هذه هي "المواطنة الكونية".. فأين الأوطان؟

تحاول الليبرالية الجديدة الترويج لـ "نهاية التاريخ". تستعمل الفلسفة لتأكيد المواطنة الكونية العابرة للحدود والقوميات، متوسلة فلسفات العقد الاجتماعي لصالح الكولونيالية المنفلتة من عقالها. أين أصبحت الأوطان والمواطنية اليوم؟

  • المواطنة والوطن والوطنية

شهدت العقود الأخيرة محاولة إحياء الليبرالية (1) وتجديدها في الاقتصاد والسياسة والثقافة، وراج في الأثناء أن التاريخ قد بلغ مُنتهاه في ظلّها (2). ومن ثمة نظر إلى الديمقراطية على أنها متماهية معها، أو على الأقلّ متلازمة وإيّاها. وساد خطاب أيديولوجي يقوم على عدّة مفاهيمية من بين مكوّناتها مفهوم  المواطنة في دلالته الحقوقية الليبرالية خاصة، وتركّز الإنتباه على فلسفات العَقْد الاجتماعي فهَيْمَن مجدّداً روسو ولوك وسبينوزا وهوبز ومونتسكيو على الكثير من الخطابات الفلسفية وحتى السياسية.

ومن هنا أهميّة فحص هذا المفهوم وما يجاوره من مفاهيم لصيقة به، مثل مفهومي الوطن والوطنية، والتساؤل عن العلاقة التي تربطه بالدولة؟

نجد في "لسان العرب" أن فعل وَطَنُ يحيل إلى المجال الجغرافي الذي يعدّ سكناً وإقامة لمجموعة بشرية حيث نقرأ: "وَطَنُ، ووَطْن: مَنْزِلُ الإِقامَةِ، وهولا يخصّ البشر وحدهم وإنما يشمل الحيوان أيضاً، إذ يطلق على مَرْبَطُ البَقَرِ والغَنَمِ، وجمعه أوطان". وفي الشعر العربي القديم نجد إبن الرومي المتيّم بالوطن يقول:

وَلِي وَطَنٌ آلَيْتُ أَلاَّ أَبِيعَهُ 

وَأَلاَّ أَرَى غَيْرِي لَهُ الدَّهْرَ مَالِكا

 فضلاً عن قول إبن بري: كَيْما تَرَى أَهلُ العِراقِ أَنني أَوْطَنْتُ أَرضاً لم تكن من وَطَني. 

والوطن هنا لا يحيل إلى مدينة فهو أوسع نطاقاً منها، وهذا ليس معناه أن العرب لم يعرفوا المدينة. فقد عرفوها منذ العصر القديم، وفي "لسان العرب" نجد فعل مدن الذي يعني  الإقامة في المكان، والمَدِينة: الحِصْنُ يبنى في أصطمة الأَرض، أي وسطها.

كما تحدّث فلاسفة العرب عن المدن وأنواعها والتغيّرات الطارئة عليها وسُبُل تدبيرها، مثل الفارابي وإبن سينا مشرقاً، وإبن باجة وإبن طفيل وإبن رشد مغرباً (3) محرّرين السياسة من الأدب (الآداب السلطانية) من خلال محاولة تعقلها فلسفياً. وغنيّ عن البيان أن الأمر يتعلّق هنا بالنظر في أنظمة الحُكم على وجه الدقّة.

كما نجد أيضاً لفظ "حاضرة"، ففي "لسان العرب" نقرأ: "والحاضرة خلاف البادية وهي المدن والقرى، سُمّيت بذلك لأن أهلها حضروا الأمصار ومساكن الديار التي يكون لهم بها قرار... والحاضرة والحاضر الحيّ العظيم". 

ومقابل الحاضرة هناك البادية التي"يمكن أن يكون اشتقاق إسمها من بدا يبدو، أي برز وظهر، ولكنه إسم لزم ذلك الموضع خاصة من دون ما سواه". وهذا معناه أن المدينة لم يكن يُنْظَر إليها باعتبارها وطناً، فالوطن هنا لا يتعيّن باعتباره مجالاً سياسياً وحقوقياً واقتصادياً، وإنما باعتباره سكناً وجغرافيا كما بيّنا.

ويبدو أن تلك الدلالة لا تقتصر على العرب وحدهم، ففي المعاجم الفرنسية يحيل الوطن إلى  أرض الأجداد وموضع الميلاد، والذي منه جئنا، وهو الذي نرتبط به تاريخاً وثقافة وعادات الخ.

فكلمة "patrie" أصلها لاتيني وهو "patria"، ويفيد أولاً البلد الذي ولِدنا فيه وإليه ننتمي ونرتبط به بعلاقة عاطفية، وثانياً جهة، مدينة، ولِدنا فيها، وثالثاً مجموعة مثل أمّة يشعر أحدهم بالانتماء إليها، ورابعاً مجال ومكان حيث نحصي عدداً كبيراً من الأشخاص أو الحيوانات أو النباتات من نوع مُحدَّد. والوطني هو مَن يحب الوطن ومستعدّ لخدمته بما ملك (4).

وغنيّ عن البيان أن حبّ المرء لوطنه وحماسته له وتضحيته من أجله من بين المشاعر المنتشرة بين الناس، وتعبّر عنها  الفنون والنظريات وتتمظهر في البطولات، غير أن ذلك لا يعني وجود النقيض كما يشير إلى ذلك فيخته 5. ومثلما هناك الوطنية، هناك ضدّها.

