أجنحة الفراشة وأجهزتها النانوية

باستخدام الفحص المجهري الإلكتروني (SEM)، اتضح أن أجنحة الفراشة مصنوعة من مواد فاخرة جداً ، حيث إنها تستخدم بِنًى نانوية تحقق تلويناً عالي الدقة في مقاييس أرق من البدائل الاصطناعية، كما تحتوي على ألوان فائقة التصميم تضاهي أكثر المواد الاصطناعية! 

  • أجنحة الفراشة وأجهزتها النانوية
    أجنحة الفراشة وأجهزتها النانوية

يوماً بعد يوم، تُدهشنا الطبيعة بعظمة الخالق، حيث تقف كمختبر عملاق للعلوم والهندسة! هذه المرة من خلال "أجنحة الفراشة" التي تحتوي على أسرار متناهية الصغر تُعتبر مدرسة في هندسة البناء النانوية.

لطالما جذبتنا الفراشاتُ إليها من خلال ألوانها الزاهية كأنها لمسة سحرية أبدعها الخالق. التقزح اللوني على أجنحتها ولمعانها من زوايا مختلفة مع قدرتها على التكيف مع حرارة الشمس، دفع بالعديد من العلماء إلى الخوض في أسرارها.

باستخدام الفحص المجهري الإلكتروني (SEM)، اتضح أن أجنحة الفراشة مصنوعة من مواد فاخرة جداً ، حيث إنها تستخدم بِنًى نانوية تحقق تلويناً عالي الدقة في مقاييس أرق من البدائل الاصطناعية، كما تحتوي على ألوان فائقة التصميم تضاهي أكثر المواد الاصطناعية! 

  • أجنحة الفراشة وأجهزتها النانوية
    أجنحة الفراشة وأجهزتها النانوية

تتكوّن الأجنحة من عدة طبقات محصورة بالهواء ذات الهياكل النانوية، وتحتوي على ثلاث مناطق متميزة، وهي الصفيحة العلوية الشديدة التعقيد، والصفيحة السفلية المسطحة والخالية من الملامح، والاتصال الشبيه بالعمود للطبقتين.

عندما يضرب الضوء هذه الطبقات المتباعدة بشكلٍ متساوٍ، فإن الانعكاسات الضوئية تخلق أنماط تداخل بنّاءة تؤدي إلى إدراك أعيننا لألوان شديدة الكثافة على أجنحتها (تماماً مثل فقاعات الصابون الملونة إذا ما انكسر عليها الضوء فإنها تُظهر "تقزحاً لونيّاً").

تسهم هذه الهياكل بأنواعها وصغرها المتناهي في اختيار الألوان من خلال عكس أطوال موجية ضوئية معينة. اعتماداً على الشكل والحجم والزاوية والتباعد بين الهياكل، يتم إلغاء أو تقوية بعض الألوان بشكل انتقائي، ما يعطي اللون الفعلي لجناح الفراشة بناءً على القياس النانوي الخاص بالهيكل. يرتد الضوء داخل هذه المواد بطريقة مبعثرة، منتجاً ألواناً زاهية.

أجهزة تكييف نانوية تخفف حرارة الأجنحة

تستخدم الفراشات الأجنحة لاستشعار الأشعة المرئية والأشعة ما تحت الحمراء، وتستجيب للسلوكيات المتخصصة لمنع ارتفاع درجة حرارة الأجنحة.

تعتبر درجة الحرارة على قدر كبير  من الأهمية بالنسبة إلى الفراشات أثناء تحركها. يجب أن تبقى عضلات صدرها دافئة حتى تتمكن من التحكم في أجنحتها، وجعلها تتحرك بالسرعة الصحيحة.

إحدى الدراسات وجدت أن الأجنحة مجهزة بأنسجة حية ضرورية للبقاء والطيران حيث إن الحرارة المرتفعة ستجعلها تشعر بعدم الارتياح.

وكي تتفادى الفراشة الحرارة العالية، فإن المواد السميكة المجوفة في أجنحتها تشع حرارة أكثر من المواد الصلبة الرقيقة [2]. في هذه الحالة، تتم تغطية كل عروق جناح الفراشة بطبقة سميكة من الكيتين (مادة تدعم الهيكل الخارجي لها). بصرف النظر عن هذا، فإن الهياكل النانوية الأنبوبية في وسادات الفراشة تشع أيضاً الحرارة من أنسجة الجناح، وهذا كفيل لها كي تطرد الحرارة العالية من بدنها إلى بيئتها المحيطة، وبالتالي تعمل على تبريد ذاتها.

