يوم حمانا اللبناني للكرز: من القروية إلى العالمية

بات يوم الكرز الحمّاني يوماً لبنانياً بامتياز حيث يؤمّه آلاف المواطنين الباحثين عن الفرح والجمال والراحة من مختلف المناطق اللبنانية، يحتفون بما يشاهدونه، ويشاركون بقطاف الكرز، وعرضه، فتخلق في البلدة أجواء من الانصهار، والاندماج الذي يتوق إليه اللبنانيون.

  • يوم حمانا اللبناني للكرز: من القروية إلى العالمية
    يوم حمانا اللبناني للكرز

في بساتين العمل والإنتاج نجد وحدتنا، ووطنيتنا، وفرحنا، والآمال. هذا ما يكرّسه يوم الكرز في بلدة حمّانا في جبل لبنان. يومٌ تكرّس بالعفوية، والتكرار لتصريف الإنتاج، ليتحوّل إلى يوم استقطاب لمختلف المناطق اللبنانية للمشاركة بفعالياته، إنْ في عروض الكرز، أم في ما تتقنه كل منطقة من تراثيات، أو في ما يبتغيه كلّ من يزور البلدة. 

وليس يوم الكرز جديداً في حمّانا، فقد كان موسم الكرز محطة انطلاق لمهرجانات سنوية حول انتخاب ملكة جمال لبنان، مع مهرجانات صاخبة ملؤها الفرح قبل أن تندلع الأحداث في لبنان، بحسب ما أفادت لورا البيري "الميادين نت"، ذاكرة أنه "أعيد إحياء اليوم منذ 13 سنة، لتشجيع تصريف الإنتاج، مع توقّف سنتي 2020،و2021 بسبب ظروف الكورونا".

وفي لمحة سريعة عن البلدة، فهي تقع في قضاء بعبدا، نحو ثلاثين كيلومتراً شمالي-شرقي العاصمة بيروت، وعلى ارتفاع وسطي يقارب الألف متر عن سطح البحر. شتاؤها بارد، وصيفها منعش، تتميّز بنبع مياه غزير هو نبع "الشاغور"، الذي يمكن القول إنه أعطى لحمانا بُعْداً خاصّاً، ورفدها بحيوية قلّ نظيرها.

  • يوم حمانا اللبناني للكرز: من القروية إلى العالمية
    يوم حمانا اللبناني للكرز

تقول البيري - مسؤولة مكتب التنمية المحلية في بلدية حمانا-  إنه "عاماً بعد عام، يتسع يوم الكرز، ويتبلور، وينتقل من عرض لمنتج الكرز إلى استعراض لمختلف الحرف، والحلويات، والتراثيات، والأطباق، والفنون الموسيقية، وفرح الأطفال"، مضيفة أن "العرض كان يغطي شارعاً واحداً في البلدة، ليغطي كل شوارعها اليوم، وكمية الإنتاج لهذا العام بلغت 10 أطنان، وهو من أعلى الأرقام التي بلغها إنتاج الكرز في حمانا، وبعد أن كان عدد العارضين لا يتجاوز الثلاثين من أبناء حمانا، بلغ الـ 200 عارض هذا العام من مختلف المناطق اللبنانية".

يوم لبناني بامتياز

بات يوم الكرز الحمّاني يوماً لبنانياً بامتياز حيث يؤمّه آلاف المواطنين الباحثين عن الفرح والجمال والراحة من مختلف المناطق اللبنانية، يحتفون بما يشاهدونه، ويشاركون بقطاف الكرز، وعرضه، فتخلق في البلدة أجواء من الانصهار والاندماج الذي يتوق إليه اللبنانيون، وعايشوا أمثاله قبل الأحداث، ويتمسّكون بالعودة إليه في أول لحظة سانحة.

وتوقّعت البيري أن "يصل الإنتاج الحمّاني إلى 50 طناً في السنوات الخمس المقبلة بعد إقبال العديد من المزارعين والسكان على غرس نصوب الكرز حيثما بقيت مساحات أرض فارغة، وهي تحتاج لبضع سنوات لتبدأ بالإنتاج".

كما يشارك في عروض الكرز منتجون من الجوار ككفرسلوان وعين دارة وسواها، إضافة إلى زوّار ومشاركين من البقاع والجنوب والشمال ومختلف المناطق.

