"محطة الحجاز" في دمشق.. شاهد على زمن مضى

أسسها السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ولا تزال تشكّل جزءاً مهماً من ذاكرة السوريين. تعالوا لنتعرف إلى "محطة الحجاز" في دمشق وكيف أصبحت بعد أكثر من قرن.

  • محطَّة الحِجاز التاريخيّة... شاهد على مَن حكم سوريا!

في نهاية شارع سعد الله الجابري، وفي الجزء الجنوبي من ساحة الحِجاز، تقع محطَّة القنوات المعروفة بـ "محطَّة الحِجاز". عُمرها يتجاوز المئة عام، لكنَّها لا تزال تشكّل جزءاً مهماً من ذاكرة الدمشقيين. تعيش المحطة اليوم أسوأ حالها. تعطّل سبيل الماء الموجود على مدخلها، بعدما كان يسقي زوّارها، وتوقَّفت مُحرّكات قطاراتها. 

رغم ذلك، لا تزال المحطَّة شاهداً على مراحل مهمة من تاريخ سوريا، وواحدة من أهمّ محطَّات هذا الخط الذي قام لورانس العرب بتعطيله عام 1918. لِتتحوّل في ما بعد إلى محطَّة تستخدم القطار السياحي لتنطلق منها القطارات باتجاهات عدة بين دمشق ومصايفها العريقة. 

محطَّة الحِجاز تاريخيّاً

  • "محطة الحجاز".. شاهد على زمن مضى
  • "محطة الحجاز".. شاهد على زمن مضى
  • "محطة الحجاز".. شاهد على زمن مضى

تَعود فكرة إنشاء خط الحديد الحِجازي إلى العام 1864م، حيثُ قام المهندس الأميركي زيمبل بتقديم أوَّل مخطّط للمشروع الذي سيمتد من مدينة إسطنبول إلى المدينة المُنوّرة، لكنّه لم يتحقّق بسبب التكلفة العالية. 

وحين تولَّى السلطان عبد الحميد الثاني الحُكم، عزمَ على تنفيذ مشروع السكَّة، التي بدأت أولى خطواتها في أيار/مايو من العام 1900، بِفتح سكَّة قطار دمشق – درعا. وبعدها بثلاث سنوات تمّ إيصال الخط من درعا إلى عمان لِيصل إلى معان في العام 1904، وإلى مدائن صالح في الجزيرة في العام 1906، ومن ثمَّ المدينة المُنوّرة في العام 1908 الذي سجّل أوّل تشغيل للخط الحِجازي.

وفي حين كان الهدف من إنشاء الخط خدمة الحَرَمين الشريفين، وتوفير وسائل نقل حديثة للحجّاج القادمين من أوروبا وآسيا. تجلَّى الهدف غير المُعلَن لإنشائه، بحسب إفادة الباحث التاريخي يونس الناصر في بسط السيطرة على اليمن، إذ كان مُقرّراً له أن يَصِل من دمشق إلى عدن. 

وتذكر المراجع التاريخيّة أنّ بناء السكَّة رافقه العديد من الصعوبات التي عانى منها العمال، كقساوة الطقس ونقص الغذاء، ودُفِن المئات منهم على طول مسارها. كما شارك في بنائها جنود سوريون في الجيش العثماني زمن عزّت باشا العابد، كما قال الناصر لــ الميادين الثقافيّة.  

وانطلاقاً من محطة القدم، سارت أوّل رحلة بين دمشق والمدينة المُنوّرة. ويروي الناصر أنّ "موقع المحطة الحالي كان عبارة عن مكان تَجمّع الحجَّاج (المحمل الشامي) وتمّ اختياره لانطلاق قطارات خط الحِجاز".

ويوضّح، أنّ هناك خطأ تاريخياً حول سير خط الحِجاز الحديدي، إذ تنقل بعض المراجع أنّ سير الخط (إسطنبول – المدينة المُنوّرة) وهذا عار عن الصحة، والصحيح أنّه من (دمشق إلى المدينة المُنوّرة) والذي يُكمل باتجاه إسطنبول، قطار الشرق السريع. 

ويبلغ طول الخط 1400كم، ودُمّرَ بعد الثورة العربية الكبرى تنفيذاً لخطة لورانس العرب، الذي اقترح على الشريف حسين تدمير محطَّاته لمنع العثمانيين من الوصول إلى الجزيرة، وفقاً للناصر. 

المحطَّة من الداخل

  • "محطة الحجاز".. شاهد على زمن مضى

تتكوَّن المحطة معمارياً من كتلتين مُتناظرتين تُحيط البهو من الاتجاهين، وهي غرف استخدمت سابقاً كمراكز لِقَطْع التذاكر، والطابق العلوي لإدارة خط الحِجاز. 

