أدباء مع الصهيونية.. أو حكاية "الضمير الأوروبي المعذّب"

من سارتر ودي بوفوار وصولاً إلى امبيرتو إيكو وآخرين.. لماذا يدعم أدباء أوروبيون "إسرائيل" ويبررون استمرار المذابح بحق الفلسطينيين؟

  • أدباء مع الصهيونية.. أو حكاية
    أدباء مع الصهيونية.. أو حكاية "الضمير الأوروبي المعذّب"

عرفت المؤسَّسة الأدبية الأوروبية في القرن العشرين، ولا تزال، اعترافاً بــ "إسرائيل" وتحفّظاً إزاء القضية الفلسطينية من جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار إلى خورخي بورخيس وأمبرتو إيكو وآخرين.

هذا الاعتراف يراه الغرب وجهاً من وجوه الديمقراطية الأوروبية والتكفير عن التاريخ الدموي الأوروبي تجاه اليهود.

لكن هل يمكن لكي نتحرَّر من ذنبٍ تاريخي أن ندعم مذبحة مستمرّة بحق الفلسطينيين عُمرها أكثر من سبعين عاماً؟ هل يمكن أن نبني ماضياً وحاضراً ومُستقبلاً مأساوياً للشعب الفلسطيني بحجَّة تاريخنا الدموي تجاه اليهود؟

أليس على أهل الأدب أن يختلفوا مع أهل السياسة في رؤيتهم للشعوب المظلومة؟ ماذا عن أدبائنا العرب الآن؟

كيف ينظر الأديب العربي إلى أعلام الأدب والفلسفة الأوروبية وقد دعموا ودافعوا عن الصهيونية و"إسرائيل"؟ وأي دور للأدب في مناهضة التطبيع اليوم؟ 

طرحت الميادين الثقافية هذه الأسئلة على أدباء وكُتَّاب من عالمنا العربي وهذه كانت أجوبتهم.

 

محمد بنيس

  • أدباء مع الصهيونية

يرى الشاعر المغربي محمد بنيس أن مواقف سارتر وسيمون دو بوفوار وأعضاء نادي الصهيونية العالمية هي، بالأساس، تعبير عن الوَعي الشقي لنُخبةٍ من مُثقّفي اليسار الأوروبي، في السبعينيات من القرن الماضي. 

ويُضيف بنيس: "ذلك زمن كان يعرف مقاومة مُضادَّة لهذا الوعي الشقي، دولياً وعربياً. نحن اليوم في الزمن الإسرائيلي - الأميركي، حيث أصبح الشعب الفلسطيني وحيداً ومعزولاً في العديد من الدول العربية نفسها. هذا ما يعنيني أولاً. هو زمن التطبيع مع المُغْتَصِب الصهيوني، مع الاستعماري العُنصري. زمن قاسٍ على الشعب الفلسطيني مثلما هو قاسٍ على كل شخصٍ يؤمِن بالحرية والعدالة. ونحن مُعرَّضون لنمنع كلياً، في بلداننا، من أيّ نقد للعنصرية الصهيونية. كما أن هناك تسرّباً صهيونياً مُنسَّقاً، مع هذه الأنظمة، للقيام بمحو ذاكِرة المقاومة من أذهان الأجيال القادمة. وما أظلّ مُتشبّثاً به هو حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته واكتساب حقوقه المشروعة. ربما أصبح هذا كثيراً في زمن لم يعد لنا فيه مكان لنرفع، بالكتابة ثم الكتابة، إسم فلسطين عالياً، فيما الواقع يُصرّ على طاعة الأمر الصهيوني - الأميركي". 

