خرائط ثلاثية الأبعاد للشعاب المرجانية عبر الذكاء الاصطناعي

أظهرت هذه الشعاب المرجانية مقاومة مثيرة للاهتمام للضغوط الناجمة عن تغيّر المناخ، ما أثار اهتماماً علمياً كبيراً وجهوداً بحثية تهدف إلى الكشف عن أسرارها لتطبيقها على نطاق أوسع.

  • خرائط ثلاثية الأبعاد للشعاب المرجانية عبر الذكاء الاصطناعي
     تمثّل الشعاب المرجانية بيئة لتوالد وتكاثر وتربية وتغذية كثير من الأسماك 

يؤدي تعرّض النظم البيئية الحيوية للخطر نتيجة التهديدات المزدوجة المتمثّلة في ارتفاع درجات حرارة البحر والتلوّث الناجم عن الأنشطة البشرية إلى تحوّل لونها إلى الأبيض، أو ما يعرف بابيضاض الشعاب المرجانية على نطاق واسع.

واستجابة لهذه القضية الملحة، تتعمّق مبادرات كتلك التي يقودها «مركز البحر الأحمر العابر للحدود الوطنية» (TRSC) في قدرة بعض أنواع المرجان الموجودة في البحر الأحمر على الصمود.

وقد أظهرت هذه الشعاب المرجانية مقاومة مثيرة للاهتمام للضغوط الناجمة عن تغيّر المناخ، ما أثار اهتماماً علمياً كبيراً وجهوداً بحثية تهدف إلى الكشف عن أسرارها لتطبيقها على نطاق أوسع.

لقد ظهر تطوّر رائد في هذا البحث من "مختبر العلوم الحسابية البيئية ومراقبة الأرض" (ECEO) في كلية الهندسة المعمارية والهندسة المدنية والبيئية (ENAC) بجامعة «EPFL» السويسرية.

قدّم الفريق نظام «ديب ريف ماب» (DeepReefMap) وهو نظام مبتكر يعمل بالذكاء الاصطناعي قادر على إنشاء خرائط تفصيلية ثلاثية الأبعاد للشعاب المرجانية من الصور تحت الماء التي تمّ التقاطها بواسطة الكاميرات التجارية القياسية.

لا تقوم هذه الأداة برسم الخرائط فحسب، بل تصنّف أيضاً الشعاب المرجانية بناءً على ميزاتها الفريدة، ما يعزّز بشكل كبير كفاءة أبحاث الشعاب المرجانية.

ويقول صامويل جارداز، منسّق مشاريع «TRSC»، إن النظام يعمل على تبسيط منهجية البحث وتقليل التكاليف المرتبطة بالمعدات والخدمات اللوجستية وتكنولوجيا المعلومات.

 تمثّل الشعاب المرجانية بيئة لتوالد وتكاثر وتربية وتغذية كثير من الأسماك والأحياء المائية المختلفة (شاترستوك)
 

ما الجديد؟

تقليدياً، يتطلّب الحصول على صور ثلاثية الأبعاد للشعاب المرجانية معرفة متخصصة، حيث كانت عبارة عن عملية تستخدم كثيراً من الموارد، ما يحدّ من تطبيقها ويجعل المراقبة الشاملة للشعاب المرجانية أمراً صعباً. ومع ذلك، فإن «DeepReefMap» يزوّد الغوّاصين الهواة بمعدات الغوص الأساسية وكاميرا للمساهمة في أبحاث المرجان من خلال التقاط لقطات واسعة النطاق تحت الماء. ويتم تسهيل هذا النهج من خلال هيكل «PVC» مبتكر، طوره باحثو معهد «EPFL »، وهو قادر على حمل كاميرات متعددة لتغطية مساحات أكبر من الشعاب المرجانية بتكلفة معقولة وبكفاءة.

التغلّب على التحديات

تتعامل خوارزميات الذكاء الاصطناعي المتطورة في «DeepReefMap» ببراعة مع التحديات الفريدة للتصوير تحت الماء، مثل الإضاءة الضعيفة والحيود، لإنتاج عمليات إعادة بناء دقيقة وشاملة ثلاثية الأبعاد وتصنيفات المرجان.

كما تعد هذه الكفاءة أمراً بالغ الأهمية لتمكين الاستكشاف الشامل والمفصّل للأنظمة البيئية للشعاب المرجانية من دون الحاجة إلى معدات باهظة الثمن أو قوة معالجة.

ويؤكد جوناثان سودر، الذي ساهم في تطوير «DeepReefMap» خلال فترة دراسته الدكتوراه، إمكانية اعتماد النظام على نطاق واسع، مسلّطاً الضوء على التطبيق العملي له لمراقبة المناطق الساحلية الشاسعة، مثل ساحل جيبوتي الذي يبلغ طوله 400 كيلومتر مع الحد الأدنى من متطلّبات الأجهزة.

 تحدث ظاهرة ابيضاض الشعاب المرجانية لأسباب تتعلق بالتغيير في صبغياتها نتيجة تغيّر المناخ وارتفاع درجة حرارة البحار والمحيطات (شاترستوك)
 

آفاق نظام «DeepReefMap»

يمثّل ظهور «DeepReefMap» خطوة مهمة نحو الحفظ الرقمي وفهم الشعاب المرجانية. من خلال توفير أداة قابلة للتطوير يمكن الوصول إليها لرصد صحة الشعاب المرجانية وديناميكياتها، يستطيع الباحثون تحديد المجالات ذات الأولوية للحفظ وجمع البيانات الأساسية عن وفرة المرجان والاتجاهات الصحية.

وتضع هذه التكنولوجيا الأساس لإنشاء توأم رقمي للأنظمة البيئية للشعاب المرجانية، ما يقدّم تمثيلاً رقمياً شاملاً يمكن استخدامه لمختلف أغراض البحث والحفظ، بما في ذلك دراسة تنوّع أنواع الشعاب المرجانية، والمجموعات الجينية، وتأثيرات التلوّث.

ولا تقتصر قدرات «DeepReefMap» على دراسة الشعاب المرجانية، بل تمهّد الطريق لتطبيقات أوسع في البحوث البحرية، لتشمل الموائل تحت الماء، مثل أشجار المانغروف. وتمثّل أداة الذكاء الاصطناعي متعددة الاستخدامات هذه، بقدرتها على التكيف والتطبيق في بيئات جديدة، حدوداً واعدة في الجهود المستمرة لحماية وفهم النظم البيئية البحرية الثمينة على كوكبنا.