هياكل نانوية تُسهم في إنتاج طاقة نظيفة

 يتميّز اللون الأسود بقدرة امتصاص عالية للضوء. أما في الفراشة فإنه يشير إلى محاصرة ضوء الشمس داخل هياكل أجنحتها.

درس العلماء "الأجنحة السوداء" لفراشة الورد، ونسخوا الهيكل لتكوين خلايا شمسية رقيقة أكثر كفاءة، إذ يمكن لهذه الخلايا أن تمتص الكثير من الضوء بغض النظر عن الزاوية، كما يسهل صنعها. إن استخدام هذه الهياكل كنماذج مضادة للانعكاس الضوئي سيساعد في حصاد ضوء الشمس على الخلايا الكهروضوئية (photovoltaic cell) القائمة على مادة السيليكون (Si). أظهرت نتائج المحاكاة الحاسوبية أنه بعد وضع الهياكل النانوية على الألواح الشمسية Si، انخفض التشتت الخلفي السطحي للضوء بشكل كبير. انخفض انعكاس الضوء من أكثر من 35% على لوحة السيليكون Si العارية إلى أقل من 5%. وبالتالي، أدى إلى زيادة تيار الدائرة القصيرة، أي أكبر تيار يمكن الحصول عليه من الخلية الكهروضوئية، بنسبة 66%. 

إن استخدام الهياكل النانوية المستمدة من المقاييس السوداء للفراشات سيوفّر مادة طلاء مضادة للانعكاس الحراري على الألواح الشمسية، ما يضمن طريقاً فريداً لتعزيز حصاد عالٍ للطاقة الشمسية. بالنظر إلى الحجم الكبير للألواح الشمسية (Si) المستخدمة، من المتوقع أن أجنحة الفراشة ومن خلال تقليدها الحيوي، يمكن أن توفر مساهمة كبيرة في إنتاج الطاقة النظيفة.

تقنية أمنية لمواجهة التزوير 

ألهمت فراشة مورفو الزرقاء فريقاً علمياً بابتكار تقنية أمنية باستخدام خصائص حيود الضوء (light diffraction) لأجنحة الفراشة. فقد تمّ بناء مواد ذات ثقوب بحجم النانو لإحداث التأثير نفسه. يهدف ما يسمّى "تأثير الفراشة" إلى مكافحة التزوير في العملات والمعرّفات وجوازات السفر والعديد من المنتجات الاستهلاكية. بدلاً من اللون المُشتق من المادة نفسها، فإن الطريقة التي ينعكس بها الضوء عن المصفوفات النانوية للثقوب هي مصدر اللون هنا. عندما يسطع الضوء على هذه المصفوفات من الثقوب، فإن نمط التداخل لموجات الضوء يؤدي إلى صورة فريدة. الأمر الأكثر إثارة هو أن ألوان الصور يمكن ضبطها فقط من خلال الهندسة وعدد هذه الثقوب. يتكون قالب الثقوب من خلال تقنية تسمى الطباعة الحجرية بشعاع الإلكترون (Electron beam lithography)، والتي تُستخدم أيضاً في صنع نماذج أولية لرقائق الكمبيوتر. 

خلاصة: من خلال استخدام الخصائص المختلفة لأجنحة الفراشة، نجحت الأبحاث العلمية في تصنيع أجهزة استشعار حرارية وطبية وبخار وأجهزة أمان مضادة للتزييف ومحفزات ضوئية وأنظمة كهروضوئية ومولدات نانوية احتكاكية وأنظمة تخزين الطاقة. بالمقارنة، أظهرت هذه الأنظمة كفاءة وأداء تنافسيين لأنظمة مماثلة مستوحاة من الأنواع الطبيعية الأخرى، ما يُترجم مقولة ألبرت أينشتاين "انظر بعمق في الطبيعة، وبعد ذلك ستفهم كل شيء بشكل أفضل".

يمكن للمواد الضوئية الحرارية المستوحاة من أجنحة الفراشة أن تكتسب الاهتمام بأبحاث تقنيات "التخفي الناشئة للحرب الحديثة" وتقنيات البحث العلمي، مثل الصواريخ والأجهزة غير القابلة للكشف الضوئي.

أخيراً، أظهرت أجنحة الفراشة خصائص عديدة ومتنوعة أبهرت العلم الحديث، بعضها تمّت الاستفادة منه، والبعض الآخر ما زال سرّه وجوابه عند الفراشة وحدها.