"الجنَّة تحت أقدامي".. عن الأمومة المسلوبة بقوّة "الشرع"

"الجنَّة تحت أقدامي"وثائقي فاز بجائزة "مهرجان أسوان لأفلام المرأة"، يروي معاناة اللبنانيات للحصول على حقهن في الطلاق والحضانة. ماذا قالت منتجة ومخرجة الفيلم للميادين نت؟

  • زينب
    زينب

"الجنَّة تحت أقدامي" وثائقي (90 د) من إنتاج "سولو فيلم/ عبير هاشم" وإخراج الفلسطينية الأردنية ساندرا ماضي، حاز مؤخراً جائزة "التحكيم الخاصة" ضمن فعَّاليات الدورة الخامسة من "مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة". حاورت الميادين الثقافية هاشم وماضي حول الفيلم الذي يتحدث عن معاناة النساء في الحصول على حقهن في الطلاق وحضانة أطفالهن، وما إذا كان الفيلم يندرج في إطار الدعوة إلى قانون أحوال شخصية مدني وإلغاء عمل المحاكم الروحية أمْ إعادة النظر في القوانين التي تظلم المرأة.

تطرَّق الحوار أيضاً إلى مسألة التمويل، والدور الوظيفيّ المشهدي للموسيقى، وتأثير الأفلام الأخرى في مهرجان أسوان، والصِعَاب أثناء التصوير، وغيرها من الأمور والنقاط المهمة. وهنا نص الحوار: 

عبير هاشم: قصة لبنان كله موجودة في الفيلم

  • ملصق فيلم
    ملصق فيلم "الجنَّة تحت أقدامي"

ضمن فعَّاليات "مهرجان أسوان لأفلام المرأة 2021" حاز فيلم "الجنة تحت أقدامي" جائزة "التحكيم الخاصة" التي تحمل إسم المونتيرة رشيدة عبد السلام. كما عرض مؤخّراً في الدورة الرابعة من "مهرجان بيروت الدولي لسينما المرأة" في بيروت. كيف كان وَقْع هذا الفوز؟ وما هو التأثير المُحْتَمَل لهذا الفوز على رسالة الفيلم؟ 

كان الفوز مهماً جداً لإيصال رسالة الفيلم، ليعرف الناس أنّه في جو المضاربات السينمائية يوجد عمل توثيقي يعكس ما تعانيه النساء في المحاكم الروحية ليحصلن على حقهن في الطلاق والحضانة. الحصول على الجائزة كان حدثاً مهماً جداً. تدثّر الفيلم بصدى كبير في لبنان. منذ نلنا الجائزة اتّصلت بنا جهاتٌ كثيرة وأخرى أرادت أن تقوم بمُقابلاتٍ عن الفيلم والكثير من الناس أرادوا تناوله والتحدّث عنه وعرْضه. هذا جيّد جداً لكي يصل الفيلم إلى أكبر وأوسع جمهور ممكن، وهذا ما نسعى إليه. لا تهمّنا المهرجانات فحسب في لبنان، بل يهمّنا أيضاً وأكثر أن يصل الفيلم إلى أكبر عدد من النساء وإلى الجهاتِ التي يُمكن أن تغير في قوانين المحاكم الروحية حول الحضانة والطلاق.

كيف كان تأثير الأفلام الأخرى في مهرجان أسوان مقارنة بفيلم "الجنة تحت أقدامي"؟

في مهرجان أسوان كان يوجد الكثير من الأفلام الهامّة، سواء Fiction أمْ وثائقية، وكلّها تدور حول مواضيع المرأة حيث قد تكون المخرجة امرأة أيضاً. كنت موجودة في المهرجان وكانت لديّ رغبة في أن يربح الفيلم من أجل أن ينال حقّه ويبرز في الساحة، خصوصاً في موضوعه. لجنة التحكيم أحبَّت الفيلم كثيراً، وكان له تأثير كبير. كل من شاهده أحبّ الموضوع وتفاجأ أنّ في لبنان بلد الحرّيات (خصوصاً على مستوى العالم العربي) تتعذب فيه النساء ليحصلن على حقوقهم في الأمومة. فالجميع كان يظن بأنّ في لبنان زواجاً مدنياً وحرية في الزواج والطلاق، وأنّ النساء يعشن حياتهن بحرّية وبطريقة أفضل من بلدان عربية أخرى. كان الفيلم صادماً بالنسبة إلى كثيرين، للمصريّين والأجانب. 