ويتكوَّن مدخلها من درجٍ بازلتي مؤلَّف من 8 درجات يحمل أعمدة رخامية مُطلَّة على شارع سعدالله الجابري ويبلغ ارتفاع البهو ما يزيد عن 8 أمتار يعلوها جملون، كان عبارة عن صالون استقبال، وتستخدم الجهة الخلفية للمحطة، للقطارات سواء الذاهبة للفيجة(الزبداني)، أو التي كانت تذهب باتجاه المدينة المُنوّرة والأردن كقطارات بضائع بين المدن التي تقع على مسار الخط. 

محطَّة الحِجاز اليوم

  • "محطة الحجاز".. شاهد على زمن مضى

تُشكِّل المحطة تُحفَة معمارية تُزيّن وسط دمشق كرمزٍ للعاصمة، أسَّسها معمارياً فرناندو دي أرنادا معماري إسباني، بحسب ما يذكر الناصر، ويضيف، إنّ أرنادا دَمَجَ نموذجين من العمارة، العربية الإسلامية والأوروبية.

وعن واقعها اليوم، يقول مصدر رسمي من "المؤسّسة العامة للخط الحديدي الحِجازي"إن المحطة "حافظت على طرازها المعماري والتغيير الذي حدث لها تجسَّد فقط في الترميم والدهان والتنظيف للواجهات، أما بنيتها المعمارية، فهي سليمة، والأسطح فقط هي التي خضعت للترميم نتيجة تسرّب المياه".

ويُضيف إنّ "المحطة مقصد سياحي، وهدف علمي للجامعات، كنموذج الخط العربي في سقف المحطة والذي يتجاوز عُمره ال 100 عام". 

متحف خط الحِجاز

يَعرض المتحف الموجود في بهو المحطة، حطاماً وبقايا ما كان ذات يوم خط سكَّة حديد مشهوراً، مثل تذاكر سفر قديمة وصوَر فوتوغرافية، فوانيس. مُجسَّم لقاطع التذاكر، وموجودات ترصد تاريخ النقل السككي من بدايات القرن الماضي وحتى اليوم. 

ونُقل متحف خط الحِجاز، الذي كان قبل الحرب موجوداً في محطة القدم، إلى محطة الحِجاز منعاً لسرقته وتخريبه، كما قال الناصر. بينما لا تزال العربات البُخارية(18) قاطرة في متحف القدم خارج الخدمة صامتة، وهي إنكليزية وسويسرية. 

كما يضمّ المتحف قسماً للوثائق التاريخيَّة، مثل ملكيَّة خط الحديد الحِجازي لينابيع الحمَّة المحتلَّة منذ عام 1967، حيثُ كان هناك خط يصل إلى تلك المنطقة. 

أما القطار الموجود أمام المحطة، فوضع في العام 2000، للدلالة عليها، وهي عربة مناورة كانت تستخدم لترتيب القطارات داخلها. وليس للسفر. ويشير الناصر، إلى أنّ رمز المحطة، دولاب له جناحان وذلك دليل سرعة القطار التي كانت تتجاوز 60كم /ساعة، اختصرت الوقت إلى 50 ساعة بعد أن كان 75 يوماً. 

هل تشهد المحطة مرحلة إعادة إحياء؟

  • "محطة الحجاز".. شاهد على زمن مضى
  • "محطة الحجاز".. شاهد على زمن مضى

المحطة بناء تاريخي ممنوع المساس به، وليس بناء أثرياً، لأنَّ عُمرها أقل من 200 عام. كما يوضّح الناصر "للميادين الثقافيّة"، ويقول "في نهاية السبعينات كانت هناك خطة لإزالتها وبناء أوتوستراد نهر عيشة إلى دوّار المحافظة (دمشق) لكن لم يتم الأمر، كونها إرثاً عربياً مشتركاً، وجزءاً من الذاكرة العربية والإسلاميَّة". 

ويُضيف أنّه "طُرِح إحياء الخط في كل قرارات الجامعة العربية، لكنَّه اصطدم بالقرار السعودي، ذلك أنّ النقل بالسكك آمن ورخيص. في حين السعودية تفرض كوتا على عدد الحجيج وعلى النقل بالطائرات، وتعتبر نفسها أرض سعود، وليس الحِجاز". 

واحتضنت سوريا هيئة إعادة تسيير الخط الحديدي الحِجازي، وقامت بتأهيله إلى حدود السعودية، لكنه لم يرَ النور. والحلم السوري بإعادة تسيير هذا الخط لا يزال قائماً، وفقاً للمصدر الرسمي. 

لم تَعد وظيفة محطة الحِجاز، تسيير رحلات القطارات باتجاه المدينة المُنوّرة، لكنَّها تُعدّ أحد معالم دمشق التاريخيَّة، التي ما زالت شاهداً على التاريخ السوري، وعلى مَن حكم سوريا لعقود. إذ توجد في داخلها لوحة معلّقة تحوي أسماء مَن تعاقب على إدارة الخط منذ بداية القرن العشرين وحتى اليوم.