لغز الألفية.. مكتبة القيصر إيفان الرهيب

ثمة رأي أن ليس كل الوثائق الموجودة في المكتبة غير معروفة للعالم والمؤرخين، لكن إخفاء المكتبة عن الناس من قِبَل حكّام روسيا يُثير الشكوك بأنها ربما تحتوي شيئاً خاصاً ومهماً. ويأمل المؤرّخون بأن خزينة القيصر لا تزال تحت الكرملين لأنه لم يتم التحقّق من كل سراديب أبراج الكرملين حتى الآن.

القيصر إيفان الرهيب
لعلّ كثيرين لم يسمعوا بمكتبة عظيمة ما زالت لغزاً حتى يومنا هذا، إنها مكتبة إيفان الرهيب (القيصر الأول الذي حكم روسيا في الفترة (1547-1584)، وهي المكتبة التي حاول العلماء والمؤرّخون فكّ لغزها. حتى الآن لم يستطع أحد أن يكتشف المكان الذي اختفت فيه هذه المكتبة الغامضة ومحتوياتها خلال ما يُسمّى "زمن الانحطاط" (1598-1613) الذي شهدت روسيا خلاله أزمات اجتماعية وسياسية ومجاعة، كذلك تدخلاً بولندياً سويدياً. 

ووفقاً لبعض التقديرات فإن المكتبة تضمّنت رقائق من مصر القديمة ومخطوطات وصحفاً تعود إلى الأباطرة الرومانيين ونصوصاً دينية كُتبت باللغات الأصلية، والعديد من النصوص التي تصف أحوال الحضارات الإنسانية ومجموعة من حِكَم ومواعِظ الأجداد، بل حتى نبؤات وشعوذات وغيرها من الوثائق القديمة. 

 وكالعديد من أسرار التاريخ أحاط بهذه المكتبة الكثير من الخُرافات والأساطير. وعلى سبيل المثال فإن عدد الكتب في هذه المكتبة مُبالغ فيه لأنه من المتوقّع أن جميع الوثائق التي حُفظت فيها يمكن أن تُجمع في أقل من خمسين كتاباً. لكن المهم ليس الكميّة بل النوعيّة. ويُعتقد أن محتوى المكتبة لا يُقدّر بثمن إلى درجة أنه لا يمكن لأية دولة في العالم شراء هذه النصوص النادرة والكتب القديمة الموجودة فيها. وفي الوقت نفسه لم يعثر أي عالم آثار أو مؤرّخ على هذه المكتبة الغامضة حتى الآن.  

والسؤال المُحيّر: كيف ظهرت هذه المكتبة؟ المُتّفق عليه أن تاريخ جمع هذه المكتبة يعود إلى حقبة الإمبراطورية البيزنطية (395-1453). وبعد فتح القسطنطينية من قِبَل الأتراك اضطرت ممثّلة سُلالة الامبراطورية البيزنطية صوفيا باليولوجوس (1455-1503) إلى الفرار إلى إيطاليا. وتوجد دلائل تشير إلى أن صوفيا الصغيرة وصلت إلى إيطاليا مع المخطوطات والرقائق القديمة التي اعتُبرت ثروة حقيقية في ذلك الزمن.

وفي عام 1469 اتخذ البابا قراراً بتزويج صوفيا لأمير موسكو إيفان الثالث من أجل تحسين العلاقات بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية. وتم هذا الزواج فعلاً في عام 1472. وكانت صوفيا، التي عاشت تحت رعاية الكنيسة في إيطاليا، فقيرة بعد فرارها من القسطنطينية، أما ثروتها الوحيدة فهي دم السُلالة البيزنطية الذي كان يسيل في عروقها، إضافة إلى مجموعة المخطوطات القديمة التي حملتها صوفيا إلى موسكو.

من المعروف أن الكرملين (القلعة القديمة في وسط موسكو التي بدأ بناؤها في منتصف القرن الثاني عشر) احترقت بعد وصول صوفيا إلى العاصمة الروسية. وبعد ذلك الحريق أمرت صوفيا زوجها إيفان الثالث ببناء قبو تحت الكرملين للحفاظ على الوثائق القيّمة التي جلبتها معها من إيطاليا. وبعد وفاة إيفان الثالث وزوجته صوفيا انتقلت السلطة إلى باسيل الثالث. ومن المعروف أنه خلال عهده عمل في الكرملين المُترجم والكاتب اليوناني المشهور مكسيم اليوناني (1470-1556). وقد ترجم مكسيم عدداً كبيراً من الكتب والمخطوطات، بل وضع قائمة بالوثائق التي تضمّنها قبو الكرملين. ومن الطبيعي أن هذه القائمة تُعتبر مصدراً للمعلومات حول محتويات المكتبة. وخطوة تلوَ خطوة أثرت كتبٌ روسية تلك المكتبة. وخلال عهد القيصر الأول لروسيا إيفان الرهيب الرابع حصلت المكتبة على وثائق عربية بعد فتح ولاية قازان. وثمة معلومات بأن إيفان الرهيب أهدى بعض الكتب لضيوفه الأجانب. وعلى سبيل المثال أهدى القيصر الروسي الكتاب المُقدّس من مجموعته إلى الرحّالة الإنكليزي  جيروم هورسي. ويُحفظ الكتاب المُقدّس حالياً في المتحف البريطاني. 