قضايا الطلاق مؤلِمة ويعتريها الكثير من الإشكاليات في معظم المحاكم الروحية في لبنان. لماذا انصبّ عمل الفيلم على نساء ينتمين إلى طائفة واحدة وتالياً المحكمة الروحية لهذه الطائفة؟ هل كان التنويع سيخدم الفيلم أمْ لا؟ 

بالنسبة إلى موضوع الفيلم قد تصنع أفلام كثيرة وتقارير مصورة عن كل المحاكم الروحية والدينية في لبنان. لكن بالنسبة إلينا، فإن "الجنة تحت أقدامي" نابع من تجربتي الشخصية. عندما بدأت العمل مع المخرجة ساندرا ماضي، كنت قد مررت بتجربة شخصية صعبة مع المحكمة الروحية لنحو 11 أو 12 عاماً من أجل حصولي على حقي في الطلاق من زوجي. لم أدخل في موضوع الحضانة مع أولادي في المحاكم، لكني اصطدمت بقرار منعي من رؤيتهم.

كل ما تشعر به النساء شعرت به. أنا واحدة منهن. عندما أردنا أن نصنع الفيلم فكَّرنا في توسيع "البيكار" قليلاً على أكثر من طائفة. لاحقاً، وعندما بدأنا بالبحث وإجراء المقابلات مع العديد من النساء، تعرفنا إلى 50 امرأة، فقررنا تناول أوضاع ثلاث نساء هن فاطمة ولينا وزينب لأنهن تُجسدن أكثر الحالات صعوبة وقسوة مما تمرّ بها المرأة في المحكمة الروحية التابعة للطائفة الشيعية. وبما أنني أنتمي إلى هذه الطائفة فكنتُ "المُقدِّمة" لموضوع الفيلم، أما ساندرا فكانت صوته. تحوّل الفيلم ليحكي قِصَص النساء ومُحاربتهنّ، وكيف يعشن يوميّاتهن جراء الأحكام التي صدرت بحقهن بالنسبة لموضوعي الطلاق والحضانة.

القرار كان أن نركّز على أمر واحد لأننا نحكي قصص النساء في لبنان. أعتقد أن لبنان بكليته موجود في الفيلم، وتحديداً الفساد، لأن الأخير لا يقتصر أبداً على المحاكم الروحية، بل ينسحب على القضاء كله. يعكس الفيلم الفساد الموجود في كل لبنان. لو أخذنا نماذج عن امرأة مسيحية أو شيعية أو سُنّية لوجدنا أن الأمر هو ذاته والمعاناة هي نفسها. لكن بما أن المحكمة الروحية التابعة للطائفة الشيعية كانت المحكمة الوحيدة التي لم ترفع سن الحضانة كما فعلت باقي المحاكم الروحية للطوائف الأخرى، ارتأينا أن ينصب اهتمام الفيلم على هذا التفصيل وكل ما يتربط به. قد نسلط الضوء لاحقاً على تفاصيل أخرى في أعمال مستقبلية.   

يذكر الفيلم أنه "لا يوجد قانون مدني موحَّد في لبنان بل توجد 18 طائفة مُعْتَرَف بها رسمياً، لكلٍّ منها محاكمها وقوانيها الخاصة، وأنّ مهمة المجتمع المدني لطالما كانت صعبة لكنه ما زال يعمل لإحداث تغيير." في أيّ سياق يندرج الفيلم؟ الدعوة إلى قانون أحوالٍ شخصية مدني وإلغاء عمل المحاكم الروحية؟ أمْ إعادة النظر في القوانين التي تظلم المرأة؟ 

  • عبير هاشم
    عبير هاشم

بالنسبة إلي وبعد تجربة شخصية امتدت لأكثر من عقد، أعتقد بوجوب سن قانون مدني للأحوال الشخصية وإلغاء المحاكم الروحية. أشعر بأن هذه ستكون أفضل طريقة لإعطاء الحقوق للمرأة والرجل والأطفال على السواء، ولكل الموجودين في لبنان. تعدد الطوائف (18 طائفة) يحدث فوضى في كل شيء. فوضى على الأرض، وفوضى في الحقوق. أريد للمرأة والرجل أن يتمكنا من تحصيل حقوقهما في أيّ موضوع شخصي: الزواج، الطلاق، الحضانة أو غيرها من الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية.

القانون المدني هو لازم وضروريّ، ويجب أن يكون معتمداً في لبنان. المحاكم الروحية تبقى للصلاة والصوم والأمور الأخرى - كل على حدة - لكن كلبنانيين وكبشر نعيش في وطن فيه تعدد طوائف، يجب أن نكون تحت قانون موحد لأن هذا يحفظ حقوقنا جميعاً بغض النظر عن هوياتنا الطائفية. هذا ما أطالب به. من وجهة نظري فإن الفيلم قام من أجل الإضاءة على هذا الموضوع تحديداً، لأنّهم مهما حاولوا إعادة النظر بالقوانين فسيعثر على فراغ "هنا" وأشياء "هناك" لتغييرها "كما يريدون".   

