كيف نجحت الغابون "عدن أفريقيا" في إدارة ثاني أكبر غابة مَطيرة في العالم؟

الغابون تنجح في إدارة نصيبها من ثاني أكبر غابة مَطيرة في العالم، وذلك من خلال الحفاظ عليها وحماية أشجارها الخضراء من القطع.

  • كيف نجحت الغابون
    كيف نجحت الغابون "عدن أفريقيا" بإدارة ثاني أكبر غابة مَطيرة في العالم

بالرغم من الظلم والاضطهاد والعبودية وأعمال التدمير والنهب التي طالت الحجر والبشر في القارة السّمراء من قِبل الاستعمار الوحشي الجائر، الذي اغتنت دوله نتيجة سرقة ثروات شعوب أفريقيا، فإنّ الغابات المَطيرة الساحرة والجميلة في هذه البقعة الجغرافية من الكون، خصوصاً حوض الكونغو، ستشكّل مستقبلاً نقطة ضوء، وبارقة أمل إن أجادت الدول الأفريقية، وعرف قادتها التعامل مع هذه الكنوز النفيسة كما تفعل جمهورية الغابون حالياً.

ففي عالم مظلم يعبث ببيئته وطبيعته، ويبحث عن حلول واقعية لظاهرة الاحتباس الحراري التي أصبحت تشكّل تهديداً حقيقياً للحياة على كوكبنا، وفي الوقت الذي ترفع فيه الأمم المتحدة ومعها المنظمات البيئية العالمية الصرخة عالياً، وتقرع جرس الإنذار من الأخطار المهدّدة للبشرية جمعاء نتيجة التدمير المنهجي لغابات الأمازون (جرى قطع 20% من أشجارها بحسب تقديرات الأمم المتحدة) وغيرها في مختلف البلدان، ها هي الغابون الدولة التي تقع وسط أفريقيا، تقدّم للعالم نموذجاً فريداً يُحتذى به، في كيفية إدارة نصيبها من ثاني أكبر غابة مَطيرة في العالم، وذلك من خلال نجاحها في الحفاظ عليها وحماية أشجارها الخضراء (من القطع) الممتدة على مساحة أراضيها الشاسعة نوعاً ما.

ما سّر الغابون مع غاباتها؟ وما المساحة التي تشكّلها؟ 

تعدّ الغابون (التي تتشارك في حوض الكونغو مع 5 بلدان) واحدة من الدول القليلة في عصرنا الحاضر، الغنية بالغابات والحياة البرية (ولهذا أطلق عليها اسم عدن أفريقيا)، نظراً لمناظرها الطبيعية الخلابة،  مع أنّها (وهنا تكمن المفارقة) تعدّ أحد أكبر منتجي النفط في القارة.

اعتمدت الغابون لعقود على البترول لدفع اقتصادها، لكنّ المفاجأة، أنّ المسؤولين فيها، يعرفون أنّ نفطهم لن يدوم إلى الأبد. لذا لجأوا إلى موارد الغابون الوفيرة الأخرى - غابة مطيرة ضخمة في حوض الكونغو، مليئة بالأشجار القيمة - للمساعدة في تعويض الفارق بمجرد نفاد النفط.

تغطي الغابات في الغابون ما يقرب من 88% من أراضيها (بحسب موقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فيما تقول صحيفة نيويورك تايمز إنّها 90%) ولا تزال من بين أكثر غابات العالم امتصاصاً للكربون، كما أنّ عدد السكان لديها صغير ويستمر بالارتفاع، وبالكاد يزيد عن 2 مليون شخص في دولة بحجم كولورادو، ولهذا فإنّ تجربة الغابون في الحفاظ على غابتها، تعدّ مثالية، ويجري تطبيقها من قِبل عدد من دول القارة السمراء.

ماذا عن علاقة حكّام الغابون بالغابات؟ 

 في الواقع، إنّ قصة حماية غابات الغابون غريبة بعض الشيء و مثيرة للاهتمام، ولا يمكن فصلها عن العائلة التي حكمت البلاد لعقود من قبل، وكانت تقدّر الغابات والتنوع البيولوجي. فالرئيس السابق عمر بونغو، هو أوّل من أثار الحماس للحفاظ على البيئة، بعد أن علم بعرض قناة "ناشيونال جيوغرافيك" فيلماً وثائقياً عن غابات الغابون.

حينها، استدعى بونغو ابنه علي (تولّى الحكم فيما بعد) لمشاهدة العرض معه في عام 2002، وأنشأ على الفور تقريباً 13 متنزهاً وطنياً تغطي 10% من البلاد.

غداة وفاة عمر بونغو في عام 2009، خلال عامه 42 في السلطة، وانتخاب ابنه الأصغر علي بونغو رئيساً، كانت أسعار النفط تنخفض. ومع معرفة علي بونغو أنّ عائداتها، التي تمثل ما يقرب من نصف اقتصاد الغابون، لن تدعم الأمة إلى الأبد، طلب لهذه الغاية من المستشارين، بمن فيهم وزير المياه والغابات والبيئة في الغابون لي وايت، مساعدته في تطوير الاقتصاد، مع الحرص على حماية البيئة في  الوقت نفسه.

