هذا فراق بيني وبينك

- ألا تدري أننا نحن معشر الأدباء قد تجاوزنا عصر الحداثة بكم سنة فكرية؟

  • هذا فراق بيني وبينك
    هذا فراق بيني وبينك

في ما مضى من الزمان، كنت أكتب ويدي على قلبي مخافة ألا يفهم القارئ ما أكتب. أما الآن وابتداء من هذه اللحظة الفاصِلة فسأكتب ويدي في جيبي لا خوف على قلبي ولا على القارئ. لن أكترث به أفهمَ أم لم يفهم ما أكتبه؛ مُتسلحاً في ذلك بسلاحٍ عتيدٍ هو سلاح الحداثة والنقد من صنع النقّاد الجدُد. نقّاد ما بعد الحداثة الذين ينقّبون في المتون عن كل شيء إلا عن المعنى.
كم هو جميل أن تكتب كتاباً من ألف صفحة وصفحة، تكون بدايته هي نهايته ولا لبّ له، لن تشعر بأيّ حرج وأنت تردّ على القارئ بصدر منتفخ:
- تريد أن أوضح لك ماذا أقول في هذه الصفحة وما بعدها؟
- أجل.
- اقرأ وكفى ولا تبحث عن المعنى.
- لم أفهم شيئاً.
- يبدو أنك قارئ غارِق في مستنقع الكلاسيكية.
- ماذا؟
- ألا تدري أننا نحن معشر الأدباء قد تجاوزنا عصر الحداثة بكم سنة فكرية؟
- .......!
- حرّر عقلك، أرح نفسك من عبث البحث عن المعنى وعن الفهم.
- ......!
- نحن في عصر ما بعد الحداثة يا هذا!
- .....!
- هيّا واصل القراءة بالصحّة والراحة، كتابي القادم سيُريحك حتى من تعب عينيك.
- كيف؟
- باستثناء العنوان وإسم المطبعة وتاريخ الطبع وإسم المؤلّف التي ستجدها في الصفحة الأولى منه، ستكون الصفحات الألف الأخرى صفحات بيضاء لا كتابة فيها.
- بيضاء؟
- نعم، بيضاء كالثلج تُثلج العقل والصدر تسرّ الناظرين، الفضل كل الفضل في هذا يا هذا يرجع لجيل ما بعد الحداثة.
- أريد أن أفهم.
- ألم أقل لك لا تبحث عن الفهم.
- أريد أن أعرف ما هذا يعني.
- يبدو أنك غبي ومكبّل بأغلال الكلاسيكية العقيمة.
- يعني.
- هذا فراق بيني وبينك.
- أريد فقط أن أعرف.
- لن أنبئك بما لن تستطيع عليه صبراً.

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]