قصتان قصيرتان حول تجربة الاسر للمتوكل طه

قمر الممرّ

سريرٌ فوق سرير، ومثلهما يقابلان الباب الحديد، وممرٌ صغير بينهما، لا يكاد يكفي ليكون جلستنا حول الطعام، فنأكل جالسين على حواف الأسرّة، ونصلّي فرادى .

في الصباح، لاحظ زملاء الزنزانة أنني أتحسس الممرّ وقطعة البطانية المفرودة فوقه !

في اليوم الثاني، رأيت زميلي يتحسّس البطانية، كأنه يتأكد من جفافها!

في اليوم الذي يليه، رأيت الثالث يتأكد من أن القطعة ناشفة، حيث راح يعصرها، وكذلك فعل الرابع.

في اليوم الخامس، أزحنا قطعة البطانية من مكانها، وتركنا الممرّ عارياً نظيفاً.

في اليوم السادس، كنّا أربعتنا نتحسس بأقدامنا العارية الممرّ، ونتأكد من أن ماءً لامسه أو جرى فوقه!

في اليوم السابع، كان البحرُ الذي يزورنا كل ليلة، فيعبئ الزنزانة بأمواجه الصغيرة، فتتراقص الأسرّة فوقه، كأنها تتهادى ببطء ورويّة! كان البحر قد حمل على صفحته قمراً صغيراً، فيندرج كالكرة على ثناياه! كان البحرُ قد ترك لنا القمرَ على الممرّ، فأصبح بقعةً بيضاء كالحليب، وصار الممرّ سماءنا، ونحن على وسائد السحاب.

 

صراخ في الوسادة

من أين لي أن أعلم؟ وكيف لي أن أدري؟

كل ما أعرفه أنني دخلت إلى الغرفة، وكان المعتقلون في استقبالي، ثم أشاروا إلى سرير ليكون مضجعي ومحلّ نومي! ولم أنتبه كثيراً إلى تلك النظرات المبهمة والغريبة في عيون المعتقلين ساعةَ رُحت أرتّب البطانيات والوسادة، وأُهندم السرير!

نمت أولَّ ليلة في السجن، كنتُ متعباً، إذ لم أنمْ طيلة ثلاثة أشهر ما يكفي، هي فترة التحقيق المخيف والصعب!

كأنني سمعتُ بكاءً وأنيناً، أو ربما كان ذلك صدى رجاء وتوسّل، لكن القشعريرة لم تصل إلى حديد عظمي إلاّ في الليالي التالية!

مَنْ الذي يبكي في وسادتي؟ من أين يأتي هذا الإلحاف والنحيب؟

بعد ليالٍ، لم أستطع النوم! فما إن أضع رأسي على المخدّة، حتى يخترق رأسيَ صوتُ نشيج مجنون، وتوسّلات بعيدة عميقة مذبوحة، وأصوات دمع مشروخ.

وتبينّت أنَّ من كان قَبْلي ينام على هذا السرير قد قتله أحدهم بدعوى الخيانة! لقد كان خائفاً ويرتعد من العذاب. وكان المعتقلون يعرفون أنه بريء!

لكنّ أحداً منهم لم يفعل شيئاً، حتى لا يُتَّهمَ بالتعاطف مع المشبوه، وتركوه يموت مظلوماً !

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]