أما في ما يتعلق بالإنتاج، فكان الإنتاج مشتركاً مع فرنسا، مع المُنْتِج سيرج لالو Serge Lalou وإسم الشركة Les Films d'Ici Méditerranée، ومع حسان شامي. ساندرا ماضي في شركتها أيضاً كانت شريكة. بالنسبة إلى الدعم الأجنبي إن عبر معهد "غوته" أو بالنسبة إلى سيرج أو أي جهة أجنبية في الفيلم، كانت لنا شروطنا الراديكالية جداً. رفضنا أية أجندة مفروضة. رفضنا الكثير من الأموال التي كانت يمكن أن تأتي من فرنسا، وذلك لكي نحقق ما نؤمن به وما نريد إيصاله من دون تدخّل أيّ أحدٍ من الخارج.

العقد "اشتغلنا عليه" كثيراً مع سيرج وحسان لكي نصل إلى مكان نعرف فيه أنّ ما نضعه لن يتغير. حتى مؤسَّسة "غوته" لم تُعطِ أموالاً، بل قدَّمت دعماً معنوياً مثل بطاقة السفر والإقامة في الفندق. "غوته" ساعدتنا كثيراً لكنها لم تفرض علينا أيّة أفكار لأنّ الفيلمَ حسّاسٌ جداً وفكرته حسّاسةٌ جداً. لم نكن نريد أن نقع... ثمة خطٌّ رفيعٌ جداً بين الشتيمة وبين النقد. كان يجب أن نكون موضوعيين وشفَّافين وكُنَّا كذلك في الفيلم. بالنسبة إلينا التدخُّل من الخارج ممنوع.

***

ساندرا ماضي: الفيلم له دور وظيفي

  • "الجنَّة تحت أقدامي" في "مهرجان أسوان لأفلام المرأة"

 ما هي الصعوبات التي واجهتك أثناء التصوير؟ 

لم تكن ثمّة صعوبات في التصوير بالمعنى التقني. غير أنّ المواضيع بذاتها التي "تحكي" فيها مع الشخصيات هي مواضيع ثقيلة بتفاصيلها وبسردها وفي استرجاعها، وقد كان هذا مؤلماً. وهذا ما شكَّل ضغطاً نفسياً وعاطفياً على الذين صنعوا الفيلم وعلى من يصوّر خلف الكاميرا. الصعوبة كما أفهم السؤال أن الموضوع ليس سلساً وقد ركّزت في هذا الفيلم على النساء صاحبات التجربة وأعطيتهن المساحة الكلّية لكي ينقلن صورة عن قصصهن ومعاناتهن بشكل جزئي، لأن الفيلم لا يتَّسع لقول كل شيء. اخترت المواقف أو المشاهد التي لا يتسنى للجمهور الاطّلاع عليها (...) وقع الموضوع بثقله كان مرهقاً أثناء العمل والمونتاج.   

هناك مشاهد صامِتة قصيرة مُعبِّرة تخلّلتها الموسيقى، وثمة جزء من أغنية "خدني ازرعني بأرض لبنان" بصوت فيروز يُداخِلُ أحد المشاهد. كيف اخترتِ الموسيقى؟ وإلى أيّ مدى تُعزِّز الموسيقى وتدعِّمُ المشاهد بوقْعها وتأثيرها ربطاً بدورها الوظيفيّ المَشْهَديّ؟

لحظات الصمت في الفيلم متعمّدة لأنها تنسجم مع الأسلوب الذي أصور به، أو الذي أستخدمه في النهاية في المونتاج ليكون في الفيلم النهائي. هذه اللحظات هي لحظات من مواقف فيها "تشاركية" بين المشاهد/المتلقي، وبين الشخصيات صاحبة القصة والتجربة.

هذه المواقف لا تصل في أية مادة مكتوبة وهي في المادة البصرية في حال الفيلم السينمائي. هذه اللحظات لها دور وظيفي داخل العمل لأنها كانت تأتي بعد موقف شديد الكثافة مثلاً، التوتّر فيه عال ومن ثم هناك نصف دقيقة صمت أو دقيقة. هناك دور مهم داخل الحكاية لإيصال كل الحالة العاطفية والمعنوية وأيضاً هناك دور وظيفي مهم داخل العمل نفسه، مثلاً في الانتقال من مشهد إلى آخر أو من حكاية أو من شخصية إلى أُخرى.

هذه اللحظات كانت ضرورية لأن الشخصيات لا تجتمع وثمة فواصل بينها جغرافياً: لينا في ألمانيا، زينب في الضيعة، وفاطمة في بيروت. الانتقال بين الشخصيّات يحتّم استخدام هذه اللحظات أو المواقف لكي يكون الانتقال سلساً.

