جاك أتالي: أطروحة "غزو فرنسا" القاتلة

هذه الخطابات المعادية لمسلمي فرنسا قاتلة. خاصة عندما تأتي من اليهود.

تقديم وترجمة عبد الرحيم نور الدين:

 

تعيش فرنسا غليانا بعد اعتداء باريس الذي ذهب ضحيته أربعة رجال شرطة، واعتداء إريك زمور العنصري على الإسلام والمسلمين تحت غطاء مكافحة الإسلاموية المتطرفة.

فمن جهة، هناك "استيقاظ" ضمير العديد من المثقفين الفرنسيين الذين ردوا بقوة على العنصري زمور ومن معه، وعلى المنابر الإعلامية التي يطل منها على الفرنسيين؛ ومن جهة ثانية، هناك تشديد الخطاب من لدنّ الدولة تجاه الإسلام السياسي المتطرف.

لكن تصريح وزير الداخلية حول علامات التطرف الإسلاموي والتي عددها في الممارسة الدينية المكثفة خلال شهر رمضان، وإطلاق اللحية، وعلامة الركوع في الجبين، وارتداء البرقع في الشارع العام، هو في الحقيقة خطاب إسلاموفوبي لا غبار عليه.

باستثناء البرقع، فإن كل مسلم ملتزم بتعاليم دينه، ستظهر عليه بالضرورة ما أُشير إليه كسمات تشدد. فهل يجب اعتبار ذلك إذعاناً من الدولة الفرنسية لليمين الفرنسي المتطرف ودعما للعنصري زمور؟

للرد بقسوة وقوة على هذا الأخير، كتب جاك أتالي (ولد لعائلة يهودية في مدينة الجزائر)، وهو من أكثر المثقفين شهرة وتأثيراً، عموداً في صحيفة "لي إيكو"، جاء فيه:

عندما نتحدث عن "السيادية" [souverainisme]، فإن الكثير من الناس يريد الاعتقاد بأن الحديث، في أوروبا، لا يتعلق إلا بالتحكم في الاستيراد وبرفض التخصصات المجتمعية. في الواقع، وفي معظم الحالات، يُلمح أولئك الذين يمجدون "السيادية"، إلى رفض المهاجرين، وعلى نطاق أوسع، إلى رفض المسلمين. ومع ذلك، لن يكون هناك شيء أكثر فظاعة، خاصة في المجتمع الفرنسي، من السماح من دون عقاب بإدانة الوجود الإسلامي، وتحويل نقد (شرعي) للإسلام إلى عنصرية (غير شرعية) مناهضة للإفريقيين (ومضادة للعرب خاصة).

أولاً، الخطابات التي ألقيت بهذه الطريقة هي خاطئة. لا يوجد أي غزو لفرنسا أو لأوروبا من قبل الإسلام أو من قبل إفريقيا. لا يمثل المهاجرون غير الأوروبيين في فرنسا، على أساس تعداد سنوي صاف، 450000 شخص، كما يزعم المتطرفون، ولكن أقل من 185000 شخصا (وعلاوة على ذلك، بمراعاة التجنيس، فهم يمثلون نصف العدد المذكور)، أي أقل من 0,5 في المئة من سكان فرنسا.

99٪ منهم يندمجون تماماً مع الأمة الفرنسية. إنهم يدرسون، يكونون عائلات، يتحدثون الفرنسية مع أطفالهم، ينشؤون مقاولات، يصبحون أساتذة أو أطباء. لا تقل الأمهات المسلمات والأفريقيات عن أمهات جيدات مقارنة بالفرنسيات أو المقيمة في فرنسا. وليس المسلمون أكثر ممارسة دينية من المؤمنين بالديانات التوحيدية الأخرى اليوم.

وليس الإسلام تهديداً لفرنسا؛ لقد كان عنصراً مكوناً فيها منذ القرن الثامن الميلادي. بل بفضله، وبفضل الفلاسفة اليهود، جاء الفكر اليوناني إلى فرنسا في مطلع الألفية الأولى. ولم يكن العالم أبداً أفضل حالًا مما كان عليه الحال عندما كانت اليهودية والمسيحية والإسلام يعملون معاً لجعل العقل ينتصر على الظلامية.

