جمعية ترعى الطيور المهاجرة في لبنان

منذ العام 2009، بدأ د. ميشال صوّان ومجموعة من أصدقائه متابعة الطيور المهاجرة المُعرّضة للقنص في ظل انفلات عمليات الصيد دون حسيب ولا رقيب، فكانوا يتابعون الطيور المُصابة، ويسعون لمعالجتها قبل نفوقها، وإعادتها إلى الطبيعة، كما كانوا يرصدون حركة طيور جديدة.

  • جمعية ترعى الطيور المهاجرة في لبنان
    جمعية ترعى الطيور المهاجرة في لبنان

بلغت الاعتداءات على الطيور المهاجرة في لبنان من جرّاء الصيد العشوائي، حدود تعرّض لبنان لأزمات دبلوماسية مع دول تعتبر بعض الطيور من ثروتها الوطنية، وتتخّذ منها شعارات لأعلامها، وتدخلها في أناشيدها الوطنية، تماماً كالأرزة في لبنان. 

تشبه الاعتداءات على هذه الطيور كغريب وافد إلى لبنان يعمد إلى قطع أشجار الأرز النادرة، كما فعل الانكليز بالغابات لبناء سكة حديد الشرق. 

فالطيور المهاجرة لا تعتبر من حصة البلد الذي تعبره، وإنما هي ثروة مشتركة للقارات الثلاث التي تتواجد هذه الطيور فيها: آسيا، وأوروبا، وافريقيا، بحسب وصف رئيس "الجمعية اللبنانية للطيور المهاجرة" الدكتور ميشال صوان، خبير الطيور، ومتخصص بالتنوع البيولوجي، ومصوّر للحياة البرية.

منذ العام 2009، بدأ صوّان ومجموعة من أصدقائه متابعة الطيور المهاجرة المُعرّضة للقنص في ظل انفلات عمليات الصيد دون حسيب ولا رقيب، فكانوا يتابعون الطيور المُصابة، ويسعون لمعالجتها قبل نفوقها، وإعادتها إلى الطبيعة، كما كانوا يرصدون حركة طيور جديدة.

اعتراض دبلوماسي

حركة بيئية ناشطة شهدتها غابات منطقة زغرتا وجوارها في لبنان الشمالي، روادها مهتمون بشؤون البيئة، والحياة الطبيعية، تكبّدوا أتعاباً لمواجهة مشاكل الطيور المهاجرة، وتكاليف بدأت تلقي بثقلها على عاتقهم مع تقدّم الوقت، وغياب الدعم الرسمي، وتكاثر حالات الاعتداء.

ووسط الأزمات منذ عام 2019، "لم يعد بإمكان الشباب تأمين متطلبات مبادراتهم الفردية لمعالجة جراح الطيور، والأكل اللازم لها"، كما قال صوّان.

"كان علينا إيجاد سبيل للحصول على مساعدات لمتابعة مسارنا"، يقول صوان، متابعاً: لذلك أنشأنا جمعيتنا المسماة "الجمعية اللبنانية للطيور المهاجرة" وهي تعنى بعدة أمور بيئية منها: العناية بالطيور، المُشاركة بتشجير الغابات، التوعية على أهمية الزراعة البيولوجية، وأمور أخرى على صلة باهتمامها".

وأكثر الدول المعترضة على انتهاك قانون الصيد الدولي للطيور المهاجرة كانت بولندا التي تتّخذ من طير اللقلاق شعاراً لعلمها، وتعتبره ثروة وطنية لها لفوائده الكثيرة، ولطالما تدخل سفراء وموفدون بولنديون لدى السلطات اللبنانية لمنع الاعتداء على اللقلاق خلال عبوره، وهدّدوا بقطع العلاقات الدبلوماسية مع لبنان، لكن عبثاً، لم يلقوا أذناً صاغية، واستمر الفلتان.

وجدت بولندا في الجمعية اللبنانية ما افتقدته لدى السلطات الرسمية، فـ"دعمت الجمعية بدءاً من سنة2015"، بحسب صوان، "بتأمين نفقات الأكل، والأدوية، وتضميد جراح الطيور، ونقلها من أمكنة إصاباتها في مختلف المناطق اللبنانية، وانضمّ الصندوق الدولي للرفق بالحيوان (IFAW) لدعم الجمعية، فتمكّنت الجمعية من الاستمرار، وزوّدت مركزها بأقفاص كبيرة لحفظ الطيور وخدمتها، وبرادات لحفظ الأكل المتوافر".