أمّا بالنسبة إلى المشهد مع لينا الذي استخدمت فيه أغنية فيروز، فهو عبارة عن لحظة رمزيّة بل مفْرطة في رمزيّتها وهي مناسبة جداً، ووقْعها ضروري، وقد رأيت "ترجمة" من نوع آخر لمعنى النداء الذي تطلقه فيروز في أغنيتها. وهذا موجود في العقل الجمْعي اللبناني أو حتى العربي لأن فيروز في أغانيها وعلى الرغم من غرقها في محلّيتها ولبنانيّتها، إلاّ أنها عابرة تماماً للحدود القُطْرية وهي ناطقة بإسم كل عربي (...) أعتقد أن اللحظة مع الأغنية تفسّر نفسها بنفسها (...).    

هل نجحت في مُعالجة موضوع الفيلم فنياً؟ كيف ذلك؟

  • فاطمة
    فاطمة

أنا لا أقرّر إذا كنت قد نجحت، فهذا أمر يحدّده الجمهور. لا أرى أنه يمكن لفيلم أن ينجح فنياً ويكون موضوعه ضعيفاً مثلاً، أو أن يكون الموضوع ضعيفاً ولكنّه فنياً عال جداً. يجب أن يكون هناك توازن لكي يحقق الفيلم الأثر المرجو منه.

هذا النوع من الأفلام يركز على قضايا إنسانية مباشرة تكون الصرخة فيها عالية.. ويمكن أن نعتبر أنّ الفيلم يصطفّ إلى جانب جهود أفراد أو مؤسَّسات تعمل وتسعى من أجل تغيير هذا الواقع. الفيلم له دور وظيفي. سينمائياً "لا أحد يقول عن زَيْتِهِ أنه عَكِر". أظنّ أنّ الفيلم متوازن من حيث الشكل الفنّي وفي "أسلوبيّته" مع الموضوع.

أنجزت هذا الفيلم لغاياته تماماً. الراهنية مهمّة جداً في الموضوع (...) ثمّة لحظة راهنة في هذا الموضوع. هذه القصص وسواها حدثت، وتحدث الآن، وستظل تحدث.      

كان الفيلم بدعم من مؤسَّسة غوته- بيروت Goethe-Institut، وهو معهد جمهورية ألمانيا الاتحادية الثقافي. غالباً ما يحدّ المُموِّل من حرية حركة المستفيد ويفرض عليه بطريقة أو بأخرى تمرير آراء أو أفكار قد لا تكون مقبولة أو مُسْتَسَاغة أو غريبة عن مُتلقِّيها. هل وقعتم في هذه المشكلة؟ 

  • ساندرا ماضي
    ساندرا ماضي

بالنسبة إلى موضوع التمويل، هذا السؤال عام، لأننا في فيلمنا لم يموّلنا معهد "غوته". اعتبرنا أنّ "غوته" ساهم في إنجاز هذا الفيلم من ناحية الدعم، لكنّنا لم نتلقَّ أموالاً منه.

حصلت على إقامة فنية في بيروت في "غوته". فنحن مهنياً وحِرَفياً وأخلاقياً اعتبرنا أنّ "غوته" قدّم لنا دعماً. حصلت منهم على مبلغ بسيط جداً هو جزء من المبلغ المخصص للمونتاج.

ومساهمة "غوته" كانت ضمن برنامج لهم مخصّص للمشاركين في الإقامة لديهم. شاركت في الإقامة مع ثلاث صبايا وقد عرضوا علينا تقديم مساعدة تسهم في إنجاز مشاريعنا.

في هذا السياق كانت حدود الدعم الذي قدَّمه "غوته". أمّا بالنسبة إلى السؤال العام في موضوع التمويلات، نعم هناك تمويلات ولكن من نوع معيّن، ونحن في هذا "الكار"، في هذه الصنعة، ونعرف حدودها.

أمّا حول التدخل في نوع العمل ورسائله فهذا يعتمد على صانع الفيلم نفسه. ثمة تمويل يفرض عليك شروطاً محددة. لكن ليس كل جهة تقدّم تمويلاً لديها اشتراطات. أنا شخصياً، وبصراحة، من خلال تجربتي في الأفلام التي أنجزتُها لم أواجه هذا الأمر. كنت أتوجّه إلى الصناديق التي تدعم صناعة الأفلام في العالم العربي وفي أوروبا ولم أحصل على منح كثيرة. لكن في المرّات التي حصلتُ فيها على دعم لإنجاز أفلام أخرى لم يكن هناك أيّ نوع من الاشتراطات.