لماذا يلجأ الشعراء إلى الرواية؟

لماذا يلجأ الشعراء إلى الرواية؟

لماذا يلجأُ الشعراء إلى الرواية؟

أن ينوِّع القاصُّ بين الكتابة الروائية أو المسرحية فهذا أمر مألوف في الأدب، على اعتبار أن المُبدِع لا يخرج عن تقنية السَرد. لكن أن يُفاجئ الشاعر القرَّاء بإبداعٍ روائي أو قصَصَي، بعد عقودٍ من الكتابة الشعرية أمر مُثير للانتباه. وقد تكون من بين الأسباب حظوة الرواية، حيث تتعامل دور النشر مع الروائيين بشكلِ أفضل كثيراً من تعاملهم مع الشعراء، إضافة إلى إقبال القرَّاء على الرواية التي فاقت مبيعاتها الدواوين الشعرية في أكثر من معرضٍ دولي، وما يُرصَد لها من جوائز قيِّمة مثل البوكر.

لقد لفتت هذه الظاهرة الأنظار في العالم العربي عامة والمغربي بخاصة حين امتلأت المكتبة العربية بعددٍ من الروايات التي قدَّمها شعراء منهم إبراهيم نصر الله وأمجد ناصر ومنصف الوهايبي وحسن نجمي وفاتحة مرشيد ومحمّد السرغيني ومحمّد الأشعري وياسين عدنان ومحمّد ميلود غرافي ومصطفى ملح وأحمد بنميمون.

لكن هل يُعَدُّ هذا التحوّل نفوراً من شكل لم يحقِّق من خلاله الشاعر حضوره القوي؟ أو هو رغبة في تجريب شكلٍ جديدٍ؟ أو محاولة تقليد رموز الأدب العالمي الذين انتقلوا من الشعر إلى الرواية فَخَلدتْ آثارهم مثل فيكتور هيغو وصمويل بكيت؟ وهل يُعَدُّ ذلك انتصاراً للرواية التي وصفها عدد كبير من مُناصريها بأنها ديوان العرب والعصر؟

طرحت الميادين الثقافية هذه الأسئلة على عددِ من الشعراء والنقَّاد لمعرفة الأسباب وراء لجوئهم إلى الرواية بعد مسيرة شعرية مُتميِّزة.

 

أبو إسماعيل أعبو - ناقد

أبو إسماعيل أعبو

نزوع الشعراء إلى الإبداع الروائي يجب أن يُنظَر إليه في سياق المدّ الحَداثي الغربي، الذي ألقى بظلاله على الكتابات العربية، فأفضى بها خلال العقود الأخيرة إلى الانفتاح، وبالتالي الانزياح عن طقسيّة النموذجي، والاندراج في بُعد الصيرورة الزمنية، والتفاعُل مع الأحداث المصيرية، ما جعل الانتظام في مختلف الأجناس الأدبية نسبياً، لا يعدو أن يكون ضرباً من الاصطلاح الافتراضي. ذلك أنها لا تلبث أن تعدل عنه إلى آخر، مُختطَّة لنفسها مسالك حرية الاحتمالات ولعلّ هاته الحرية التي أضحت الكتابة تستبيحها، هي الحافِز الأساس الذي حفَّز الشعراء على الالتجاء إلى الكتابة الأدبية.

إنها المبدأ التنظيمي الذي انتظمت وفقه تجاربهم الشعرية، واعتملت احتمالات نصوصهم، فألِفوا فيها طواعية التجانس مع مختلف الأشكال التعبيرية، وبالتالي استلهام السردي في الشعري، وتحبيكه بشكلٍ مُحكَم، وإضفاء شاعريّة على استرساله، خاصة وأن له قابلية لاستدراج القارئ، والتحاور معه بصَدَد ما يُتيحه قرينه الشعري من احتمالاتٍ تأويلية. فهذا ما أوحى إلى الشعراء بكتابة الرواية، التي كثيراً ما كانت تأتي ذات حُلَّة جديدة.

