تأخّر الشتاء بين الروايات الشعبية والاحتساب الأكاديمي

يرتبط تعدّد الروايات، وتنوّعها على الأمكنة المعتمدة في مناطق الشرق الأوسط المترامية، وربما تفاوت ورود الروايات زمنياً، ويمكن الاعتماد عليها جزئياً، لولا تطوّر طرق الرصد، وأجهزته.        

  • تأخّر الشتاء بين الروايات الشعبية والاحتساب الأكاديمي
    تأخّر الشتاء يثير تساؤلات شعبية

روايات كثيرة تراكمت حول تقلبات الطقس خصوصاً في فصل الشتاء، لما يرخيه هذا الفصل من ضغط نفسي تسبّبه الشمس في اختفائها الطويل خلف الغيوم، ولم تعد الروايات تقتصر على منحىً واحد، فهي تتعدّد، وتتنوّع بحسب اختلاف الزمان، والمجتمعات حيث لكلٍّ منها روايته.

وربما من المفيد العبور على تقسيمات الطقس، والمنطقة تدخل مرحلة من الطقس المتغيّر الماطر، والعاصف، والبارد، وربما تطول بحسب الأرصاد الجوية، وخبراء الطقس، وذلك بعد فترة من الطقس المشمس الجميل، المخالف لتطورات المناخ التقليدية. 

ولم يعد خافياً أن التقسيمات باتت عرضةً للتبدّلات، فلم تعد متناسقة بمسار سنوي عام كما في العقود الماضية قبل بلوغ التلوّث المناخي الذي وصل مرحلة عالية مع تطور الثورة الصناعية الغربية، وما أحدثته من تدمير، وتغيير خطير في مسار المناخ، باتت تهدّد الحياة البشرية بحسب علماء البيئة والمناخ.

المتغيّرات 

يبدأ اليوم التغيّر المناخي للطقس، وتقفل فترة الهدوء، والتشمُّس، وتتحضّر الأجواء لموجات من المنخفضات الجوية. وإذا شئنا مطابقة التغيرات الحالية مع المعايير والتقسيمات التقليدية التي رصدها الناس خلال أزمنة طويلة، وتراكمت معلوماتها وقصصها في المنطقة، يمكن ملاحظة تطابق قياس الأحوال الجوية أحياناً بين الوسائل العلمية الحديثة والتقليدية منها.

في المقاييس المحلية، فشلت المرحلة الأولى هذا العام، والفضل للاختلال الحراري الناجم عن التلوّث، ذلك أن المعايير التقليدية تبدأ بتقسيم الشتاء، أولاً، بما يُعرف بالـ"مربعانية" التي تستمر افتراضاً لمدة أربعين يوماً، تبدأ في الثاني والعشرين من كانون الأول/ديسمبر، وتستمر حتى نهاية كانون الثاني/يناير، مع العلم أن التقسيمات الأكاديمية للطقس والفصول، تحدّد بداية فصل الشتاء بهذا التاريخ، أي 22 كانون الأول/ديسمبر. 

يُفترض بهذه المرحلة أن يشهد الطقس تقلبات متقطعة، وتساقط المطر، والثلوج، لكن ليس بالقساوة الشتوية، لتنتهي بنهاية كانون الثاني (ديسمبر) الذي يحلّ بعد يومين، فتكون عوامل المناخ قد بدأت بالاشتداد وفق النشرات الجوية، وخبراء المناخ. 

"المربعانية" كانت قياساً فاشلاً

"المربعانية" كانت قياساً فاشلاً هذا العام، لكن المرحلة الثانية تبدو أكثر صحة، وهي تُعرف وفق الروايات الشعبية المتوارثة بـ"خمسينية الشتاء"، وتُقسّم إلى 4 أجزاء، تسمى "السعودات" (جمع سعد)، وكل قسم منها يتكوّن من 12,5 يوم.

 الروايات الشعبية حول الطقس تتّسم غالباً بصفات يصح القول فيها بالمزاح، أو الاستهزاء فيقال عن المربعانيّة، على سبيل المثال، "إذا ما عجبكم حالي، ببعتلكم السعود "خوالي" (من كلمة خال)، والمعروف أن الانسان "يشدّ ظهره" بخاله. 

السعد الأول يبدأ أول شباط / فبراير، ويستمر حتى منتصف الثاني عشر منه، ويُطلق عليه سعد "ذبح" ويسود فيه البرد الشديد، فتُشَلّ حركة الناس، ويلتزمون منازلهم، ويُعَبَّر عن ذلك بالمثل الشعبي: "سعد ذبح، كلبو ما نبح، و فلاحو ما فلح، و راعيه ما سرح".