وهكذا، فإنه تاريخيا ًكان هناك إحساس بالانتماء إلى مجال ومقام وسكن وأرض، ولكن ليس بمعنى الوطن كما نعرفه اليوم، حيث تحضر محدّدات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية ولغوية وجغرافية وبشرية ونفسية.إذ إن هذه المحدّدات رأت النور مع الدولة الحديثة التي تأسّست مع الثورات البرجوازية الديمقراطية. فالوطن يفترض وجود مجموعة سكانية تقطنه وتسمّى شعباً أو أمّة لكن ذلك لا يصحّ دوماً، حيث يمكن أن تكون فيه شعوب وقوميات ولغات مختلفة وفيه أيضاً قوانين تساوي بين الجميع، كما واجبات تسري على الجميع.

استعملت الوطنية سياسياً بقصد الحشد في اتجاهين. الهيمنة على أوطان أخرى، حيث يعمد المستعمرون إلى تجريد المستعمرين من أوطانهم وتأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية بينهم بغية تقسيمه، ثم التحرّر من تلك الهيمنة. فالوطنية في المستعمرات غير الوطنية في المراكز الكولونيالية.

من هنا استنتاج أن الوطن ظاهرة موضوعية لها تاريخ ميلادها كما تاريخ وفاتها. فكم من أوطان ولِدَت وماتت؟ وهذا يقودنا إلى طابعه التاريخي، بمعنى أن تلك الظاهرة ليست ساكنة جامدة، وإنما متغيّرة متطوّرة، ومن ثمة فإن الوطن ليس جوهراً ثابتاً خالداً يعيش أبدَ الدهر كما يصوّر غالباً في الخطابات السياسوية التعبوية. فالأوطان الحالية نتاج مسار تاريخي طويل حصلت فيه تغيّرات كثيرة متتابعة حيناً ومنقطعة أحياناً أخرى. والوطن مرتبط بظروف اقتصادية واجتماعية محدَّدة وله مضمون يختلف باختلاف العصور.

ويبدو أن الفلاسفة القدامى لم يكونوا غافلين عن ضرورة التلازم بين الوطن ومن ينتمي إليه بعلاقة تقوم على تحقيق ما يبتغيه من خير، إذ ينسب إلى الفيلسوف اليوناني أريستوفان مثلاً قوله: "حيث نكون بخير، ذلك هو وطننا".

وفي ما يخصّ الوطنية فإنها استعملت سياسياً بقصد الحشد في اتجاهين. الاتجاه الأول: الهيمنة على أوطان أخرى، حيث يعمد المستعمرون إلى تجريد المستعمرين من أوطانهم وتأجيج الصراعات الطائفية والمذهبية بينهم بغية تقسيمه. أما الثاني فهو: التحرّر من تلك الهيمنة، فالوطنية في المستعمرات غير الوطنية في المراكز الكولونيالية.

وفي الفلسفة الألمانية الحديثة كان لافتاً قول ماركس وإنجلز إن "العمال لا وطن لهم"، بالنظر إلى أن البرجوازية سلبتهم إيّاه، جاعلة منه شعاراً للسيطرة والاستغلال والقمع، غير أن  هذا ينطبق على البلدان الكولونيالية بينما يمثل الوطن قلب الرحى الذي يدور حوله الكفاح التحرّري في البلدان المستعمرة.

تأسّست المجتمعات قديماً على التفاضل اقتصادياً بين سيّد وعبد، وعامة وخاصة، وإقطاعي وقِن، وكثيراً ما تمّ إرجاع ذلك إلى تفاضل الفِطَر الإنسانية واختلافها، والمشكلة أنه في هذه الحال يكون الانتقال من مرتبة إلى أخرى مستحيلاً، ومن هنا كان غياب المواطنة في دلالتها المساواتية أمام الحقوق والقوانين. وهذا يقودنا إلى ملامسة ملمح أول في تعريف  المواطنة من حيث كونها تشترط تلك المساواة.

أما المواطنة فإنه إذا عدنا إلى الفلسفة الوسيطة، نجد أن المدوّنة الفارابية تخلو مثلاً من الحديث عن مواطنة يتساوى من خلالها الناس حقوقياً في المدينة، وفي كتابه "السياسة المدنية" يرى الفارابي أن الناس يختلفون من حيث الفطرة ومن ثمة فهم طوائف ومراتب منظّمة عمودياً، ومَن يتولّى الترتيب هو الرئيس، فـ "مراتب أهل المدينة في الرئاسة والخدمة تتفاضل بحسب فطر أهلها وبحسب الآداب التي تأدّبوا بها، والرئيس الأول هو الذي يرتّب الطوائف وكل إنسان من كل طائفة في المرتبة التي هي استيهاله، وذلك إما مرتبة الخدمة وإما مرتبة رئاسة فتكون هناك مراتب تقرب مرتبته ومراتب تبعد عنها قليلاً ومراتب تبعد عنها كثيراً، وتكون تلك مراتب رئاسات فتنحطّ عن الرتبة العليا قليلاً قليلاً، إلى أن تصير إلى مراتب الخدمة التي ليست فيها رئاسة ولا دونها مرتبة أخرى (6)".

