مثل "دنيا"، و"روكسي"، و"ركس"، و"أوبرا" ومنها ما أزيل كــ "الريفولي" و"الانجا". 

والسينما في طرابلس، نشطت منذ القرن الــ 19 قبل خروج المدينة من حيّزها القديم -المدينة المملوكية العثمانية - إلى الحداثة، وأولى النشاطات الاستعراضية، عروض سينمائية ومسرحية، بدءاً بـــ "خيال الظل" في المقاهي القديمة، فظهور صالة مسرح "الانجا" على ساحة التل الحديثة، حوالي عام  1896، ثاني "الأوبرا" المصرية، الذي تحول أوائل ثلاثينيات القرن الماضي إلى صالة عرض سينمائية عرفت بداية بـــ "البيروكيه"، ثم بـــ "زهرة الفيحاء".

الأمر الثاني، يتعلق بالصالة التي اختارها اسطنبولي، أي صالة "الأمبير"، التي أسسها رجل أعمال شمالي كان يملك مصرفاً محلياً، واختار الاستثمار في السينما "بناء لنصيحة مستثمرين من آل قطان وحداد الذين ملكوا عدة دور سينما (circuit)، بينما لم يكن له ذلك الاهتمام السينمائي"، رجوعاً لنجله اميل شاهين، أستاذ السينما في العديد من الجامعات اللبنانية، وموسوعة السينما ذاكرة وثقافة، وثمة مؤسسة سينمائية تحمل اسمه.

  • اسطنبولي عاملاً على ترميم واجهة
    اسطنبولي عاملاً على ترميم واجهة "أمبير"

ويرجح أن تكون "الأمبير" أولى الصالات في محيط مركز المدينة الحديث، أي ساحة التل، وهي تقع على مسافة 200 متر قبالة مركز "الانجا"، المعلم الثقافي والفني العريق الذي أزيل منذ سنوات قليلة، وهو معلم بارز لما استضاف من فنون وثقافة منذ مطلع القرن، قدمتها كافة الشخصيات والفرق الفنية والثقافية، منها سيد درويش، وبديعة مصابني، وأم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش، وأسمهان، والعد لا ينتهي.

إلا أن هذا الزخم الفني الكبير على امتداد نحو قرن من الزمن، بات منطفئاً اليوم، ويأتي اسطنبولي في محاولة لإعادة إنارته، وذلك، بحسب بيان صادر عنه، "بعد تجربة إعادة تأهيل وافتتاح دور السينما المقفلة في جنوب لبنان، وتحويلها الى مساحات ثقافية، مستقلة ومجانية"، ذاكراً أن "جمعية تيرو للفنون" بدأت أعمال إعادة تأهيل "سينما أمبير" في طرابلس، بهدف تحويلها إلى "المسرح الوطني اللبناني" في طرابلس، وهو منصة ثقافية حرة مستقلة للناس، تُنظَّم فيها ورشات تدريبية ومهرجانات، وعروض فنية، وإقامة مكتبة عامة، ومقهى فني". 

  • مدخل صالة
    مدخل صالة "أمبير" منذ سنوات

الهدف من المشروع، بحسب اسطنبولي، هو "إقامة صلةٍ ما بين الجنوب والشمال، كونه تكملةً لحلمنا الذي كان قد بدأ مع تأسيس «المسرح الوطني اللبناني» في صور منذ أربعة أعوام، وهو أول مسرح وسينما مجاني في لبنان، وأنه وبفضل جهود الشباب المتطوعين، سوف نحقق ما بعد المركزية الثقافية، ونكسر الجدار الوهمي بين المناطق اللبنانية عبر الفنون، وربطها ببعضها عبر المنصات الثقافية".

وقال: "نحن سعداء أننا نعيش الحلم في طرابلس التي تُعتبر أكثر مدينة تحوي صالات سينما في تاريخ لبنان حوالي 35 صالة، تأسّست فيها أول معهد فنون للتمثيل، ومنها انطلق العديد من الفرق الفنية، وهي عاصمة للثقافة والفنون في لبنان".

  • سينما
    سينما "ريفولي" قبل إزالتها (الصورة 2010)

يجري تحضير المركز -الأمبير- بالتعاون بين "جمعية تيرو للفنون" و"مسرح إسطنبولي" مع وزارة الثقافة اللبنانية، وبلدية طرابلس، و"جمعية فنون طرابلس" من أجل إفتتاح "المسرح الوطني اللبناني"، وإطلاق قاعة الكاتب والمخرج نزار ميقاتي- إبن طرابلس- على المسرح الجديد.

وفي بيان اسطنبولي أن "جمعية تيرو للفنون"، التي يقودها الشباب والمتطوعون، تهدف إلى إنشاء مساحات ثقافية حرة ومستقلة في لبنان من خلال إعادة تأهيل سينما "الحمرا"، وسينما "ستارز" في النبطية، وسينما "ريفولي" في مدينة صور، والتي تحولت الى "المسرح الوطني اللبناني" كأول مسرح وسينما مجانية في لبنان، وإقامة الورش والتدريب الفني للأطفال والشباب، وإعادة فتح وتأهيل المساحات الثقافية، وتنظيم المهرجانات، والأنشطة، والمعارض الفنية، وتقوم على برمجة العروض السينمائية الفنية والتعليمية للأطفال والشباب، وعلى نسج شبكات تبادلية مع مهرجانات دولية، وفتح فرصة للمخرجين الشباب لعرض أفلامهم، وتعريف الجمهور بتاريخ السينما، والعروض المحلية والعالمية، ومن المھرجانات التي أسستها مھرجان لبنان المسرحي الدولي، مھرجان شوف لبنان بالسينما الجوالة، مھرجان لبنان المسرحي الدولي للحكواتي، مھرجان صور الموسيقي الدولي، مھرجان تیرو الفني الدولي، مھرجان صور السينمائي الدولي للأفلام القصيرة ، مهرجان صور الدولي للفنون التشكيلية ، مهرجان أيام صور الثقافية،مهرجان لبنان المسرحي لمونودراما المرأة، ومهرجان لبنان المسرحي للرقص المعاصر .