بدأ اليوم عند الظهيرة بكلمة حفاوة وترحيب من رئيس البلدية، فعرض موسيقي يتنقّل في مختلف الأحياء بين جمهور تغص به الطرقات بين منصات العرض المختلفة لأصناف الكرز، ومنه الكبير، ومنه الصغير، من أصناف "المكحّل"، إلى "النواري"، فـ"قلب الطير"، فـ"الموشّح"، و"المزيّح"، وسواها من تسميات وأصناف.

  • مصنعات من الكرز
    مصنعات من الكرز

تفيد البيري أن سكان حمّانا أدخلوا المنتج في مختلف الأطعمة المحليّة والمستوردة بعد أن خبروا مذاقه الطيب وجودته العالية، تساهم في ذلك نوعية التربة، ووفرة المياه، وطيب المناخ. فصار عندنا مربى الكرز، وليموناضة الكرز، وكومبوت الكرز، وباربكيو الكرز، وبيتزا الكرز، وكباب الكرز، وهمبرغر الكرز..

إلى جانب الكرز، تشتهر حمانا بإنتاج أنواع الحبوب، بالأخص الفاصوليا التي جعلوا منها أصنافاً، كثيراً ما زاوجت الكرز، وقدّمت أطباقاً شهية متجددة.

ولا تقلّ أهمية عن عروض الكرز والأطعمة المختلفة، عروض تراثية من المناطق اللبنانية كافة، كصناعة الفخار، والجلد، والخشبيات، والجزادين، وأصناف المؤنة، والعسل، وأطباق من ابتكار سيدات حمانا، يمزجن التقليد والتراث اللبناني بمبادرات دخل الكرز عليها بأنواع متعددة.

وتتسع الأفكار التي تنضم إلى اليوم، إلى أن تحوّل أيضاً إلى مساحات فرح وحفاوة للأطفال، وللشباب، ومختلف الأعمار، حيث يشاهد في هذا اليوم، نساء ورجال وشباب وأطفال يمدّون أياديهم لقطاف الكرز من الحقول، ويعودون به إلى الأسواق، حيث تجول  فرق الموسيقى، وتُقدّم العروض الفنية المبهجة، بينما يمارس الأطفال سواقة ألعاب السيارات والقطارات في مساحات خُصّصت لها لتضفي مزيداً من الاحتفالية والفرح على المهرجان. 

  • كرز وفاكهة
    كرز وفاكهة

الحشد الكبير من المشاركين في يوم حمانا لهذا العام لم يكن متوقّعاً، حيث شوهد لبنانيون من مختلف المناطق، كما قصده عربٌ وأجانب وصلتهم أخبار اليوم، وحفظوا موعده من عام إلى عام.

يوم حمانا يؤمّن فسحة من الممارسات في الطبيعة والبيئة الحمّانية للتعرّف إلى منحدراتها المكسوّة ببساتين الكرز، ومختلف الحبوب، والخضروات، وصولاً إلى الساحة التي كثيراً ما اعتمدت لتصوير مسلسلات موسمية، تنتشر فيها وحولها البيوت القرميدية والأحجار التراثية، تضفي على المهرجان رونقها الخاص.

 وثمة نصب تذكاري في ناحية من نواحي البلدة لابنها الراحل الدكتور جورج حاتم، قدّمت النصب جمهورية الصين للبلدة تكريماً لمناضل رافق القائد العالمي الصيني ماو تسي تونغ في مسيرته الكبرى التي أسّست الصين الحديثة، وباتت تتقدّم العالم على مختلف الصعد.

  • من المعروضات
    من المعروضات

 

من زوّار اليوم، المخرج المسرحي اللبناني عبيدو الباشا الذي شوهد مشاركاً في القطاف، وكان له وصف معبّر عن اليوم. كتب: "الحقول فسيحة، ولكن العصافير سبّاقة إلى نقر الحبّات الحمراء والسوداء. هواء وعشب وأرض وشجر وبشر. عشرات الآلاف من البشر كأنهم يتحركون في غرفة ضيقة، يقرأون في جدرانها، كما يقرأون في الصفحات البيضاء. خصور ناحلة، وخصور ممتلئة. ملابس من أرقى الماركات، أو مما هو غير معروف. سيارات فارهة، وأخرى عادية. أكشاك، فانات. عيون بوحوش سعيدة، أو وحوش محايدة. بحر من الناس يترك أثراً سوف يبقى طويلاً".