وهذا معناه تقسيم الناس إلى مراتب متفاضلة بحسب الفطرة، وهو تقسيم نعثر على منابعه في الفلسفة الكلاسيكية اليونانية لدى أفلاطون (7) وأرسطو على سبيل الذِكر، ويعود إلى أبستمية العصرين القديم والوسيط، فالعبد بالنسبة إلى أرسطو مثلاً ليس سوى شيء متحرّك وأداة مهمّتها العمل (8). وسيسري هذا الفَهْم على مدى قرون حيث لا مساواة في الحقوق طالما هناك اختلاف في الجنس واللون والعقيدة والمذهب.

لقد تأسّست المجتمعات قديماً على التفاضل اقتصادياً بين سيّد وعبد وعامة وخاصة وإقطاعي وقِن، وكثيراً ما تمّ إرجاع ذلك إلى تفاضل الفِطَر الإنسانية واختلافها، والمشكلة أنه  في هذه الحال يكون الانتقال من مرتبة إلى أخرى مستحيلاً، ومن هنا كان غياب المواطنة في دلالتها المساواتية أمام الحقوق والقوانين. وهذا يقودنا إلى ملامسة ملمح أول في تعريف  المواطنة من حيث كونها تشترط تلك المساواة.

وهذا معناه أنه لا يمكنك أن تكون مواطناً لانتمائك فقط إلى وطن، وإنما يجب أن تتمتّع فضلاً عن ذلك بالمساواة الحقوقية مع غيرك من المُنتمين إليه. ومن هنا برز ذلك الجانب الحقوقي باعتباره أمراً حاسماً. وإذا كانت المواطنة في الإمبراطورية الرومانية قد مُنِحَت أولا ًإلى مَن هم أحرار وينتمون إلى قبائل مدينة روما، وبعد ذلك أضحت تُمنح إلى كل شخص  حرّ في إيطاليا، ثم في الإمبراطورية الرومانية كلها بينما لا يتمتّع بها العبيد، فإن الأمر مختلف هنا باعتبارها أصبحت استحقاقاً لا يمنحه أحد لأحد. فالجميع يتساوون فيه بالنظر إلى إنتمائهم المشترك إلى الوطن.

ويذكر أنه في فرنسا كانت المواطنة في المدن تسمّى برجوازية، ولكنها غير ما تعنيه اليوم، وبعد الثورة الفرنسية عوّضت كلمة مواطن كلمة برجوازي، وبعد عشر سنوات من الثورة كان  هناك شعار يقول: "هنا نشرف أنفسنا باعتبارنا مواطنين".

كان روسو يبحث عن أساس شرعي للحُكم وفي نفس الوقت تحويل الكلام إلى أفعال، إذ كان مدركاً أن عصراً من الثورات والعواصف العاتية يقترب، وأن الحاكم معنيّ بالفعل أكثر من الكلام حيث يقول: "لو كنت أميراً أو مشرّعاً، ما أضعت وقتي في قول ما يجب فعله، بل لفعلته أو سكتّ".

وقد تأسّست تلك الدلالة أولاً بين أحضان فلسفات العَقْد الاجتماعي، فهي تعدّ مصدراً مهمّاً للإحاطة بمفهوم المواطنة في صيغتها الليبرالية، أي من حيث تلك المساواة الحقوقية التي قلنا إنها الشرط الأول في تعريفها.

وضمن هذا المجال يرى توماس هوبز (9) أن العَقْد الإجتماعي يمثّل حلاً لمعضلة الحرب التي تعصف بالناس في الحال الطبيعية، إذ هناك تناقض بين طبيعة شرّيرة متأصّلة في الإنسان، توّاقة إلى السيطرة والعدوان، وحرية سياسية/حضارية منشودة، فالناس مولعون في نفس الوقت بالحرية والهيمنة إذ "أن البشر وهم ذوو وَلَع طبيعي بالحرية وبممارسة الهيمنة على الغير، قد أوجبوا على أنفسهم حدوداً يعيشون في كنفها داخل الجمهوريات التي أسّسوها"، والهدف ضمان بقائهم الذاتي وتوفير سعادتهم والخلاص من حال الحرب. فالسلطة ضرورية برأيه بما تفرضه من خوف من عقاب يردع أهواء الإنسان الشرّيرة، وتلك السلطة تشتغل في اتّجاهين، ضمان السلام داخلياً وخارجياً، فإذا ظلّوا على حال الطبيعة ألحقوا الضرر ببعضهم البعض وكانوا أيضاً فريسة لــ "هجمات الغرباء"، ومن هنا الحاجة إلى تنازلهم عن سلطتهم وقوّتهم لرجل واحد أو مجلس واحد تكثّف فيه وتتّحد إراداتهم المتكثّرة، فنكون إزاء إرادة واحدة يعبّر عنها قانون الأغلبية، وذلك الشخص أو المجلس يجب النظر إلى أفعاله باعتبارها صادرة عن المجموعة وكل شخص يرى نفسه مصدرها، ومن هنا ضرورة إخضاع كل فرد إرادته لإرادة الرجل أو المجلس الحاكم، إذ "لا بدّ من أن يُخضع كل فرد إرادته وحكمه لإرادة هذا الرجل وهذا المجلس وحكمهما"، وهــــذا شرط ثان لذلك التعريف المشار إليه.

