كُتِبَت سراً بدم الحَيْض.. هذه حكاية زهرة دوغان مع روايتها

فنانة كردية تكتب روايتها بحبوب البن ودم دورتها الشهرية لتسجيل حياتها في السجن.. فماذا كشفت عن تجربتها؟

  • كُتِبَت سراً بدم الحَيْض.. هذه حكاية زهرة دوغان مع روايتها
    كُتِبَت سراً بدم الحَيْض.. هذه حكاية زهرة دوغان مع روايتها

الصحافية والفنانة الكردية زهرة دوغان كتبت روايتها "السجن رقم 5" بحبوب البن ودم دورتها الشهرية لتسجيل يوميات حياتها في السجن، فضلاً عن إرث نضالات السجناء السياسيين في "كردستان التركية".

لم تتوافر لها أدوات الكتابة فاستنبطت طريقتها الخاصة مُستخدمة المناشف والملاءات لرسم المشاهد وتهريبها سرّاً داخل سِلال الغسيل.

تتذكّر زهرة دوغان: "قبل أن أدخل السجن، لم أتخيَّل أبداً أن هذه الجدران الصلبة والباردة والقوية يمكن أن تترنّح تحت فرشاة الرسم".

قصة دوغان تتقاطع فيها الحياة اليومية في سجنيّ ديار بكر وطرسوس حيث يحتلّ التضامن والمجتمع مكاناً خاصاً.

بالنسبة إلى الصحافية الشابة، التي حُكم عليها بالسجن لمدة عامين وتسعة أشهر بتهمة "الدعاية لصالح مؤسَّسة إرهابية"، فإن الأمر لا يتعلَّق بأخبار السجن اليوم بقدر ما يتعلَّق بفَهْم سجن الأمس.

لأن تاريخ هذا السجن ليس فقط تاريخ سوء المعاملة والتعذيب الذي تعرَّض له عشرات الآلاف من السجناء السياسيين - معظمهم من الكرد - إنه أيضاً تاريخ المقاومة التي تركت آثاراً، في الداخل والخارج، والتي يمكننا فيها التعرّف إلى النضال من أجل تحرّر الشعب الكردي.

  • زهرة دوغان
    زهرة دوغان

على الرغم من الحَظْر المادي والتدمير المنهجي لرسوماتها عند العثور عليها. ظلّت دوغان تؤسِّس لأعمالها الفنية فاستخدمت ما لديها، من حبوب البن إلى دم الحَيْض للرسم على المناشف، الملاءات، أو حتى على الملابس التي جلبتها لها والدتها.

زهرة سُجِنَت مرتين وأمضت ما يقرب من ثلاث سنوات، لأنها أنتجت ونشرت رسماً رقمياً لنصيبين، وهي مدينة دمّرتها القوات المسلّحة التركية تقريباً عندما استؤنف القتال في مدن كردستان التركية بين عامي 2015 و 2016، وبثّت على مواقع التواصُل الاجتماعي شهادة طفل يبلغ من العمر 10 سنوات على تجاوزات الجيش.

تقول زهرة دوغان إنها لطالما كانت تشعر بالفضول بشأن الحياة في السجن: "لم تسمح لي القراءات أو الأفلام التي شاهدتها مطلقاً بتخيّل ما يمكن أن يكون. لم أستطع تخيّل ذلك. أنا فنانة تشكيلية وأعتقد أنه في بعض الأحيان يمكن أن تكون الصورة أو الرسم أقوى وتسمح لنا بفَهْمِ الأشياء بشكل أفضل، مثل الحياة داخل السجن. كان سجني فرصة لشرح هذا الوجود من الداخل. ثم طلبت من صديقي ناز أوكي، الذي كنت أتراسل معه بانتظام، أن يكتب لي دائماً على الورقة نفسها وأن يترك الجزء الخلفي فارغاً حتى أتمكَّن من رسم لوحاتي. هكذا بدأت في الحديث عما كان يحدث، والحياة التي كنا نعيشها أنا وزملائي في العَزْل. لم أتوقَّع الشكل الذي ستتّخذه".

وتضيف: "بطريقةٍ ما، كان الإبداع هو ما سمح لنا بالهروب من الكتل الخرسانية التي كانت تحتجزنا"، تقول الفنانة التي أُطْلِقَ سراحها منذ فترة، وتردف: "يمكنني القول إن معظم أعمالنا جماعية. لقد كان نوعاً من الردّ على سجننا، وطريقتنا في الردّ، وتحرير أنفسنا".

تروي دوغان أن السجّانين كانوا يقومون بالمُداهمات لمصادرة أدوات السجناء وتدميرها لإحباط عزيمتهم وتركهم من دون وسيلة مقاومة، والهدف من كل هذه الممارسات غير القانونية هو أن نشعر بالعزلة، وعندما يرى السجَّان أنها لا تدمّرنا، وأننا نحافظ على الإيمان، فإنه يدمِّر إنتاجنا.

في روايتها تتحدَّث السجينة السابقة عن تنظيم العيش معاً في السجن. "أسلوب حياة يقوم على التضامن والتنظيم الذاتي في منطقتنا، كنا في الواقع نعيش بشكل جماعي. كانت لدينا القدرة على تنظيم أنفسنا، وهذا على الأرجح ما جعل السجناء يصمدون مهما حدث. نحن نحاول إعادة الحياة لأنفسنا، لنكون أفراداً كاملين. وفعلنا كل شيء معاً: تناول الطعام والنوم والقراءة والبكاء والضحك والمتعة.. يمنحنا ذلك القوّة ويجعلنا نشعر بالراحة. المشاركة الفعّالة في هذه الحياة المجتمعية هي أيضاً طريقة للنضال ضدّ سياسة العزلة والانفصال عن الحياة التي يفرضها نظام السجون".

تعتبر الفنانة الكردية الأعمال التي أنتجتها سياسية لأنها شهادة، ردّاً على العنف الذي عانت منه: "أعمالي سياسية لأن الأشياء التي رأيتها غيَّرتني. كان عليَّ أن أقاوم العنف الذي أصابني بطريقة أو بأخرى. أنا لا أنتج بقصد القيام بعمل سياسي أو لجَذْبِ الانتباه أو لزيادة الوعي بشيء ما. أفعل ذلك كشخص مرّ بكل هذه الأشياء، كضحيّة لهذه الحرب. لم أختر أيّ شيء. في الواقع أعمالي سياسية".

وحول تقييمها للظروف الحالية في "كردستان تركيا" تقول دوغان: "الوضع يسير من سيّىء إلى أسوأ ودخلت تركيا نفقاً لا يمكن رؤية نهايته. الخوف الحالي ليس جديداً. يمكننا حتى التحدّث عن الإرث الذي خلّفه بناء الجمهورية في بداية القرن العشرين. لكن رجب طيّب إردوغان يواصل ترسيخها. ينمو الخوف وينمو. والناس لا يتفاعلون - على الأقلّ ليس حتى يشعروا بالقلق الشخصي. هذا يترك مساحة أكبر للأفكار الفاشية، التي تنتشر بين السكان".

وتضيف:"إن نضالات الشعب الكردي والمعارضين السياسيين مستمرة ومُتجدِّدة. حتى لو لم يكن لديهم نفس القوّة كما في الماضي - خاصة بسبب سجن عشرات الآلاف من السياسيين والصحافيين، وما إلى ذلك - فإن هذه النضالات لها قيمة. وحتى لو كان القتال صعباً، ولسنا في موقع قوّة، فلا تزال المقاومة موجودة".

نقل النص إلى العربية: حسن عبد الله 

المصدر: tv5 monde