أحمد بنميمون - شاعر

لم يكن ذهابي إلى الرواية إلا بعد توافر مجموعة نصوص سردية يرى قارئها أنها ترتبط كأجزاء، يُمهَّد بعضها لبعض، وإن بطريقةٍ فيها نوع من الخروج عن السائِد في ما عَهدناه من كتاباتٍ روائية، يقوم السرد فيها على مُقدِّمات ووسط ثم حلول، وقد ملأني ببعض الثقة ما كنت قرأته من قبل لبريخت مثلاً الذي كان يكسر اتجاه السرد حين يصل إلى مرحلة يُخيرنا فيها بين نهايات ثلاث، أو حين يتعمَّد إثارة انتباه القارئ إلى أن ما يقرأه هو عمل مُتخيَّل، لا يحكمه القانون الأرسطي الذي يفرض نهاية وقدرية واحدة يفرضها القانون الطبيعي، الذي يجعل للفن أيضاً قانوناً شبيهاً بذلك لا يصحّ الخروج عنه.

محمد ميلود غرافي - شاعر مقيم في فرنسا

سؤال التحوّل إلى الرواية لم يشغلني قط والظروف التي مرَرَت بها في المهجر هي التي فرضت أن يكون التعبير عنها روائياً. فالكتابة الروائية لم تكن محطّ تساؤلاتٍ عندي. لم أكن أحلم بكتابة رواية يوماً ما، وحين بدأت أعيش تجربة الهجرة في باريس كنت أرى من حولي عوالِم غريبة وعجيبة وأحداثاً لا يمكن أن نتصوَّرها حتى في الخيال.، كنت أشهد ذلك وأقول: هذا يستحقّ أن يُكتَب؟ فجاءت رواية " لم أرَ الشلالات من أعلى" نتيجة منطقية لانشغالي بتلك العوالِم والأحداث وفرضتْ نفسها كشكلٍ أرقى وأشمل وأوسع للتعبير عن تلك التجربة.

مصطفى ملح - شاعر

من حق الكاتِب أن يُجرِّب ما يشاء من أشكال التعبير الأدبي، قصيدة، مسرحية، رواية، يوميات. ومن المؤكَّد أن لكل شاعرٍ مُبرّراتِه ومسوّغات هذا الاختيار. أما في ما يتعلّق بتجربتي الشخصية فيُمكن اختزال الأمر في مسألةٍ جوهريةٍ وهي حبّي للرواية منذ نعومة أظافري، بل أكثر من ذلك، أن قراءة الرواية تحفّزني على كتابة القصيدة، وتلهمني للحصول على بناء استعاري مُحكَم.

من جهةٍ أخرى قصيدتي لا تخلو من خصائص فنية تُقرِّبها من جنس القصة والرواية كالمشهدية والتداعيات الحرَّة والوَصف السيكولوجي وتأثيث البياض بجرح الأمكنة. بهذا أستطيع أن أقول بأن الحدود بين الرواية والقصيدة، في ما يخصّ تجربتي، هي حدود يُمكن تحطيمها، لأنها ليست متاريس فولاذية تمنعني من الانتقال مثل أية فراشة جائِعة من زهرة إلى أخرى، ويمكنني أن أزعم أن الرواية – بالنسبة إليّ- ليست مُجرَّد سَرد مجاني لأحداثٍ عاديةٍ بقدر ما هي محاولة لخَلْقِ تصالُح جمالي بين الشعر والرواية.

أقصد أنني سعيت إلى اعتماد لغة روائية تتمتَّع بدرجةٍ كبيرةٍ من الشعرية من حيث بناء الصورة ورسَم الباطِن النفسي للشخصيات المَكلومة المُنصَهِرة وللأمكنة التي تشكَّل عامة مادة للبناء الروائي.

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك المقالات والتحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]