وهنا بالذات تتنزّل المواطنة من حيث هي المساواة أمام تلك الإرادة في الخضوع إلى القوانين، حيث نكون أمام الدولة باعتبارها اتحاداً، فهي الكل الذي تذوب فيه الأجزاء، فتبدو كما لو كانت شخصاً واحداً اتّحد فيه سائر الأشخاص.

والأمر يتّصل هنا بعَقْد أو ميثاق، فهو "اتحاد ناشئ من ميثاق عقده كل فرد مع سائر الأفراد على نحو خاص، وكان كل امرئ يخاطب غيره بقوله: إنني قد تنازلت له عن حقّي في أن أدبّر شؤوني بنفسي، شرط أن تتنازل مثلي عن حقّك، وأن تقبل كل فعل صادر عن هذا الرجل أو عن هذا المجلس". فالمواطنة تقتضي ذلك وإذا حصل تفاوت على هذا الصعيد تكون قد غابت.

والأمر لا يتعلّق بمجرّد اتفاق وإجماع من طرف هؤلاء الأفراد، وإنما أيضاً بنشأة دولة/سلطة/جمهورية، تمثل اتحاداً حقيقياً، بمعنى تجاوز ما هو نظري ليكون واقعة عملية.

ومن ثمة يعرّف هوبز الجمهورية بأنها ذلك الاتحاد عينه، وهي التنّين الكبير والإله الفاني الذي يوفّر لهؤلاء المواطنين السلام والأمان داخلياً وخارجياً على السواء، وتلك الدولة والسلطة والحاكم هي ما يُصْطَلح عليه بصاحب السيادة، حيث "يسمّى المؤتمن على شخصية هذه الجماعة صاحب السيادة وتوصف سلطته بالسلطة العليا ويسمّى الآخرون جميعاً رعايا".

وبهذا ندرك الشرط الثالث ضمن التعريف الذي نبحث عنه. فالمواطنة تقتضي من حيث شروطها إذا لخّصنا ما قلناه: إدراك الإنسان لذاته باعتباره كائناً سياسياً/ مدنياً تستوجب كينونته السياسية الاتحاد مع الآخرين، وهذا معناه الحرية في القبول بالعَقْد أو رفضه، ومساواة حقوقية يعبّر عنها العَقْد ووجود صاحب السيادة الذي يضمن لهم جميعاً تلك الحقوق المتساوية، بما يوفّر لهم السلام المنشود ويخرجهم من حال الاقتتال الدائم كما بيّناه.

وإذا التفتنا إلى روسو  (10) وجدنا المواطنة حاجة ضرورية.إذ أنه إذا ما استمرّت الحال الطبيعية فإن البشرية تكون قد هلكت، حيث "لا سبيل إلى دوام هذه الحال الأولية، وإنْ لم يغيّر الجنس البشري طريقة حياته أصابه الهلاك"، وما هذا التغيير إلا أن يكون الناس مواطنين متساوين.

وهو يلخّص ماهية العَقْد الاجتماعي في ما يلي: "إن العَقْد الاجتماعي إذا خلص مما ينافي ماهيّته، ألفيناه مختصراً في العبارات التالية: أن يضع كل واحد منا شخصه وكل ماله من قوّة تحت تصرّف المجموعة، وأن يخضع لمشيئة الإرادة العامة وأن يلتحم بكل عضو من أعضاء المجموعة باعتباره جزءاً لا يتجزّأ منها".

لقد كان روسو يبحث عن أساس شرعي للحُكم وفي نفس الوقت تحويل الكلام إلى أفعال، إذ كان مدركاً أن عصراً من الثورات والعواصف العاتية يقترب، وأن الحاكم معنيّ بالفعل أكثر من الكلام: "لو كنت أميراً أو مشرّعاً، ما أضعت وقتي في قول ما يجب فعله، بل لفعلته أو سكت".

وإذا كان هوبز قد ذهب إلى القول إن الإنسان شرّير بطبعه، فإن روسو يفترض العكس فهو خيِّر بطبعه ولكن المجتمع هو الذي يفسده، ومن ثمّ قوله: "ولِدَ الإنسان حرّاً وهو في الأغلال حيثما كان"، والحق برأيه لا ينبع من الطبيعة فهو قائم على الاتفاق.

 وقد تمثّل روسو أفكار غروتيوس وهوبز فأحال إليهما كما إلى أرسطو الذي يرى أن الناس غير متساوين، فقد خُلِقَ بعضهم للرقّ والبعض الآخر للسيطرة، وهو ما لفتنا إليه الإنتباه سابقاً، غير أن روسو يرى أن العبيد الأوائل كانوا أقوياء ولكن الجُبن أبدّهم على تلك الحال التي أضحوا عليها، ما يعني أن العبيد سلّموا بحالهم وظلّوا عليه. والأمر بالنسبة إليه لا يتعلّق بفرد، سواء كان إسمه آدم أو روبنسون كريزواي، بما يقابل في الفلسفة العربية حيّ إبن يقظان لإبن طفيل، وإنما بمجموعة يرتبط أفرادها بعلاقات متبادلة، ومن هنا ضرورة فَهْم مقاربته في علاقة بمجتمع لا بأفراد متناثرين، فالإنسان مأخوذ كفرد، كائن حرّ في الطبيعة ولكن ذلك إنتهى مع نشأة الملكية الخاصة للثروات.