بالطبع، يجب القيام بكل شيء لتسهيل اندماج المهاجرين، وتعزيز نجاح أطفالهم؛ ومعارضة جميع المحاولات الدينية، أياً كان أصلها، لفرض تصور للعالم أو طريقة للحياة، متعارضة مع قواعد العلمانية، وغير محترمة لحقوق المرأة أو، بشكل أعم، منتهكة لقوانين الجمهورية. ليس هذا هو الحال في فرنسا بالنسبة تقريباً لجميع الأشخاص المؤمنين، بغض النظر عن معتقدهم. وعلى وجه الخصوص ليس هذا حال المسلمين.

هذه الخطابات المعادية لمسلمي فرنسا قاتلة. خاصة عندما تأتي من اليهود، الذين لا ينبغي أن ينسوا أن معاداة السامية تستهدف هؤلاء وأولئك. لذلك من الضروري إذن مهما كان الثمن، التنديد بالخطابات الهاذية لإريك زيمور، ووليام غولدناديل، أو حتى في العديد من تصريحاته، لآلان فينكيلكروت؛ وللكثير غيرهم. على وجه الخصوص، من المحزن أن نرى أحفاد اليهود الجزائريين ينسون الدور الرائع الذي لعبه المسلمون الجزائريون في دعم وحماية آبائهم، في الأوقات العصيبة من انتصار معاداة السامية في فرنسا، وأكثر من ذلك في الجزائر، خلال حكم فيشي، وحكم جيرو، وحتى خلال حكم ديغول.

لن يكون من مصلحة الطائفة اليهودية الفرنسية أن يتبادر إلى أذهان المسلمين في فرنسا أن مواطنيهم اليهود ينضمون إلى أولئك الذين يريدون طردهم من البلاد، في حين أن الطائفتين ما زالتا تُعتبران من قبل الفرنسيين الآخرين كوافدين جدد غير مرغوب فيهم. وسيكون أمراً مساعداً أيضاً لأولئك الذين يرغبون في استيراد صراع الشرق الأوسط المأساوي إلى أوروبا.

لا تختزل فرنسا إلى مجرد ماض لا يطاق في الغالب، ولا إلى تاريخ كثيراً ما انتقد. لا يجب النظر إلى فرنسا ككل، ولاتقديسها بصفتها تلك. يجب عليها أن تعرف كيف تنتقد دورها في العبودية، وفي الاستعمار، وفي كراهية الأجانب، وفي معاداة السامية، وفي التعاون مع الأعداء، وفي تدمير الطبيعة. يجب ألا تستسلم لهذه التخيلات من "الاستبدال الكبير"، وأن تتذكر أنها تحمل اسم شعب غازي، وأنها، منذ نشأتها، هي المكان المميز لإقامة شعوب لا حصر لها والتي يعتبر كل فرنسي، مهما كان المكان الذي قدم منه، وريثاً لها.

ولا ينبغي أن تنسى كذلك أن ما يختبئ وراء "السيادية" يشير في الواقع إلى كراهية الأجانب نفسها، والانغلاق نفسه، وغياب الثقة بالنفس نفسه، الذين كانت عليهم الإيديولوجيات المعادية للإيطاليين، والمعادية للبولنديين، والمعادية للأرمنيين، والمعادية للساميين في القرون الماضية.

إن فرنسا صيرورة لا يمكن أخذ ماضيها ككل، ولكن يجب فرزه بعناية، وفقاً للمعايير التي ساعدت الجمهورية الفرنسية في بنائها. لا تعتبر فرنسا كبيرة إلا عندما تكون مفتوحة ومُرحبة وواثقة من نفسها. عندما تبني ثقتها بنفسها، قرناً بعد قرن من الزمان، في تمازج واندماج الأفكار والأسر الجديدة، القادمة لإثراء المجتمع الوطني. وعندما تتيح إعطاء العولمة البعد الذي تفتقده كثيراً، أي بعد الديمقراطية وبعد العدالة الاجتماعية وبعد الدفاع عن الحريات، ضد كل الديكتاتوريات.

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك المقالات والتحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]