الأزمة تطيح ببائعي الكتب على ضفاف السين.. وبلدية باريس "تستغيث"

 في مواجهة ما يشبه كارثة سياحية مستقبلية يمكن أن تقلل على المدى القصير والمتوسط بشكل كبير من جاذبية العاصمة، أطلقت مدينة باريس ما يشبه نداء استغاثة للعثور على بائعي كتب جدد يستطيعون إدارة العمل عند الصناديق الخضراء على ضفاف نهر السين.

بائعو الكتب في الصناديق المنتشرة على ضفتي نهر السين في باريس، كتبوا بعضاً من أسطورة باريس منذ القرن الــ 16. اليوم، وبعد كل هذا التاريخ، يتساقطون تباعاً على ضفاف هذا النهر.

في العام 1649، صدر مرسوم يحظر على الباعة المتجولين بيع الكتب عند الجسر الجديد فوق نهر السين. الشاعر الفرنسي بودلير قال إنه وجد نقشاً نادراً لـ Eustache-Hyacinthe Langlois في كشك لأحد بائعي الكتب على ضفاف النهر، كدلالة عل أهمية تلك الأكشاك وما يمكن أن تجد فيها من كنوز.

باختصار، مثل جزيرة سانت لويس، مثل نوتردام ، مثل ساحة سان ميشيل، توفر صناديق العربات الخضراء المليئة بالكتب والمطبوعات النادرة، والتي تتبع النهر المتعرج للعاصمة، لقمة العيش للعديد من الناس. تاريخ فرنسا في أذهان الناس الفضوليين والباحثين عن الكتب والسياح من أربع قارات لاكتشاف مدينة النور.

كل هذا الإرث الثقافي الجمالي الذي يساهم في تعميق الثقافة في باريس، ومنذ عمليات الحجر المتكررة، ومع التظاهرات الأسبوعية التي لا نهاية لها للسترات الصفر، ومن ثم للمحتجين على التصريح الصحي، شهدت الشركة التاريخية لبائعي الكتب، شيئاً فشيئاً، خروج أعضائها من العمل.

في مواجهة ما يشبه كارثة سياحية مستقبلية يمكن أن تقلل على المدى القصير والمتوسط بشكل كبير من جاذبية العاصمة، أطلقت مدينة باريس ما يشبه نداء استغاثة على موقعها دعوة للعثور على بائعي كتب جدد يستطيعون إدارة العمل عند الصناديق الخضراء، التي تركت شاغرة بسبب الأزمات المتلاحقة.

هكذا قرر عمدة باريس، بعد الحصول على رأي المجلس الاختياري المؤلف من مسؤولين منتخبين وبائعي الكتب، ترك التسجيل أمام الراغبين في العمل مفتوحاً حتى 18 شباط/فبراير المقبل. ويبدو أن أعضاء مجلس باريس يعتقدون أنه يجب احترام روح هذه الأكشاك ذات الطابع الفني.

يعترف مسؤولو البلدية بالصعوبات التي تواجه هذه المهنة الباريسية القديمة والجميلة، بينما يتناقص عدد الباعة بسبب تقلص مداخيل الأكشاك وغياب الدعم الكافي لتحفيزهم على الصمود.

"باعة التاريخ"

تطال الأزمة 230 مكتبة صغيرة في الهواء الطلق تقع على ضفاف نهر السين، وتشكل جزءاً من التراث الثقافي الفرنسي غير المادي بحسب قرار لمنظمة "اليونيسكو"، يضم باعي الكتب ومكتباتهم إلى تراث مرموق.

بائعو كتب الأدب والمخطوطات القديمة واللوحات والمطبوعات والمجلات وبطاقات مشهورة والطوابع البريدية والوثائق، هؤلاء الذين ليس لهم من متكئ غير ضفتي نهر السين، تحولوا مع السنوات إلى علامات ثقافية بين "متحف اللوفر" وجسر ماري، وعلى الضفة اليسرى من شارع دو باك باتجاه "معهد العالم العربي".

ويتمتع هؤلاء المتحدرون من الباعة المتجولين بمكانة خاصة، نظراً لأنهم أصبحوا لا ينفصلون عن المشهد الباريسي، وهم لا يدفعون أي ضرائب أو إيجارات ولكن يجب عليهم الامتثال للوائح الصارمة المتعلقة بأعمالهم. يجب أن تكون المواقع مفتوحة 4 أيام على الأقل في الأسبوع. ويجب ألا تتجاوز المنتجات المعروضة للبيع صندوقاً واحداً من الصناديق الأربعة المصرح بها: 4 صناديق بمساحة 2 متر متباعدة كل منها 20 سم، أي بإجمالي 8.6 متر.

"كنوز" العلب الخضراء

صناديق مستطلية تحتوي على "كنوز" معروضة للبيع أمام الجميع، وتتخذ الصناديق الشكل والحجم اللذين نعرفهما منذ العام 1891، وهو التاريخ الذي سمح فيه لبائعي الكتب بترك بضائعهم بين عشية وضحاها في مكان بيعها. يجب أن تكون مطلية باللون الأخضر، من أجل الانسجام مع أثاث الشارع (نوافير والاس وأعمدة موريس). تم تنظيم حجمها بشكل صارم منذ العام 1930. يجب ألا يتجاوز الغطاء المرتفع 2.10 متر فوق سطح الأرض حتى لا يعيق الرؤية.

يعيش الرجال والنساء من جميع الأعمار شغفهم بالكتب والقراءة الجميلة على ضفاف نهر السين. يفتحون صناديقهم الخضراء كل يوم من شروق الشمس إلى غروبها، ويتمنون جميعاً أن يستمروا في الترويج للثقافة الفرنسية.