يعود الفضل لهيغل أولاً وللماركسية ثانياً في الإطاحة بالتصوّر التعاقدي القائم على حرية الإرادة والاختيار في نشأة الدولة ومن ثم المواطنة، ففي مبادئ فلسفة الحق يرى هيغل أن الإنتماء إلى دولة ليس قراراً واختياراً.

وطالما تتعلّق الحال في المجتمع المتحضّر بأفراد مرتبطين بعلاقات متبادلة لا فَكَاك منها توجّب التساؤل عن مصدر الحق وكيف تكون الطاعة؟ فبرأيه لا تصنع القوّة الحق، كما أن  الطاعة مستوجبة فقط للقوّة الشرعية، والحل هو الاتفاق، بما أنه ليس لأحد سلطة على أحد. وإذا كانت حال الطبيعة لديه خالية من الحرب عكس هوبس فإن الحال الاجتماعية/المدنية إذا لم تقم على العَقْد والاتفاق فتكت بها الحروب.

وقد نظر إلى المجتمع الإقطاعي باعتباره يمثل اللا معقول لمخالفته مبادئ الحق الطبيعي، وابتغى من ثم إرساء نظام جديد يقوم على أنقاضه.

ومن هنا فإن المواطنة تستوجب الحرية، لذلك اعتبر الأساس الدستوري للحكم محدّداً في الحياة السياسية الحديثة. فمحتوى العقد الاجتماعي الذي يوفّر تلك المواطنة يعني توفّرأداة سياسية تحمي كل المواطنين على قدم المساواة، حيث تكون الطاعة واعية، ومن خلالها إنما يطيع كل فرد نفسه في الوقت الذي يطيع فيه تلك الأداة باعتبارها تمثل الإرادة العامة، والتي هي تكثيف للإرادات الخاصة، وبالتالي فإن ما يخسره الفرد مما كان يتمتّع به في الحال الطبيعية يربحه في الحال الاجتماعية.

ومن هنا أهمية الاهتمام باختيار طبيعة الدولة، فهي تحدّد طبيعة الناس الذين يعيشون في كنفها، وما إذا كانوا مواطنين أم طوائف متسامية عن بعضها البعض، ومن ثم يحدّد روسو معنى الدولة والأساس التعاقدي الذي تقوم عليه. فالدولة شخص جماعي/عمومي وجسد أخلاقي متّحد باتّحاد أفراده، إنه "أنا" مشتركة لها إرادة وحياة، والدولة يمكن أن تسمّى مدينة أو جمهورية أو جسداً سياسياً والهام هنا قوله إنها منفعلة بينما السيادة فاعلة.

ولا يمكن تحديد المواطنة من دون تحديد الشعب، لذلك يمضي روسو نحو تحديد معنى الشعب في دلالته الجديدة، فهو يتكوّن من مواطنين متساوين حقوقياً، وهم ليسوا رعايا إلا من حيث طاعة الدولة، ولكن حتى في هذه فهم متساوون أيضاً، أي أنهم مواطنون ورعايا على قَدَم المساواة، هم مواطنون في ما بينهم ورعايا أمام الدولة.

ولا يفوّت روسو الفرصة من دون الإشادة بالفرنسيين وامتداح دالمبرت، حيث يذكر أنه "لم  يقرأ أن لقب مواطنين قد مُنِحَ قط إلى رعايا أيّ أمير، حتى المقدونيين قديماً، ولا إلى الإنكليز في أيامنا، وإن كانوا أقرب من كل الشعوب الأخرى إلى الحرية، والفرنسيون وحدهم اتّخذوا لأنفسهم من دون كلفة إسم المواطنين، لأنهم لا يمتلكون فكرة حقيقية عن تلك الصفة، كما يمكن أن نرى في قواميسهم، وإلا لجاز أن نعتبر انتحالهم لها من قبيل القدح في جلالة، إن هذا الإسم يعبّر عندهم عن فضيلة لا عن حقّ، وعندما أراد بودان أن يتكلّم عن مواطنينا وعن تحضّرنا ارتكب خطأ جسيماً، فقد اختلط عليه البعض بالبعض الآخر، ولقد أصاب دالمبرت حيث أخطأ بودان، إذ ميّز بوضوح في مقالته حول جينيفيا (11) بين 4 فئات من الناس المتواجدين في مدينتنا، ويكوّن إثنتان من بينها فحسب الجمهورية، ولا يوجد على ما أعلم كاتب فرنسي واحد فَهِمَ المعنى الصحيح لكلمة مواطن".

يعود الفضل لهيغل أولاً وللماركسية ثانياً في الإطاحة بهذا التصوّر التعاقدي القائم على حرية الإرادة والاختيار في نشأة الدولة ومن ثم المواطنة، ففي مبادئ فلسفة الحق يرى هيغل (12) أن الإنتماء إلى دولة ليس قراراً واختياراً. فالدولة روح موضوعي والفرد "ليس له من الموضوعية ولا من الحقيقة ولا من الأخلاق الاجتماعية، إلا بمقدار ما هو عضو في الدولة"، ومن هنا يمنح المواطنة معنى آخر، فهي أمر موضوعي وضرورة فرضها سلطان التاريخ.