كيف نجحت الغابون في الحفاظ على غابتها وحماية أشجارها من القطع الجائر؟ 

على عكس البرازيل والبلدان الأخرى التي وقفت عاجزة (وأحياناً بتواطؤ من قادتها كما فعل الرئيس جايير بولسونارو) وهي تشاهد بحسرة تدمير الغابات المطيرة فيها، تبنّت الغابون قواعد شديدة وأكثر صرامة، بهدف الحفاظ على الغالبية العظمى من أشجارها سليمة.

ومن أجل النجاح في مخططها، وضعت الغابون نصب عينيها هدفاً رئيسياً تمثل بتحقيق توازن مهم بين احتياجاتها المالية والاقتصادية، وثرواتها الحرجية. 

وعليه، حظرت الغابون صادرات الأخشاب الخام (كانت فرنسا مشترياً رئيسياً) إذ أنشأت مجمعاً صناعياً مع إعفاءات ضريبية لجذب شركات الأثاث، وصانعي الخشب الرقائقي وغيرهما، لبناء المصانع وخلق فرص العمل للحدّ من البطالة فيها. 

أكثر من ذلك، سمحت الغابون وبدافع الحفاظ على الغابات المخصصة لامتيازات قطع الأشجار، والتي تغطي 60% من مساحة البلاد، بقطع شجرة واحدة أو شجرتين فقط لكل هكتار، مع وجود فجوات لمدة 25 عاماً للسماح للمناطق (المقطوع فيها الأشجار) بالتعافي. بالتوازي مع ذلك، شهرت الدولة سلاح القانون الذي استخدمته بقوة، لقمع المخالفات، فحدّت الأنظمة الصارمة التي فرضتها من قطع الأشجار.

على الضفة الأخرى، ولمكافحة قطع الأشجار غير القانوني، وفي سبيل تفعيل عملية المراقبة لأي مخالفة ترتكب، اتبعت الغابون برنامجاً جديداً يعتمد السجلات المرمّزة لمعرفة أي عملية إزالة للغابات. 

كما أنشأ المسؤولون محطة أبحاث عبر الأقمار الصناعية لإنشاء قاعدة بيانات للمناطق الأكثر تدهوراً في الغابون، ثم تم تخصيص بعض الأراضي المتدهورة والسافانا (السهول العشبية) للزراعة الصناعية بما في ذلك زيت النخيل.

ماذا عن الفوائد البيئية والاقتصادية التي جنتها الغابون من مشروع حماية الغابات؟

جنت الغابون جراء تركيزها على الحفاظ على غاباتها، كثيراً من الفوائد خصوصاً على المستويين البيئي والاقتصادي. إذ زاد عدد أفيال الغابات المهدّدة بالانقراض في الغابون بشكل كبير - من 60.000 في عام 1990 إلى 95.000 في العام الماضي - لدرجة أنّ هذه المخلوقات أصبحت مصدر إزعاج وحتى تهديد.

ليس هذا فحسب، إذ كشف مسؤولون، أنّه بعد 12 عاماً من إنشاء منطقتها الاقتصادية للصناعات الخشبية، أصبحت الغابون أكبر منتج للقشرة الاستوائية في أفريقيا ومن بين أكبر منتجي القشرة الاستوائية في العالم.

كيف أصبحت الغابون نموذجاً للدول الأخرى في حماية الغابات؟

في الحقيقة، إنّ نهج الغابون الناجح، دفع دولاً أخرى في القارة السمراء إلى استنساخ تجاربها وخططها النموذجية، لحماية الغابات المطيرة فيها. من هنا، تعهدت عدة بلدان في حوض الكونغو بحظر صادرات الأخشاب الخام العام المقبل، إذ وقّعت كل من دولة الكونغو الديمقراطية وجمهورية الكونغو برازافيل مؤخراً اتفاقيات لإنشاء مناطق اقتصادية مماثلة على أساس نموذج الغابون.

وتعقيباً على ذلك، أوضح وزير البيئة وايت لصحيفة "نيويورك تايمز" أنّ "الغابون بمفردها لا تستطيع حل هذه المشاكل، ولكن إذا لم يكن هناك أمثلة عن البلدان التي تقوم بحل المشاكل، فمن الذي سيتعلم منه أي شخص آخر؟".

ماذا عن النفط في الغابون؟ 

منذ أن بلغ ذروته في عام 1997، انخفض إنتاج النفط في الغابون بأكثر من الثلث. يمثل النفط الآن 38.5% من الاقتصاد، وفقاً لصندوق النقد الدولي. وبحلول عام 2025، تهدف البلاد إلى خفضه إلى 20%. 

ومع أن الغابون بدأت بالتنقيب عن النفط داخل حديقة Loango الوطنية منذ نحو 15 عاماً، لكنّ الحكومة فرضت قيوداً شديدة الصرامة، بعدما وجد الباحثون أنّ الأفيال والغوريلا تتجنب الضوضاء، لذلك لم يتم تنفيذ الحفر، لكن ذلك لا يعني تخلّيها نهائياً عن الوقود الأحفوري، إذ لديها خطط لزيادة إنتاج كل من النفط والغاز.