رصاص الجهل والأذى يغتال طيور اللقلق المهاجرة فوق أجواء لبنان

أسراب من طيور اللقلق المهاجرة وخلال عودتها من جنوب أفريقيا لتعشّش في أوروبا، لتعلن بدء موسم هجرة طيور الربيع 2023، وخلال ممرها الاجباري في سماء لبنان حتى فتكت بها رصاصات الصيادين، وجمعية أرض لبنان تطلق الصرخة.

  • الطيور المهاجرة وهي تعبر فوق أجواء لبنان
    الطيور المهاجرة وهي تعبر فوق أجواء لبنان
  • طيور نافقة بالصيد
    طيور نافقة بالصيد

تعبر الطيور المهاجرة سماء لبنان كممر إجباري لها، فتتعرّض أسرابها للصيد رغم المناشدات بأهمية الحفاظ عليها، ويرى رئيس جمعية أرض لبنان تحسنا في الحفاظ على الطيور، والاعتداء استثناءً.

تسير عصراً بين البساتين ترويحاً عن النفس في يوم عمل مضنٍ، تفاجئك أرتال من الصيادين يهرعون بكل اتجاه، موجهين بنادقهم نحو السماء، فإذا هم قد لمحوا أسراب الطيور المهاجرة، أو سمعوا أصوات رفرفات أجنحتها، وبغرائزية متوحشة، حملوا بنادقهم، وأسرعوا صوب معابر موازية لخط سيرها، وراحوا يطلقون عليها أعيرتهم النارية.

لكنّ الغريب بوحشية الصيادين الغرائزية تتجلى باللحاق بالأسراب ببنادق حربية رشاشة، يمطرونها بها بعشوائية لعلهم يصيبون إحداها، ومتى سقطت، لم يستطيعوا العثور عليها لوعورة المعابر، أو اتخذوا منها لعبة لا يستفيدون منها بشيء، فلحمها قاسٍ لا يؤكل، وهي تقتات على الحشرات.

حملات مناهضة لصيد الطيور المهاجرة لم تؤتِ ثمارها لدى العديد من الناس والمناطق، رغم كل التهديدات بالملاحقة التي لم تحدث مرة واحدة، ورغم تهديدات بعض الدول بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع لبنان في حال استمر صيد هذه الطيور.

أما لماذا تهتمّ بعض الدول بالطيور المهاجرة ومنها اللقلاق، خصوصاً دولة بولندا، فلأنها تتّخذ منها رمزاً يزين علم البلاد لما لهذه الطيور من إفادة على التوازن البيئي في تلك البلدان، ولما لها من قصص وروايات ترقى للروايات والقصص الانسانية.  

أرض لبنان تحذّر

آخر ما انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بيان لـ"جمعية أرض لبنان" (Terre Liban)، وفيه: "ما إن عبرت أولى أسراب طيور اللقلق المهاجرة عائدة من إفريقيا (جنوبها) لتعشّش في أوروبا، معلنةً بدء موسم هجرة طيور الربيع 2023، حتى فتكت بها رصاصات الجهل والأذى".

ونشرت الجمعية فيديو يظهر كيف يتم صيد هذه الطيور المحميّة "بموجب المعاهدات الدولية والتشريعات المحلية، بأسلحة حربيّة تهدّد سلامة المواطنين المجاورين"، بحسب البيان.

وناشد البيان المسؤولين والجهات المعنية ملاحقة ومحاسبة مرتكبي "هذه الآفة التي تساهم بإبادة طيور لا معبر لها سوى لبنان، وقد تمّ رصد عشرات من الجرائم المماثلة في لبنان".

والملاحظ هذا العام أنّ الأسراب كانت أكبر حجماً مما سبق، واستمرت عملية الهجرة فترة أطول من السابق.

المؤسف أنّ قانون الصيد بقي حبراً على ورق غالبية الأوقات، وقلّما لاحقت السلطات المعنية الصيادين عندما كانت السلطات قادرة على تطبيق القوانين قبل حلول الأزمة الحالية التي أضعفت السلطة، وغيبتها عن مهماتها، ولكم حمى عناصر الأجهزة المولجة حماية الطيور الصيادين بسبب معرفة، أو صداقة بهم، أو لوساطة سياسية، من جهة، أو لأنّ عناصر الحماية هم من المتورطين في الصيد العشوائي الرائج في لبنان، من جهة ثانية.