توعية ومنجزات

كثيرة هي الأمور التي حقّقها ناشطو الجمعية، ويعدّد صوّان بعضاً منها: “حملات توعية في المدارس على أهمية الطيور، ومخاطر الصيد العشوائي، وفي إطارها مسابقات تصوير على صعيد المدارس في لبنان، وبلغ عدد الذين طالتهم الحملات، واشتركوا في المسابقات ما يزيد على 14 ألف طالب، كما أقيمت محاضرات لنحو 650 تلميذاً مؤخراً، وجولة توعية أخرى الصيف المنصرم تخللتها توعية على أهمية الطيور، وكيفية الاهتمام بها، ومنع صيدها، وطرق الصيد الصحيحة التي تراعي القانون، وتحافظ على الطبيعة والبيئة، وإنقاذ حوالي 400 طير جريح".

ومن المهمات التي تمّ تحقيقها أيضاً، رصد طيور جديدة في لبنان، وتوثيقها، ومنها اكتشاف طائر الباز الصحراوي، أوائل تموز (يوليو) المنصرم، باكتشاف عشه الفارغ في محميّة حرج إهدن، ثم العثور  على فرخ الباز قريباً من الموقع، وكان ذلك اكتشافاً استثنائياً، بحسب صوّان.

  • د. صوان مع طيور مهاجرة جريحة
    د. صوان مع طيور مهاجرة جريحة

كما جرى رصد طائرين جديدين في منطقة طرابلس، شمال لبنان، وهما غراب بُنيّ الرقبة صحراوي، وزقزاق ثلاثي الطّوق، موطنه الأصلي في أواسط أفريقيا، وجنوبها.

وبعد رعاية لعدد من الطيور الجريحة، تمّ إطلاق عدد منها في محمية حرج إهدن كملاذٍ آمن، وهي: حوّام السهول، وحدأة سوداء، وعقاب مُرقّط صغير. 

كذلك تم رصد عبور 9 طيور جديدة، وتفريخ طيور أخرى، وهناك رصد لطيور لم يتمّ التحقّق منها لتوثيقها بعد.

صعوبات عديدة

صعوبات كثيرة يواجهها العمل التطوعي المبادِر عادةً، ويفيد صوان أن أكثر الصعوبات كانت تأمين نفقات العمل، ومتابعة الطيور، فـ"لم نعد نستطيع تأمين الأكل، وكانت الحاجة سابقاً إلى 100-150 من لحوم الدجاج، وازداد الرقم إلى 200-250 كلغ، وبينما كان الكيلو الواحد بـ  250 ليرة سابقاً، صار بـ 40 ألف حالياً، رغم أن المسالخ تتلف هذه الفضلات عادة".

في بعض الأحيان افتقد ناشطو الجمعية الأكل في فترات الصوم المسيحي، حيث يمتنع المسيحيون عن أكل اللحوم، فتتوقف مسالخ اللحوم عن العمل، وتمّ الاعتماد على مسالخ خارجية، بعيدة، كذلك نفقت الأدوية، فكانت ال IFAW تعوّض فقدانها.   

من بديهيات عمل الجمعية أن تصطدم بجمهور صيادين كبير يقدّر صوان عددهم بمليوني لبناني، والمشكلة الأكبر انخراط من هم مولجون بتطبيق القانون، ومنع الصيد، في عمليات الصيد، ما أتاح الطيور للبنادق التي غطى خرطوشها الطرقات والبساتين، وتجاوب القضاء  قليلاً في معاقبة المخالفات، ووضعت عقوبات مالية رمزية تمكّن الصيادون من تجاوزها، وصولاً إلى تعرّض ناشطي الجمعية لإطلاق النار عليهم من قبل الصيادين. 

يشكو صوّان أيضاً من أن سمعة لبنان باتت سوداء في الخارج على صعيد الطيور المهاجرة، ويفيد إن 99% من الصيادين يجهلون قانون الصيد، ولذلك يستحقون لقب "فرقعجية"، وليس صيادين. 

ويشكو من غياب السلطة التام عن مهامها في ضبط الصيد، والتغافل عن عمليات تهريب معدات اللايزر والكواشف وماكينات الصوت عبر المطار، والشِباك، والبنادق، والخرطوش عبر الحدود اللبنانية-السورية، ومشاركة عناصر أجهزتها بالمخالفات، ولفت نظر المعنيين إلى إمكانية دخول أموال طائلة من مليوني مخالف إلى صناديق الدولة إذا عاقبت المخالفين.

صوّان يختم آملاً في أن تخصّص مناطق الشمال لمشاريع دراسة الطيور، وحمايتها، وأن تتشدّد الأجهزة المعنية بمكافحة الصيد العشوائي.