أنطوان شلحت

  • أدباء مع الصهيونية

أما الكاتب الفلسطيني أنطوان شلحت فيُحلّل الغاية من وراء السعي إلى التطبيع قائلاً: "حتى ندرك مبلغ خطورة التطبيع مع "إسرائيل" لا بُدَّ من توضيح أن غايته القصوى إسرائيلياً هو انتزاع اعتراف بالصهيونية وممارساتها الآثِمة وتطبيعها، بمعنى تحويلها إلى طبيعية. ولا يجوز بهذا الشأن القفز عن وقائع التاريخ وحيثيّاته الشتيتة، فمنذ بدايات الحركة الصهيونية ولاحقاً إقامتها كياناً على أنقاض وطن الشعب الفلسطيني، ثمة سعي رئيس من جانبها للحصول على شرعية دولية تتغطّى بها وتجعل تجاهلها لوجود شعبنا في وطنه، وما استتبع ذلك من مجازر وجرائم التطهير العرقي، ضمن المسكوت عنه إنْ لم يكن شَرْعَنته. وقد وُجِّهت ولا تزال توجَّه جهود كبيرة في هذا الصَدَد نحو الدول العربية باعتبارها الظهير الأهمّ للفلسطينيين، بعد أن ضمنت الصهيونية دعماً وتحالفات مع دول عُظمى خارج المشرق العربي. بناءً على ذلك، ليس مُبالغة أن نخلص إلى أن التطبيع من دون أيّ مقابل يتعلّق بقضية فلسطين إنما ينطوي على اعترافٍ مبدئي بشرعية الصهيونية التاريخية وما ألحقته من كوارث بالشعب الفلسطيني، ويُمهِّد، في المدى البعيد، إلى إرساء أساسٍ شرعي لترحيل مَن تبقَّى من الفلسطينيين في وطنهم بذريعة أن وجودهم يتناقض مع جوهر "الدولة اليهوديّة" ويُمثّل تهديداً لنقاء هويّتها".

محمد علي شمس الدين

  • أدباء مع الصهيونية

من جهته، يعتبر الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين أن المُبرِّر للمؤسَّسة الأدبية الغربية لإعطاء فلسطين لـ "إسرائيل" للتكفيرعن التاريخ الدَموي الأوروبي تجاه اليهود، خاصة "الهولوكوست" هو قياس سفسطائي، لكن "الحقيقة التاريخية ليست سفسطائية، التاريخ تصنعه القوَّة الغالِبة والدول تُنشئها وتُزيلها موازين القوَّة. لقد سبق وأنشأ الصليبيون ممالك وإمارات عديدة من بينها مملكة القدس في قلب العالم العربي بسبب التغلّب وأُزيلت بالقوَّة. ولا أعتقد أن بعض المُفكّرين والروائيين الغربيين مثل سارتر وبورخيس وإيكو فاتتهم هذه المسألة. فما يرسم الحدود ويزيلها ليس الأخلاق بل موازين القوَّة. فلسطين ضاعت بسبب ضعف أهلها ومحيطها من العرب بعد سقوط الدولة العثمانية وانتصار الحلفاء في الحربين العالميتين والتخلّف التاريخي للعرب. وهي قلعة مُدجَّجة للقوى المُنْتَصِرة في قلب العالم العربي. إن انحياز المُثقّف أو المُفكِّر أو المُبْدِع لهذه الجهة أو تلك في الصراع اليوم هو محكّ فَهْمه لمعنى الصراع وأطرافه وأهدافه. هذه الأطراف مُتداخِلة ومُلْتَبِسة أحياناً لكنها لا تمنع الفكر الثاقِب من الرؤية الصحيحة وشجاعة الانحياز لها، نعم للفلسطيني الحق التاريخي في أرضه ولمَن يؤيِّده من قوى ودول ومن شعوب ومُفكِّرين في هذا الصراع مهما تشوَّشت الرؤية واختلفت الموازين والمصالح".

سماح إدريس

  • أدباء مع الصهيونية

الكاتب اللبناني والناشط في حركة مقاطعة "إسرائيل" سماح إدريس، يقول إنه "لطالما قرأنا أنّ على الأديب أو المُثقَّف أن يكون "ناقِد الدولة" (عنوان مقال لرئيف خوري في "الآداب" قبل عقود): "هذا تمنٍّ وطموح في رأي رئيف. فالمُثقّف شأن كل الناس الآخرين، مُنْقَسِم بين مُوالٍ ومعارِضٍ وانتهازيٍّ وهاربٍ ينشد السلامة، حين يتعلَّق الأمر بالشأن السياسي. أهل السياسة، يُقدِّمون الممكن على المرغوب، والتكتيكيَّ على الاستراتيجيّ، ويتَّهمون "المُثقَّف الجذريّ" بالطوباوية. على المُثقَّف أن يتمسَّك بالحُلم والمبدأ، بل أن يتمسَّك بـ"المُستحيل"؛ فالمُستحيل مُستحيلٌ فقط لأنّنا لا نعمل على تقريبه إلينا ليصير ممكناً، فنقبع أبد الدهر في حدود الطموح إلى "تخفيف" قيودنا بدلاً من نزعها تماماً". 