الاعتداء استثناءً

  • شاب يلتقط طيراً فرحاً بعد أن أصابته رصاصاته
    شاب يلتقط طيراً فرحاً يفتخر بصيده اللقلق بعد أن أصابته رصاصاته

لكنّ بول أبي راشد، مؤسس ورئيس جمعية "أرض لبنان"، في حديث لـ"الميادين نت" لا يبدو قلقاّ من ظاهرة صيد الطيور المهاجرة لأنها ليست هي الحالة العامة، إنما استثنائية، بينما العام هو احترام الطيور من قبل غالبية اللبنانيين، والتمتّع بمرورها، وتصويرها، ونشر صورها على وسائل الإعلام مع تعليقات جميلة عليها"، بحسب رأيه.

ولفت إلى أنّ "المجتمع المدني اللبناني، والجمعيات البيئية الأهلية دأبت على نشر حملات توعية لأهمية الطيور المهاجرة، وقد لقيت الحملات أصداء إيجابية".

ومما قامت به جمعية "أرض لبنان" تنظيمها لمسابقة تصوير الطيور وهي عابرة، وبذلك يمكن للمصوّر الاكتفاء بالصورة بدلاً من اطلاق النار، وأتت المسابقة ثمارها، حيث يشارك كثيرون بالمسابقة، في وقت لوحظ تراجع كبير بصيد الطيور. 

أهمية الطيور

ويذكّر أبي راشد ببعض من "أهمية هذه الطيور، مثل عبور الهدهد في هذاالموسم، وهو يقيم عندنا نحو أسبوعين، ويقتات على حشرة الصندل التي يشكو الناس من أذاها على أجسادهم، كما تقضي على أوراق الاشجار"، مضيفاً أنّ "هناك العديد من الطيور التي تقتات خلال عبورها على الأفاعي والجرذان والعديد من الحشرات المضرة بالبيئة، وبالنباتات، والانتاج الزراعي". 

في رواية سابقة توضح أهمية اللقلق، نشرتها جمعية أرض لبنان، أنّ طائر اللقلق يتجه في الربيع شمالاً نحو موطنه الأصلي، ويسبق الذكور الإناث بأربعة أيام، تكتشف فيها أعشاشها السابقة التي ولدت فيها، وتقوم بترميمها، أو بناء أعشاش جديدة في حال اندثار السابقة منها.

وعندما تصل الإناث، يختار كل منها الزوج الذي يرافق أنثاه، ويعرّفها على خدرها الزوجي، ثم يقومان بجولات ترفيه على البحيرات، والغابات الجميلة، وبعد أيام من المكوث معاً، تبدأ عملية التزاوج، وتبيض الأنثى بنتيجتها عدة بيضات، لا تلبث أن تفرّخ، وتكبر صيفاً، وما إن يحلّ فصل الخريف حتى تكون قد نمت، وقسا عودها للهجرة المعاكسة نحو الجنوب الأفريقي هرباً من البرد. 

من المشاهد المؤثرة والمعبّرة عن فوضى الصيد، وعشوائيته، فراغات الطلقات النارية التي يخلفها الصيادون وراءهم، وهي تكاد تغطي الأرض حيث يركنون. والتساؤل هو عن استعداد الصيادين لاستهلاك أموال طائلة ثمناً للخرطوش الباهظ في ظل أزمة اقتصادية مستفحلة، وفقر مدقع ينتشر بين طبقات العامة من الناس.

الصيد العشوائي للطيور المهاجرة لم يترك أثره الكبير على لبنان، بقدر ما ترك الصيد للطيور المقيمة، أو المهاجرة التي تتخذ من لبنان موئلاً لتوالدها. أبرز ما يلاحظه الانسان في هذا المجال على سبيل المثال، فرط انتشار بعض الأوبئة الشجرية، كـ"الصندل" الذي يأتي على أوراق الأشجار الخضراء أوائل الربيع، خصوصاً الصنوبر، فتبدو الأشجار والغابات كأنها محترقة، ولا يترك منها إلا الغصون والقضبان.

والصندل خطر على صحة الانسان، ومتى أصابه، ألحق به تسمّماً جلدياً، قد يضطره للانتقال إلى المستشفى إذا كانت الإصابة كبيرة به.

وإذا تمكّن الصندل من التمسك بأشجار مثمرة كاللوز والجوز وسواها، قضى على مواسمها، حيث يقتات على معمل غذاء الأشجار أي الأوراق الخضراء.