ثم يحلّ سعد "بلع" يبدأ في 12 شباط /فبراير، والمقصود بالتسمية أن الأرض تبتلع ماء الأمطار الغزيرة، فتفيض الأنهار، وترتفع المياه في الآبار، ويقال شعبياً: "بسعد بلع بتنزل النقطة وبتنبلع” وفي ذلك إشارة إلى أن الأرض ما زالت بحاجة للمياه، ولم ترتوِ كفاية من السعد الأول.

السعد الثالث يبدأ في 25 شباط (فبراير)، فيكسر الجو برودته، ويميل إلى الدفء، ويقول المثل: "بسعد السعود، بتدبّ الماويّة بالعود، وبيدفى كل مبرود"، وعلى خط آخر، يقال: “شباط.. إن شبط أو لبط.. ريحة الصيف فيه". 

السعد الأخير، يعرف بسعد "الخبايا"، يبدأ من 9 آذار / مارس، وتزهر الأشجار، و تسرح الحشرات، ويقول المثل: "بسعد الخبايا، بتطلع الحيايا، و بتتفتل الصبايا". وعلى خط آخر، يُقال: بشهر آذار، طلّع بقراتك عالدار"، ونقيضه مجازياً: “خبّي فحماتك الكبار، لجدّك آذار"، وإن يدلّ هذا التعارض على شيء، فإنما على تبدلات الطقس في هذا الشهر، وتراكم المعلومات المتضاربة عنه عبر توالي السنين.

إقرأ أيضاً: شتاء فلسطين: فلسفة تقسيمات شعبية لأحوال الطقس

تنتهي السعودات، ويصل الزمن إلى الواحد والعشرين من آذار /مارس)، وهو موعد بداية فصل الربيع حسب التقسيمات الأكاديمية، ويُفترض أن تكون موجات الشتاء، والعواصف قد بدأت تتقطّع، وبدأ الشتاء يكون أقلّ ضغطاً على الناس.

وهناك "الأيام الحسوم"، تبدأ من 11 آذار/ مارس ومدتها 6 أو 8 أيام وهي أيام برد، وريح شديدة، كذلك "سقوط الجمرات" الثلاثة، الأولى في20 شباط/ فبراير، واسمها جمرة الهواء، فيشعر الناس بدفء الهواء، والثانية في 27 شباط واسمها جمرة الماء فيشعر الناس بدفء الماء، والثالثة في 6 آذار، وإسمها جمرة الأرض فيشعر الناس بدفء الأرض.

الروايات الشعبية 

وعلى خط  المقولات الشعبيية في قياس حالة المناخ، هناك مناطق، هي غالباً شرق أوسطية، تقيس نهاية الشتاء بنهاية شباط (فبراير)، وبداية آذار (مارس) فيما يُعرف برواية ا"لمستقرضات"، واستقرض أي استدان، أو استعار، وتعتمد الرواية على قصة العجوز التي تختبىء في شهر شباط هرباً من اشتداد حالة المناخ، وقبيل انتهاء الشهر، وقد اطمأنت العجوز على مصيرها، تخرج إلى الدار وتنشد: "راح شباط.. وولّى شباط.. ودحشنا (أدخلنا) فيه هالمخباط". 

يغضب شباط/ فبراير، ويعيد استجماع قوته للقضاء على العجوز، بين السادس والعشرين والثامن والعشرين منه، فيفشل بالقضاء عليها، فيستنجد بآذار (مارس) ابن عمه قائلا: يا ابن عمي.. يا ابن عمي.. 4 ايام منك و 3 مني.. حتى نخلي العجوز تونّي (ترحل)".

وعلى هامش "المستقرضات"، نشأت روايات تعبّر عن اختلاف التقويم الزمني، وهي رائجة بين الطوائف المسيحيّة، بين احتساب شرقي، وغربي، والفارق بينهما ثلاثة عشر يوماً، والغربي منها يستبق الشرقي.

و وفق حساب المستقرضات، ينتهي الشتاء بها افتراضاً، لكن يبقى موسم الـ "17” ، ويُقال له "السبعتعشيات"، ويكون قاسياً، شديد الرياح، وبارداً، ويعتقد الناس فيه أنه ما يشبه وداع الشتاء.

ويرتبط تعدّد الروايات، وتنوّعها على الأمكنة المعتمدة في مناطق الشرق الأوسط المترامية، وربما تفاوت ورود الروايات زمنياً، ويمكن الاعتماد عليها جزئياً، لولا تطوّر طرق الرصد، وأجهزته.