ويتابع إدريس: "في ما يخصّ الصراع مع العدوّ الإسرائيلي تحديداً، أرى أنّ من واجب المُثقَّف الحقيقي، صاحب الضمير، أن يقف ضدّ أيّ اختزال ينتهي بغير التحرير التامّ من الصهيونية و"إسرائيل". لقد جرَّبت معظم الأنظمة خيارات السلام والتفاوض، بل "التنسيق الأمني" مع الاحتلال، فماذا حصدت إلا المزيد من التغوّل الإسرائيلي والتهويد والتهجير والاستيطان؟ لقد تبيَّن، منذ اتفاقية كامب ديفيد، ألا سلامَ ممكناً مع "إسرائيل" التي قامت على إيديولوجيا الإبادة والنكبة وتمارسها منذ نشوئها. ومن واجب المُثقَّف الحقيقيّ أن يُحذِّر من أوهام "الواقعيّة"، وأن يتمسَّك بالميثاق الوطني الفلسطيني، وأن يقف ضدّ كل أشكال التطبيع، الذي "تطوّر" اليوم إلى خيانةٍ فاقِعةٍ وتحالفٍ فجّ مع العدو".

خليل صويلح

  • أدباء مع الصهيونية

بدوره، يرى الروائي السوري خليل صويلح أنه "لا يمكننا استبدال حبر غسان كنفاني وإميل حبيبي وإدوارد سعيد ومحمود درويش بماء المُستنقعات وملاريا بعض المُثقَّفين العرب، الذين يحلمون ببريقٍ مُسْتَعار يُرضي المنصَّات الغربية الطارئة لعبورهم نحو العالمية المزعومة، وكأن فاتورة العالمية والشهرة والترجمة لا تُخْتَم إلا على حساب الجسد الفلسطيني المُشْبَع بالطعنات. فلتذهب الأنظمة المُتهالِكة إلى التطبيع مع العدو الإسرائيلي كما تشاء، لكن فلسطين لن تنطفئ في الذاكِرة، من مذبحة كفر قاسم إلى اليوم. موجة التطبيع الأخيرة حصدت أسماءً من الشوارع الخلفية للثقافة، وتالياً، فإن هؤلاء تابعون أكثر منهم أصحاب مواقف أصلية، إنهم جزء من القمح الفاسِد في مطحنة الخراب، أو لنقل إن حديث التطبيع مُجرَّد خبر عابِر في نشرة أخبارٍ عابِرة، أو كما يقول محمود درويش"عابِرون في كلامٍ عابِر". حليب فلسطين لن يجفّ من أثداء الأمَّهات، مهما حاول المُتَأسْرِلون كتابة نشيد جديد للإنحطاط. لا ننكر بتسلّل بعض الأسماء إلى الأرض المُحتلّة والتقاط الصوَر التذكارية عند أسوار القدس، لكنهم انطفأوا. فاللغة العبرية المُنْقَرِضة لن تنعش نصَّاً مهزوماً في الأصل".

عبد الرحيم الخصار 

  • أدباء مع الصهيونية

أما الشاعر المغربي عبد الرحيم الخصار فيؤكِّد أن كل كاتب هو بالضرورة شاهِد على عصره: "ليست هذه يافطة إيديولوجية كبيرة كما قد يبدو للوهلة الأولى، لكن هذا ما أحسّ به حقيقة. مهما ادَّعى الكاتب الحديث من نفورٍ من التفكير الجماعي وهروبٍ من القضايا الكبيرة وجنوحٍ إلى ذاتيّته وتفاصيلها، فهو يكتب داخل الجماعة، لا خارجها. وبالتالي فهو معني بها وواقعٌ تحت تأثير هذا التفاعُل الحاصل بينه وبين ما ينتمي إليه. ليس المُثقَّف بالضرورة انعكاساً لصورته في مرآة الدولة التي ينتمي إليها، وليس بالضرورة ذاتها حاملاً لفأس سيكسر بها تلك المرآة. فالمُثقَّف ليس مع الدولة، وليس في الآن ذاته ضدَّها. إنني أجد نفسي مُنْسَجِماً مع الكثير من التصوّرات التي تبنّتها الدولة الحديثة في المغرب، وفي الآن ذاته واقفاً في صف المُمانعة إزاء قرارات أخرى، من بينها قرار تطبيع العلاقات مع إسرائيل. تمتلك الدولة كل القوى والسلطة لتدافع عن قراراتها. لكنني كفردٍ أعزل لا أمتلك سوى كلماتي. قد لا يكون لهذه الكلمات وَقْع، غير أنه لا يمكنني أن أكون شاهِدَ زور". 