يأمل مؤرخون أن تكون المكتبة لا تزال موجودة تحت الكرملين
لا يُخفى على أحد أن موضوع المكتبة يُثير الكثير من الجدل والشكوك بين العديد من المؤرّخين الروس الذين يقولون "حتى إذا كانت هذه المكتبة حقيقية فإن شيئاً لم يبقَ من تلك الأوراق". لكن الجدير بالذكر أن مكتبة القيصر إيفان الرابع تضمّنت كتباً خشبية صُنعت من خشب البلوط الذي يُعرف بقوّته وعدم تحلّله. وبالإضافة إلى ذلك فإن بعض الرهبان الذين كانوا في السراديب تحت الكرملين شهدوا على أن أغلِفَة الكتب صُنعت باستخدام الذهب والأحجار الكريمة. ويقول خبراء إن بعض الأشياء من مجموعة القيصر يجري التستّر عليها إلى أيامنا هذه. 

ووفقاً للسجلات فإن كل الحُكّام أحكموا إغلاق الأبواب في سراديب الكرملين وإن أولئك الذين كان لديهم منفذ للوصول إلى المكتبة القيّمة قُتلوا. على سبيل المثال، يُحكى إنه خلال عهد إيفان الرابع الرهيب كان ثمة ثلاثة كهنة فقط يستطيعون الوصول إلى المكتبة. لكنهم قُتلوا جميعاً مع تفاقم التوتّر في روسيا من أجل منع أي أحد من معرفة طريق الوصول إلى خزينة حكّام موسكو. وكما نعلم فإن إيفان الرهيب خلال انتقاله إلى الإقامة البديلة قرب موسكو أمر بحفر أنفاق توصِل إلى مكتبته القيّمة. وما يُثير الاهتمام أن بُناة الأنفاق اختفوا من دون أثر من أجل الحفاظ على سرّ القيصر. ولهذا السبب يطرح السؤال التالي نفسه: كيف عرفنا بأمر هذه المكتبة إذا كان القيصر قد حاول الحفاظ على هذا السرّ؟ الجواب واضح. لقد وُفِّق بعض الرهبان في نقل معلومات عن المكتبة الغامضة والأنفاق التي تؤدّي إليها قبل موتهم. وبالإضافة إلى ذلك عُثِر على رسالة قس ألماني عاش في القرن السادس عشر وكان قد نجح في الوصول إلى المكتبة.

لقد اختفى أثر خزينة القيصر بعد وفاته ومع بداية "زمن الانحطاط" في روسيا الذي انتهى في عام 1613. ولم يعرف أحد ماذا حلّ بالمكتبة القديمة. وفي عام 1724 فقط ظهرت قصة قس موسكو التي حُكيت له من قِبَل قس آخر قبل وفاته. ووفقاً لتلك القصة "توجد في  سراديب الكرملين صناديق مليئة بالكتب والمخطوطات، وتتم حماية محتويات المكتبة بمغلاقات مصبوبة من الرصاص، ويوجد هناك الكثير من الأنفاق السريّة التي يعرف القيصر فقط عن أغراضها".

منذ ذلك الحين بحث عن المكتبة الغامضة نابوليون في أوائل القرن التاسع عشر وسُلالة رومانوف حتى آخر شخص من هذه السُلالة. وفي الوقت نفسه هناك توقّعات بوجود تفاصيل المنافذ التي تؤدّي إلى المكتبة لدى عائلة رومانوف، وكما هي التقاليد التي تعود إلى القرن الخامس عشر فإن محتويات الخزينة بقيت سرَ الدولة والسُلالة. ومن المنطقي أن هذه المعلومات لم تُسجّل في الوثائق الرسمية. 

وثمة رأي أن ليس كل الوثائق الموجودة في المكتبة غير معروفة للعالم والمؤرخين، لكن إخفاء المكتبة عن الناس من قِبَل حكّام روسيا يُثير الشكوك بأنها ربما تحتوي شيئاً خاصاً ومهماً. ويأمل المؤرّخون بأن خزينة القيصر لا تزال تحت الكرملين لأنه لم يتم التحقّق من كل سراديب أبراج الكرملين حتى الآن. 

ومن الواضح أن لهذه المكتبة أهمية عالمية. وبالإضافة إلى ذلك هناك توقّعات بأن شخصاً ما كان قادراً بالتأكيد على الوصول إلى السراديب القديمة. وعلى سبيل المثال نُشرت في الجريدة السوفياتية "ترود" في عدد يعود إلى عام 1944 مقالة تشير إلى وجود "مخطوطات قديمة بما في ذلك خمسة كتب كبيرة في أغلفة جلدية قديمة في أكبر مكتبة عامّة مشهورة تحمل اسم لينين وتتضمّن هذه الكتب رسومات لأفضل رسامي القرن الخامس عشر من المجموعة الخاصّة بالقيصر إيفان الرهيب". 

ويأمل المؤرّخون وعلماء المخطوطات والآثار في أن يقودهم هذا الأثر إلى فكّ لغز مكتبة إيفان الرهيب في المستقبل القريب.