في حين تروّج الليبرالية للعولمة وأن الأرض أضحت قرية كونية واحدة، فإنها تنكر سيادة الأوطان تحت مسمّى العولمة، مشهّرة ما تسمّيه القانون الدولي العابر للحدود والأمم والشعوب.

وإن كان هيغل يُكْبِر في روسو عمله، ويشهد له بالفضل في أنه أسّس الدولة على محتوى، أي على فكرة لا على مجرّد شكل كأن تكون صدى لسلطة إلهية مثلما كان سائداً قبل ذلك، وهذا المحتوى هو الإرادة باعتبارها فكرة فاعلة، ولكنه ينقده لأنه تصوّر الإرادة في علاقة بالفرد/إرادة فردية، "وفي مقابل مبدأ الإرادة الفردية ينبغي أن نذكّر بهذه القضية الأساسية، وهي أن الإرادة الموضوعية هي ما هو عقلاني في ذاته من حيث مفهومه، سواء اعترف به الأشخاص فرادى أم لم يعترفوا، وسواء أرادوه عن طواعية أم لا".

ومن ثم اعتبر هيغل الدولة ما هو عقلاني في ذاته ولذاته، من حيث هي واقع عيني تتجسّم فيه الإرادة الجوهرية، فهي تعبير عما هو كلّي، حيث تدرك الحرية قمّتها فتكون لها السيادة على الأشخاص، من حيث أنهم مواطنون متساوون فواجبهم الأعلى أن يكونوا أعضاء في الدولة.

وبعده نقد الفلاسفة الماركسيون المواطنة في دلالتها الحقوقية السياسية، ملاحظين أن الوطنية اكتسبت قيمتها في عصر البرجوازية، فكان زَيْف الوطنية البرجوازية، حيث استعملت شعارات الوحدة الوطنية لضرب الطبقة، فهي ليست غير ترويج لوحدة الرأسماليين وخفاء جشعهم تجاه العمال.أما بخصوص المواطنة فإن النقد انصبّ على أن المجتمع الرأسمالي لا يوفّر الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المتساوية.

فذلك المجتمع لم يقضِ على تلك المفاضلة، وإنما زادها عمقاً واتّساعاً اقتصادياً، وإن أقرّها حقوقياً، كما أن الظاهرة الامبريالية اللاحقة لتشكّل ذلك المجتمع رافقها الحَيْف القومي/الوطني وسط عبارات مُخاتلة عن المواطنة العالمية والعيش المشترك في قرية كونية واحدة.

وجرّاء ذلك ازداد النضال التحرّري حدّة، وتأجّج أكثر فأكثر في المستعمرات، كما قوّى في الوقت ذاته التناقض بين الدول الامبريالية، التي أصبحت الحروب في ما بينها عالمية، بما هدّد البشرية قاطبة بالفناء وتداعي العالم إلى الزوال.

صحيح أن الثورات البرجوازية الديمقراطية لعبت دوراً حاسماً في تشكّل مفهوم المواطنة في دلالته الحقوقية تلك، فمعها رأت النور ومنها الأوطان التي نعرفها اليوم، بما أنجزته من توحيد قومي، وكانت وحدة السوق ومَرْكَزة الاقتصاد عنصراً رئيسياً في هذا المجال.

ولم يكن ذلك منفصلاً عن الحاجة إلى ترويج السلع الذي تجاوز الرغبة فيها حدود الأوطان لتشمل العالم برمّته. وكانت تلك رغبة جامحة في خلق فضاء اقتصادي يوفّر للبرجوازية جني الأرباح، وبالتالي الهيمنة الاقتصادية، ولم يكن نفوذها السياسي والثقافي غير نتاج لتلك الهيمنة. 

غير أن ذلك لم يكن يحدث من دون صِدام مع طبقات أخرى جرى استغلالها وسحقها لتلك الغاية. ومع نموّ الاقتصاد وجدت نفسها تبحث عن المزيد من المجالات لتصريف بضائعها وتحصيل المواد الأولية، وكان لا بدّ لها من شقّ الطرق البرية والبحرية والجوية لاحقاً، وصولاً إلى غزو بلدان والتقاتل في ما بينها على السيطرة على العالم وتقاسم النفوذ فيه، حيث برزت إلى الوجود الظاهرة الامبريالية كما قلنا، والتي لا تزال تطبع عصرنا بطابعها.

فقد تخطّت البرجوازيات حدود أوطانها لتبسط سيطرتها كونياً، فذهبت إلى أقاصي البلدان لتزيد ثروتها حجماً، ولم يعد وطنها يتّسع لها فانقسم العالم إلى أمم مُضطَهَدَة وأمم مُضطَهِدَة وبرزت المسألة الوطنية باعتبارها تعني تحقيق مهمات التحرّر الوطني للشعوب المولى عليها.

لقد ساد لوقت طويل جرّاء الكولونيالية عدم الاعتراف بامتلاك الشعوب المستعمرة أوطاناً. فالجزائر كان يُنْظَر إليها على أنها مقاطعة فرنسية وفلسطين في مرآة الصهيونية اليوم هي"أرض ميعاد" يهودية.

كما راج اعتبار الجزائريين غير مواطنين متساوين مع الفرنسيين (13)، وتمّ النظر إلى العالم  باعتباره عالمين كما يقول فرانز فانون (14)، عالم المُسْتَعْمرين وعالم المُسْتَعَمَرين، والحدّ الفاصل بينهما حراب الشرطة والعسكر. 