خالد رداوي

  • أدباء مع الصهيونية

الشاعر التونسي خالد رداوي يصف فلسطين بأنها باتت "قضية أرملة" ويقول: "القضيّة الفلسطينية هي أمّ القضايا التي لم يجفّ جُرحها. العالم يخلع قِناعه الآن، وتخلَّى الجميع عن الأرض. الأغلبية انتزع عن وجوههم الحياء الذي سبغهم إلى حين، لكنهم في الأخير غسلوا وجوههم في بركة الطمع والخوف وتصفية الحسابات الضيِّقة؛ بقيت تلك الوجوه التي لا أثر لها في المرآة مُتَّسِخة في صمتٍ مُطْبَق للشعوب العربية التي ألهاها التكاثُر. الدائرة تضيق حتى أصبحت فلسطين هي الهامش، والمركز هو المواطن العربي الذي فَقَدَ كل شيء حتى إحساسه بالآخر، إلاّ نَزَر من المُثَّقفين. النفق مظلم، ولكن الأمل في الديمقراطية، وخاصة في التجربة التونسية، فرغم التحالف العربي والعالمي لإفشالها، ورغم ما يشوبها من أخوَنة الدولة فشل الجميع، ولم ينتصر الكيان الصهيوني ومن ورائه الربيع العبري بزعامة الإخوان والأميركان.لا أحد يُفكّر في الآخر، والقضية الأمّ أصبحت أرملة تفرَّق أبناؤها، فلسطين التي كانت دمعة على كل خدّ تحوَّلت إلى أجراسٍ لا تسمع إلاّ نفسها، والناس حولها نيام أو على آذانهم وقراً". 

إدريس الخضراوي

  • أدباء مع الصهيونية.. أو حكاية

وعلى خط الجرح نفسه يرى الكاتب المغربي إدريس الخضراوي أنه "بالرغم من اعتراف جزء من المؤسَّسات الثقافية الغربية بإسرائيل، وتحفّظها إزاء آلام شعب فلسطين، فإنّ القضية الفلسطينية أثبتت أنّها عصيّة على كل أشكال التحريف والمحو التي يُرادُ بها تدمير بنية الوجود الفلسطيني سواء أكان مصدرها جزء من المؤسَّسات الثقافية الغربية أو الكيان الصهيوني الذي لا يكفّ عن سرقة الأرض وتزوير الثقافة والتاريخ بهدف بناء شرعية مزعومة. القضية الفلسطينية هي قضية إنسانية، عادلة، محورية ليس فقط بالنسبة الى الشعوب العربية، وإنما أيضاً بالنسبة الى الشعوب المختلفة المسكونة بالحرية والقِيَم الإنسانية. وإذا كانت بعض الدول العربية قد هَرْوَلت إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، فإنّ المُثقَّف لا يمكن أن يكون إلا ضدّ التطبيع، بعيداً عن حاضنته. المُثقَّف رَِهانه القِيَم ما يجعله قادِراً على إحداث التغيير في المجتمع. من هنا، تقع عليه مهمّة بقاء الذاكِرة الفلسطينية مُتَّّّقِدة في الوعي، حيّة في مواجهة الموت. وأعتقد أنّ التطوّر الذي تعرفه القضية الفلسطينية اليوم في سياقٍ عربي يطبعه شرخ عمودي، ومُهَدّدٌ أكثر من ذي قبل بالبُعد الواحد وبغياب البدائل، يفرض على المُثقَّف العربي الإسهام في استنباط خطاب بديل يكون قادراً على أن يُلامِس مخاوف اللحظة، وبالتالي تعديل هذا المسار إلى الأفضل".

