يا مطـراً يغسل الروح

دائماً ما تهطلين مطراً يغسل روحي بكل تلك الدعوات التي تحميني من سوادات الدّنيا، لأنجو من عقاب الرب وأنا مخطئٌ لأنك باكيةٌ غاضبةٌ من (أمين) الذّي كبر على عينيك زهرةً زهرة، وعرف معنى الْوطن خارج مألوف الأوطان الصغيرة عندما كان في الضياع والحيْرة.

أعلمٌ أنك تستيقظين مع انبلاج الصباح كما هيّ العادة، في عينيك انتظارٌ للضوء من عمق العتمة، على شفاهك ترسمين قبلةً تشتهي خدّي. يدان مرفوعتان إلى السماء، ترتب الأولى خطواتي بالحنين والأخرى تدثر جبيني بالحب.

كتبت لك قبل خمسة أعوام قصيدة ألهمني بها درويش وفنجان قهوته، وها أنا أكتب رغم تأخري نثراً أريد من خلاله التعبير عن كلّ شيْءٍ شغلك عن نفسك. البيت أنت، مساحةٌ واسعةٌ من وجع الحياة، انعكاسٌ لي.

وأنت تقرأين هذه الكلمات .. أعْلم أنك منشغلةٌ في تلك الزاوية من الدولاب، ترتبين القمصان، حاجاتي المبعثرة فوْق طاقتك، وحتى أحذيتي وأنت تنحنين لها بوجعٍ في عامودك الفقري من دون مقابل أو تنتظرين مني شيئاً ما .. هذا البعض ليس إلا لرؤية بسمةٍ على شفتيّ وقت حزني وأنت في قمة الآلام.

"كل شئٍ ينتهي بالاعتياد" مقولةٌ حاضرةٌ في رأسي، ولكن يا حبيبتي! لا يمكن تخيل الفراق عنك حين أهتم بحياتي، ولأني جربت وجربت ... وجدت صلتي أقوى لسماع ثغرك المتبسّم حناناً وطيبة، أقوى لذراعيك تطوقني كطفلةٍ بين يديّ - نعم هكذا أشعر أحياناً - أو مثْل صديقةٍ أرادت أن تأخذْني من عالمي المجهول لأكون كما تطيب نفسي في البوح بجميع أسراري منذ كنت طفلاً شقياً وحتى اللحظة هذه، وأنا أكتب بعض سري عن حبك ومع كلّ الأحاديث المخْتلفة عن أبسط التفاصيل اليومية، من خيط الإبرة في ماكينة الخياطة وقدمك اليمنى على الدواسة (الصوت المزعج!) نغماً موسيقياً جميلاً للكفاح.

دائماً ما تهطلين مطراً يغسل روحي بكل تلك الدعوات التي تحميني من سوادات الدّنيا، لأنجو من عقاب الرب وأنا مخطئٌ لأنك باكيةٌ غاضبةٌ من (أمين) الذّي كبر على عينيك زهرةً زهرة، وعرف معنى الْوطن خارج مألوف الأوطان الصغيرة عندما كان في الضياع والحيْرة.

لا أود إلا لو أمسح يديك على وجهي فأتوضأ، وأنت مستلقية على سريرٍ لا يليق بك، أحرس نومك المثقل بالتعب مع نهاية كل يوم، أطّل على أحلامك بي، وأنفاسك تعطر غرفة الجلوس، حتى أرى حلكة النهارات قد تلاشتْ عن عينيك المشبعتين بالقلق والخوف، فأكتب نص الولادة بصوتٍ مسموعٍ يٌقارب الهذيان حين ترتفع درجة الحرارة، أمي أمي .. أمي.

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]