تخطّي الاحترار بـ1.5 درجة مئوية قد يؤدّي إلى نقاط تحوّل مناخية دائمة

احترار الكوكب فوق عتبة 1.5 درجة مئوية يمكن أن يؤدي إلى "نقاط تحوّل" مناخية كثيرة، ما قد يُفضي إلى سلسلة تفاعلات مناخية كارثية.

  • نقطة التحوّل التي قدّرها العلماء للقمم الجليدية في غرب أنتركتيكا وغرينلاند سيساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 10 أمتار
    احترار الكوكب فوق عتبة 1.5 درجة مئوية سيساهم في ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 10 أمتار في غرب أنتركتيكا وغرينلاند  

أفادت دراسة نُشرت في مجلّة "ساينس"، أمس الخميس، أنّ احترار الكوكب فوق عتبة 1.5 درجة مئوية، وهو الهدف الأكثر طموحاً لاتفاقية باريس (كوب 21)، يمكن أن يؤدي إلى "نقاط تحوّل" مناخية كثيرة، ما قد يُفضي إلى سلسلة تفاعلات مناخية كارثية.

وتُلزم اتفاقية باريس (كوب 21)، التي أُقرت عام 2015، الدول بالعمل على بقاء متوسط الزيادة في درجة حرارة الكوكب من دون درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، ومحاولة أن تقتصر الزيادة على 1.5 درجة مئوية.

وتهدّد درجات الحرارة الحالية الآخذة في الارتفاع أصلاً، بإطلاق 5 من نقاط التحوّل، بما في ذلك تلك المتعلقة بالغطاء الجليدي في القارة القطبية الجنوبية وغرينلاند، بحسب تحذيرات مُعدّي الدراسة، الذين يقولون إنّ الأوان لم يفت بعد للبدء بمسار الحل.

وقال تيم لينتون، أحد مُعدّي الدراسة، "بالنسبة لي، سيغير ذلك وجه العالم، حرفياً، إذا ما نظرتم إليها من الفضاء"، مع ارتفاع مستوى المحيطات أو تدمير الغابات.

و"نقطة التحوّل" هي "عتبة حرجة يعيد النظام ما بعدها تنظيم نفسه، غالباً بسرعة كبيرة و/أو بطريقة لا رجعة فيها"، بحسب تعريف فريق الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. وتؤدي هذه الظواهر بشكل مستقل وحتمي إلى عواقب متتالية أخرى.

وفيما قدّرت تحليلات أوّلية عتبة انطلاق هذه الظواهر ضمن نطاق احترار يراوح بين 3 و5 درجات مئوية، فإنّ التقدم في تقنيات الرصد المناخي، وكذلك في إعادة تشكيل أنماط المناخ الماضية، أدّى إلى خفض كبير في هذا التقييم.

الدراسة المنشورة في مجلة "ساينس" هي عبارة عن تجميع لنتائج أكثر من 200 منشور علمي، تم إجراؤها من أجل التكهن بشكل أفضل بالعتبات المسببة لنقاط التحوّل هذه.

وحدّد مُعدّو الدراسة 9 "نقاط تحوّل" رئيسية على مستوى الكوكب، و7 منها على المستوى الإقليمي، أي 16 في المجموع.

ومن بين نقاط التحوّل هذه، 5 يمكن أن تنشأ عن معدلات الحرارة الحالية التي ارتفعت بما يقرب من 1.2 درجة مئوية في المعدّل منذ ما قبل الثورة الصناعية: تلك المتعلقة بالأغطية الجليدية في أنتركتيكا وغرينلاند، وذوبان الجليد المفاجئ في التربة الصقيعية، ووقف ظاهرة انتقال الحرارة في بحر لابرادور وزوال الشعاب المرجانية.

ومع ارتفاع معدّل الحرارة بـ1.5 درجة مئوية، تنتقل 4 نقاط أخرى من فئة "محتملة" إلى فئة "مرجحة"، فيما 5 نقاط أخرى باتت "ممكنة".

نقطة تحوّل اجتماعي

وأشار تيم لينتون، الباحث في جامعة "إكستر" البريطانية،أنّ بلوغ نقطة التحوّل التي قدّرها العلماء للقمم الجليدية في غرب أنتركتيكا وغرينلاند سيساهم، على مدى مئات السنين، في ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 10 أمتار.

وبما أنّ تدمير الشعاب المرجانية بدأ بالفعل، فإنّ الارتفاع في درجات الحرارة يمكن أن يجعل هذا التدمير دائماً، وبالتالي يؤثر على 500 مليون شخص يعتمدون عليه.

وفي بحر لابرادور، يمكن أن تتعطل ظاهرة التبادل الحراري (أو الانتقال الحراري) التي تجلب الهواء الدافئ إلى أوروبا، ما يؤدي إلى فصول شتاء أكثر برودة، كما حدث في القارة خلال العصر الجليدي الصغير.

وسيؤدي الذوبان المتسارع للتربة الصقيعية إلى إطلاق كميات هائلة من غازات الدفيئة، ما سيغيّر بشكل كبير المناظر الطبيعية في روسيا وكندا والدول الاسكندنافية.

ومع ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية، سيتعطل تيار محيطي رئيسي في المحيط الأطلسي (AMOC). وعند درجتين مئويتين، ستكون هذه الحال بالنسبة للرياح الموسمية في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل وغابات الأمازون التي قد تتحوّل إلى سافانا (سهل عشبي).

هذه الآثار المدمرة تعتمد على مدّة الاحترار، كما يوضح أحد ُمعدّي الدراسة، ديفيد أرمسترونغ ماكاي، الذي يحذر من أنّ في حال الاستقرار عند 1.5 درجة مئوية، لمدة 50 أو 60 عاماً، فإن الكوكب سيواجه أسوأ العواقب.

ويشير ماكاي إلى أنّ "نقاط التحوّل" هذه لن تؤدي دوراً كبيراً في تفاقم الاحترار نفسه، مُبدياً اعتقاده بأنّ البشرية لا تزال قادرة على الحد من الضرر في المستقبل.

ويرى تيم لينتون أنّ مفهوم نقطة التحوّل هذا يمكن أن يُترجم بشكل أكثر إيجابية في الكفاح ضد أزمة المناخ، باعتباره "نقطة تحوّل اجتماعية" تشجع على العمل.

ويقول "هكذا يمكنني أن استيقظ في الصباح"، للسؤال "هل يمكننا إحداث التغيير، وتحويل طرق حياتنا؟"، مضيفاً: "التفكير بشكل منهجي، مع فكرة نقطة التحوّل هذه، يمنحنا بصيص أمل".