فاضل العزاوي

  • أدباء مع الصهيونية

في المقابل، يقول الشاعر العراقي فاضل العزاوي: "يؤسِفني أن أقول لك إنني لا أجد جدوى في الكتابة عن التطبيع الذي قامت به بعض الحكومات العربية مع "إسرائيل"، فالأمر لا يتعلَّق بالشعب الفلسطيني أساساً وإنما بالصراع السياسي الطائفي المُتخلَِّف اللاعقلاني الدائِر في المنطقة منذ عقود والذي أدَّى إلى دمارٍ لم تشهده بلداننا في كل تاريخها. أنظروا إلى ما جرى وما يجري في العراق (أكثر من 5 ملايين لاجئ في الخارج و8 ملايين في الداخل)، أما في سوريا فقد ترك ما يقرب من نصف الشعب البلد، فضلاً عن الدمار الذي حلّ باليمن (السعيد) جداً، وصولاً إلى المأساة التي حلَّت بلبنان الذي كنتُ أعتبره من أجمل بلدان العالم. لقد بلغت البلدان العربية والإسلامية قعر الحضيض منذ زمنٍ بسبب العقليات المُتخلِّفة والساذِجة في السلطة والمعارضة معاً. هذه هي المشكلة التي لا ينبغي للمُثقَّف العربي أن يكون طرفاً فيها. التطبيع أم غير التطبيع أمران لا أهمية لهما، فهما خاصّان بحكومات لم تستشر شعوبها أساساً، كما لم تفلح خلال أكثر من سبعين عاماً في أن تفعل شيئاً من أجل استعادة الحقوق الفلسطينية وإنهاء الاحتلال، فما الفَرْق بين الموقفين إذن؟ ولماذا ينبغي مؤاخَذة بعض البلدان الصغيرة التي ربما كانت تشعر بالتهديد، حقاً أو باطلاً، إذا كانت مصر الكبيرة قد سبقتها إلى مثل هذه الخطوة قبل أكثر من أربعين عاماً؟ هل كنا نتوقَّع من حكومة البحرين أمْ السودان مثلاً أن تقوم بتحرير فلسطين؟". 

ويضيف العزاوي: "لقد انتهى عصر الكلام الفارِغ القائم على البطولات المزعومة وارتداء الأقنعة. الثقافة هي آخر ما تبقَّى لنا في محيط تملؤه الخُرافات وعقليّات الدَجَل والشعوَذة والدكتاتوريات التي تحمل مختلف الأسماء والألقاب بدل إدراك روح الزمن الذي نعيش فيه بكل تجلّياته العلمية والفكرية وتأكيد حقّنا في الحرية والديمقراطية والإبداع. قبل أن نثير معارك دونكيشوتية لن تغيِّر من الأمر شيئاً، علينا إنقاذ شعوبنا من الحفرة التي انتهت إليها ونُعيد لها كرامتها وحقَّها في أن تعيش مثل بقيّة البشر، في دولٍ يشعر فيها الجميع بكونهم مواطنين إخوة من دون أيّ تفريق طائفي أو ديني أو سياسي أو جنسي". 

في 9 حزيران/يونيو من العام 2012 وجَّهت الروائية الأميركية أليس ووكر الفائَزة بجائزة بوليتزر رسالة إلى "دار نشر يديعوت" ترفض فيها نشر روايتها "اللون أرجواني" بالعبرية وتقول: "إسرائيل مُذْنِبة بارتكاب الفصل العنصري واضطهاد الشعب الفلسطيني، إن ما تقوم به إسرائيل أفظع من العنصرية التي نشأتُ عليها، أؤيِّد حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، وآمل أن يكون لحركة المُقاطعة تأثير كافٍ على المجتمع المدني الإسرائيلي لتغيير الوضع". 

وفي نيسان/أبريل من العام 2012 كتب غونتر غراس قصيدة نثرية بعنوان "ما ينبغي أن يُقال" قال فيها "إن إسرائيل من خلال تحضيراتها لضرب المُنشآت النووية الإيرانية تُمثِّل تهديداً للسلام العالمي، وأن أهوال النازية ليست ذريعة للصمت"، وكان جايمس بالدوين قد صرَّح مراراً بأن "القضية الفلسطينية هي قضية استعمارية ولا تقبل المساومة". 

قد تكون فلسطين بحاجةٍ إلى أصواتٍ تتكلَّم من هناك، حيث المناطق السردية غير المُهادنة مع الظلم، أصوات ترفع حكايا الفلسطينيين وأغصانهم من حيواتهم المُعْتِمة إلى سطح الماء، وإلى ضفاف أقل ألماً، وتُنبّهنا نحن كعربٍ إلى فلسطين التي تكاد أن تحمل قبرها وتمضي.