طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية

الأرثوذكسية عريقة في طرابلس، تطعن في تاريخها القديم عبر عائلات من صُلبها، عاشت في حاراتها وأزقّتها القديمة مثلها مثل الأكثرية الإسلامية. ومع بداية خروج المدينة من بوتقتها القديمة، خرج الأرثوذكس والمسلمون معاً وتشاركوا تأسيس اللبنات الأولى للمدينة الحديثة.

  • طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية
    طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية

في عَبَق الأعياد والمُناسبات الدينية المسيحية التي تبدأ مطلع كانون الأول/ديسمبر، وتنتهي أسبوعاً بعد بداية العام الجديد، ينتشر مناخ روحاني يعمُّ أرجاء المنطقتين المُتلاصِقتين.

فطرابلس والكورة تُشكِّلان امتداداً جغرافياً، واجتماعياً، وجيولوجياً (مياه طرابلس الجوفية تعبر جوف الكورة)، والتبادُل السكني بين الكورة وطرابلس مُتقاطِع، وكل منهما بحاجةٍ إلى الآخر.

التواصُل بين المنطقتين يكتنز عناصر كثيرة، لكن في موسم أعياد رأس السنة، يُسْتَحْسَن التركيز على الجانب الروحاني. ولئن كانت المنطقتان تضمّان فئات اجتماعية من مختلف الطوائف الإسلامية والمسيحية، لكن المُتميِّز فيهما هو الامتداد الأرثوذكسي، الذي يجعل المنطقتين تابعتين لأبرشيةٍ واحدة. 

 طرابلس

  • طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية
    طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية
  • طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية
    طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية

الأرثوذكسية عريقة في طرابلس، تطعن في تاريخها القديم، عبر عائلات من صُلبها، عاشت في حاراتها وأزقّتها القديمة مثلها مثل الأكثرية الإسلامية. ومع بداية خروج المدينة من بوتقتها القديمة، خرج الأرثوذكس والمسلمون معاً، وتشاركوا تأسيس اللبنات الأولى للمدينة الحديثة.

يتجسَّد الحضور الأرثوذكسي الاجتماعي المُركَّز في طرابلس في أكثر من حارة، خصوصاً منها منطقة الزاهرية، وحيّ اللطيفة، وحارة النصارى، وتنتشر الكثير من العائلات في مختلف الأحياء الأخرى، كما يتواجدون في الميناء القديمة التي تُعْتَبر أرثوذكسية بامتيازٍ حتى أواسط القرن العشرين المُنْصَرِم. 

على المستوى الديني، تتركَّز أبرشية المنطقتين في طرابلس، وبعد تدمير المقرّ الأول ومركزها الزاهرية في حروب المدينة بالقصف الخارجي، باتت الأبرشية اليوم مبنى في أول منطقة الضمّ والفرز، أحدث أحياء المدينة.

المركز الديني الأرثوذكسي الأهمّ في طرابلس هو كاتدرائية مار جرجس في شارع الكنائس، من حيث الحجم، والتشكيل العُمراني، والأيقونات. وقُربها كنيسة مار نقولا، وهي أعتق الكنائس الأرثوذكسية، وأغناها بالأيقونات، وتنفرد بأبواب هيكلها الأربعة. وكنيسة مار مخائيل في القبّة، وكنيستا مار جرجس ومار الياس في الميناء. 

أما الأكثر تعبيراً عن الوجود المسيحي المحلّي القديم، فهو "مزار يونس" في الأسواق الداخلية، وهو طاعَِن في القِدَم ولا يُعرَف كيف ومتى جرى تشييده.

الكورة

  • طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية
    طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية
  • طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية
    طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية
  • طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية
    طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية

بالانتقال إلى الكورة، ففيها حضورٌ أرثوذكسي تاريخي طاغٍ، يتمثّل في عدد البلدات، والسكان، من جهةٍ، وفي عددٍ هامٍ من المواقع الدينية، من جهةٍ ثانية. 

تحتضن الكورة عدداً من الأدْيرَة الأرثوذكسية الكبيرة، وتُعْتَبر كثيفة نسبة إلى مساحة المنطقة الضيِّقة، فعند حدود القضاء الجنوبية، يقوم دير سيّدة النورية الواقع على تلٍّ مُرْتَفعٍ 300 متر عن سطح البحر، هو رأس الشقعة، وهو قسمان، الأول كنيسة القدِّيس مخائيل الأثرية التي تتوسَّط الجبل، ويمكن بلوغها عبر سُلَّم حديث، والثاني، الأهمّ والأكبر، على ظهر التل. تأسَّس الدير في القرن السادس، أما الدير المركزي الحالي فقد شُيِّد أواخر القرن التاسع عشر، اكتسب تسميته من   أيقونة "أمّ النور" (أي السيّدة العذراء)"، يمكن دخوله عبر عدَّة درجات، ومنه إلى الفناء الداخلي المُحاط بصفوفٍ من القناطر البيزنطية، وفي وسط الجهة الشرقية، تقوم كنيسة "البشارة" فيها العديد من الأيقونات تتراوح بين النمطين البيزنطي والروسي، وكلها تعود إلى القرن العشرين.

  • طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية
    طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية
  • طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية
    طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية

دير سيّدة البلمند: تأسَّس زمن البيزنطيين، على منشأة دينية متواضِعة، وفي موقعٍ جميلِ مُنْفَتِحٍ على البحر من ثلاث جهات، وبسبب موقعه الجميل، عُرِفَ التل ب "الجبل الجميل" أو "Bel Mont”، وتحويراً البلمند. عند غزو الصليبيين المنطقة، اتّخذوا من البلمند موقعاً لهم، فطوّروا الدير، وشادوا فوقه كنيسة. هُجِرَ الدير، وأُهْمِلَ سنوات طويلة، وفي أواسط القرن الماضي، جرى كشفه، وتنظيفه من الرُكام، وتأسَّس قربه معهد لتعليم اللاهوت، وفي أواخر القرن الماضي، تأسَّست قربه جامعة البلمند. 

  • طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية
    طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية
  • طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية
    طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية

دير سيّدة الناطور: يقع على شاطيء البحر عند الطرف الشمالي لبلدة أنفة، وهو مبنى كبير من الخارج، جُدرانه عالية، وفي داخله، دار واسعة، وسلالِم تاريخية حَجَرية. تتميِّز كنيسته بأن جُدرانها وسقفها تغطَّت بالرسوم تحكي قِصَص الإنجيل بالتفصيل، بألوانٍ زاهيةٍ، وأحجامٍ كبيرة، قام برسم حكاياتها بطريقةٍ أيقونيةٍ فنيةِ فنّانون مُتخصِّصون بالفن الأيقوني الجِداري من فرنسا وروسيا، وظلّ العمل في الرسم سنتين متواليتين. 

  • طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية
    طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية

دير الشفيعة الحارة في بلدة بدبا، يبدو بناء حديثاً، لكنه يقوم على مَنْشَأة دينية قديمة بُنيَ عليها دير مطلع القرن الماضي. ومنذ عقدين، تبرَّع مُهاجِر من أبناء البلدة بتطوير البناء، فآثر القيِّمون عليه تشييده، على الهندسة البيزنطية التي باتت مفقودة في الشرق، وهو الطراز المُتعِّدد القِبَب، فبات الشكل الجديد مُلْفتاً للنظر، ويمكن اعتباره الأول من نوعه في المنطقة. أما في داخله فيوجد الكثير من الأيقونات التاريخية، والحديثة تُعبِّر عن حكايات الأناجيل، ورموزها، والتاريخ المسيحي. 

  • طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية
    طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية

دير حماطورة: عجائبي من حيث الموقع، فهو يتصدَّر تلَّة جبلية مُرتفِعة بين كوسبا الكورانية وكرمسدة الزغرتاوية، ويقع على مُنحدرٍ مُطلٍّ على وادٍ عميقٍ يمرّ قُبالته طريق بشريّ العريض على المُنحدَر المقابل. موقع معزول تاريخياً، لا تصله الطريق إلا على الأقدام، رغم انحدار الجبل الشديد. ومن المُستغرَب كيف تمّ تشييده، وإيصال الرمل، والطين، والإسمنت إليه، ولم يكن ذلك ممنكاً إلا على ظهر الدواب. يكتنز الدير المعاني الكبيرة التي عاناها المسيحيون الأوائل في حياتهم، ويعتبرونه موقعاً للزُهد، والتصوّف، كما للصلاة والنذور.

  • طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية
    طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية

دير سيّدة بكفتين: يقع عند طرف الكورة الشمالي، في نقطةٍ تتوسَّط طرابلس والكورة وزغرتا. تأسَّس هذا الدير على كهفٍ في القرن الرابع للميلاد، وبدأ يتطوَّر مع مرور السنين، فأُضيفت إليه غُرَف، وممرَّات خفيضة، ثم كنائس تزخر بالأيقونات، ورُدُهات، وبينها قامت مُنشآت عُمرانية تؤمِّن حاجات المُقيمين من رُهبان وزوَّار، تتحدَّث عن كل مرحلةٍ من مراحل التاريخ بأشكالها العُمرانية، كالقناطر، والسلالِم، والغُرَف المُتراصِفة. كنيسته قديمة، كشفت فيها جدارية (فريسك) تاريخية لشفيعة الدير، وظلّ العمل فيه يتطوَّر حتى القرن العشرين عندما أقيمت فيه مدرسة للعلوم الحديثة، وأبرز تخصّصاتها معهد الحقوق.

  • طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية
    طرابلس والكورة: الامتداد الأرثوذكسي في المواسِم الروحية

تزخر الكورة أيضاً بالعديد من الكنائس والأدْيرة الأصغر، لكن أهمّها هي مغاوِر أميون التي يُفْتَرَض أنها أُنْشِئت قبل الميلاد.