الليبرالية الجديدة تخاتل أيديولوجياً بمفاهيم مثل المواطنة والكونية  والمجتمع الدولي والتحوّل الديمقراطي، حتى أن فلاسفتها لا يجدون غضاضة في القول إن الموجة الثالثة مما يسمّونه التحوّل الديمقراطي قد بدأت بانقلاب يحدّدون انطلاقه بالساعة والدقيقة، فهم مع الانقلاب أو ضدّه بحسب معيار وحيد هو المصلحة الليبرالية 15.

وإذا كانت الكولونيالية في شكلها القديم قد توارت عن الأنظار فإنها في شكلها الجديد لا تزال تمارس نفس الوظيفة وبطرق أشدّ خبثاً، ومن هنا فإن المواطنة تفترض وطناً متحرّراً من الاستعمار أولاً، بما يعنيه ذلك من حلّ المسألة الوطنية في المستعمرات، فأيّ معنى لمواطنة في بلد خاضع وتابع ومحتلّ، وهذا ما لا نجده في فلسفات العَقْد الاجتماعي، وهو ما لا توليه الليبرالية عادة الاهتمام، يضاف إلى ذلك حلّ المسألة الاجتماعية. فالحقوق المتساوية للأفراد عديمة المعنى في ظلّ فقدان حقوق الطبقات والشعوب والأمم.

والمفارقة أنه بينما تروّج الليبرالية للعولمة وأن الأرض أضحت قرية كونية واحدة، فإنها تنكر سيادة الأوطان تحت مسمّى العولمة، مشهّرة ما تسمّيه القانون الدولي العابر للحدود والأمم والشعوب، فإنها تقوّي الوطن البرجوازي وتلجأ في الوقت المناسب إلى الحمائية وتنكفئ إلى الوطن، مثلما حدث خلال ولاية دونالد ترامب، أي أنه بينما تسحق الأوطان في المستعمرات/ الأطراف تقوى الأوطان في المراكز.

ومن هنا يمكن استنتاج أن الليبرالية الجديدة تخاتل أيديولوجياً بمفاهيم مثل المواطنة والكونية  والمجتمع الدولي والتحوّل الديمقراطي، حتى أن فلاسفتها لا يجدون غضاضة في القول إن الموجة الثالثة مما يسمّونه التحوّل الديمقراطي قد بدأت بانقلاب يحدّدون انطلاقه بالساعة والدقيقة، فهم مع الانقلاب أو ضدّه بحسب معيار وحيد هو المصلحة الليبرالية (15).

أما الشعوب المستعمرة فإن الافراد المنتمين إليها قد يسألون ما إن كانوا مواطنين حقاً؟ ليس في بلدانهم فقط وإنما أيضاً في هذا النظام العالمي المترامي الأطراف، الذي يعتبرهم رعايا، هم الذين يموتون في أوطانهم جوعاً، وفي البحار هجرة، وفي أحياء المهمّشين على أطراف المدن الأوروبية استغلالاً وعنصرية، حيث القاتل في كل الحالات واحد.

الحواشي 

1  - تقدم  الليبرالية نفسها باعتبارها تقوم على الحرية، وأن الليبرالي هو التحرري، وأنها تنظر في السياسة باعتبارها القيمة الأعلى، وأنه لا تقييد لها، واذا وجد فينبغي أن يكون مبرراً فلسفياً، ولكن الليبرالية واجهت معضلات، وكان النقد الماركسي شديداً عليها، ومن هنا محاولة احيائها على ضوء حدث الانهيار السوفياتي بداية تسعينيات القرن الماضي. ونتعامل هنا معها باعتبارها أيديولوجيا وعقيدة لها تجلياتها في السياسة والاقتصاد والأخلاق الثقافة الخ ...  تود أن تشمل العالم كله وتضعه تحت جناحها. 

2ـ - يقول فرانسيس فوكوياما في ذلك: "كلما اقتربت الإنسانية من نهاية الألف الثاني فإنه يلاحظ أن الأزمتين المزدوجتين التسلطية والاشتراكية لم تتركا في ساحة المعركة الا أيديولوجيا واحدة محتملة ذات طابع شمولي: هي الديمقراطية الليبرالية، عقيدة الحرية الفردية والسيادة الشعبية، فبعد 200 سنة من إطلاقها للثورتين الأميركية والفرنسية برهنت مبادئ الحرية والمساواة، ليس فقط على أنها دائمة، بل أيضاً على أنها تستطيع أن تنبعث من جديد. أنظر: نهاية التاريخ والانسان الأخير، ترجمة فؤاد شاهين، جميل قاسم، رضا الشايببي، مراجعة وتقديم مطاع صفدي، بيروت، مركز الانماء القومي، بيروت 1993 ,ص 68 - 69.

3  - اعتبر على سبيل الذكر الفيلسوف الأندلسي إبن باجة السياسة تدبيراً للمدينة بالقول: "التدبير إذا قيل على الإطلاق، دلّ على تدبير المدن.أنظر: "رسائل إبن باجة الإلهية، تحقيق وتقديم ماجد فخري، بيروت، دار النهار للنشر 1968، ص 39"، مفرّقاً خاصة بين المدينة الكاملة السعيدة الفاضلة من جهة، والمدينة الناقصة الفاسقة المُتبدّلة الضالّة من جهة ثانية.

4 - يمكن العودة إلى كلمة patrie في معجمي larousse و robert .

5 - يقول فيخته: "إن الذين استسلموا عندما كان الأمر نضالاً من أجل الوطن يتعلّمون تحت أعلام أجنبية القتال شجعاناً ضدّ الوطن"، يوهان غوتليب فيخته، خطابات إلى الأمّة الألمانية، ترجمة سامي الجندي، بيروت، دار الطليعة 1979، ص39 ص 40.

6 - الفارابي، كتاب السياسة المدنية الملقّب بمبادئ الموجودات، تحقيق فوزي متري نجار، المطبعة الكاثوليكية، بيروت لبنان.

7 - يرسم أفلاطون في كتابه "الجمهورية" للنظام السياسي المنشود صورة زاهية، ففي الجمهورية، يسود العدل، ويؤدّي كل عمله في تناسق مع الآخرين ولا أحد يستعبد أحداً، غير أنه في كتاب "النواميس" يبرّر تلك العبودية ولا يرى حَرَجاً في قبولها، أنظر: أفلاطون، "الجمهورية"، ترجمة فؤاد زكرياء، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 1974.

8 - أرسطو، كتاب السياسة، ترجمة أحمد لطفي السيد، دار الجمل، بيروت/بغداد 2009.

9- الأفكار المنسوبة إلى هوبس هنا موجودة في كتابه: التنّين الذي ظهر لأول مرة سنة 1651، أنظر hobbesleviathan traduction François tricaud Paris Sirey 1971

 10 - أنظر jj Rousseau .du contrat social .Paris .Garnier Flammarion 1986.

11 - يقول دالمبار: "توجد في جنيف أربع طبقات من السكان: المواطنون الذين هم أبناء برجوازيين وولِدوا في المدينة؛ هم وحدهم يمكن أن يصبحوا قضاة. والبرجوازيون الذين هم أبناء برجوازيين أو مواطنين ولكنهم ولِدوا في بلد أجنبي، أو أنهم أجانب منحهم القضاء على حقوق برجوازي، وهذا ما للقضاء السلطة للقيام به؛ وهؤلاء يمكنهم أن يكونوا أعضاء في المجلس العام وحتى في المجلس الكبير، المسمّى "مجلس المائتين" والمقيمون وهم أجانب  سمح لهم القضاء بالإقامة في المدينة ولكنهم لا يمارسون أية وظيفة. وأخيراً هناك الأهالي وهم أبناء المقيمين ولديهم امتيازات التي لم يمتلكها آباؤهم، لكنهم مستبعدون من الحكومة".  نلفت عناية القارئ إلى أن مقال دالمبار ورد ضمن الموسوعة التي أشرف عليها ديدرو، للغرض يمكن العودة إلى الرابط الالكتروني التالي :https://www.lexilogos.com/document/encyclopedie/geneve.htm

12 -ـ أنظر هيغل، أصول فلسفة الحق، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، دار التنوير، بيروت 2007.

13 - يقول جون بول سارتر: "المستعِمر الذي تتعارض مصالحه مباشرة مع مصالح الجزائريين، والذي لا يستطيع أن يعيش إلا على الاستغلال والاحتكار لا يستطيع أن يقرّ هذه الحقوق (يقصد سارتر الحقوق المتساوية بين المواطنين) إلا لنفسه، (...) ويؤيّد كل التأييد النزعات العنصرية التي لا تذهب مذهب شمول الحرية البرجوازية، من أن جميع الناس يتمتّعون بحقوق واحدة، بل إنه يصنع من الجزائري رجلاً أدنى مستوى من سائر البشر. أنظر: عارنا في الجزائر، القاهرة، الدار القومية، من دون تاريخ ص 23.

14 - يقول فانون: "على صعيد الوصف من نافل القول التذكير  أن هناك مدناً للسكان الأصليين ومدناً للأوروبيين وأن هناك مدارس للسكان الأصليين ومدارس للأوروبيين ( ...) ان العالم المستعمر منقسم إلى عالمين والخط القاسم، الحد ، ترسمه الثكنات ومراكز الشرطة . أنظر: Frantz Fanon. Les damnés de la terre . préface de Jean Paul Sartre. La découverte. Paris 1987 p27

15 - يقول هنتنغتون: "بدأت الموجة الثالثة من التحوّل الديمقراطي في العالم الحديث بعد خمس وعشرين دقيقة من منتصف ليلة الخميس 25 نيسان/أبريل 1974 في لشبونة في البرتغال، حين قامت الإذاعة ببثّ أغنية "مدينة البحر"، وكانت هذه الأغنية بمثابة إشارة انطلاق للوحدات العسكرية حول لشبونة لتنفيذ خطّة انقلاب عسكري وضعت بعناية على يد الضبّاط الشبّان الذين قادوا حركة القوات البحرية. وتمّ الانقلاب بفعالية ونجاح بعد مقاومة ضعيفة من قوات الشرطة (...). كان انقلاب 25 أبريل بداية قاسية لحركة عالمية نحو الديمقراطية.أنظر: "الموجة الثالثة التحوّل الديمقراطي في أواخر القرن العشرين، ترجمة عبد الوهاب علوب، تقديم سعد الدين إبراهيم، الكويت/القاهرة، دار سعاد الصباح 1993 ص 61.