كيف تصوّر البعض نهاية العالم؟
كلما ظهر مصدر جديد لخوف الإنسان يلي ذلك تصوّر جديد لنهاية العالم، وألوان جديدة من أدب ما بعد الكارثة، الخوف من سيطرة الروبوت على الإنسان، الخوف من الغزو الفضائي، وسيستمر الأمر كذلك حتى نهاية العالم الحقيقية، أو ما بعدها.
الإنسان يخاف من المجهول، والمستقبل هو أكبر مجهول في حياتنا، وبالطبع يميل المتشائمون إلى توقّع الأسوأ، ومن رحم هذا الخوف وُلِد أدب ما بعد الكارثة أو ما يُعرف باسم Post-Apocalypse. هو نوع فرعي من أدب الخيال العلمي، يتكلم عن المستقبل القريب أو البعيد، ويدور حول كارثة تؤدّي إلى دمار الحضارة. قد تكون هذه الكارثة بفعل الإنسان مثل الحرب النووية، أو لسبب ما خارج عن إرادة الإنسان كالأوبئة والتغيّرات الجوية. بعض الروايات تتناول الكارثة ذاتها، ومُكافحة البشر للنجاة في تلك البيئة القاسية، وبعضها يحكي عن محاولة الناس للتكيّف مع الحياة بعد الكارثة.
الحديث عن نهاية العالم بشكله المعروف ليس بجديد، بل هو قديم قدم الحضارة الإنسانية ذاتها. إذ لا تخلو ديانة أو ميثولوجيا من محاولة تخيّل نهاية العالم، مثل "معركة راجناروك" في الميثولوجيا الإسكندنافية، وأسطورة "الشموس الخمس" أو "نهاية دورة الزمان الخامسة" عند حضارة الأزتك.
أدب ما بعد الكارثة ظهر مع بدايات القرن التاسع عشر
لكن أدب ما بعد الكارثة بشكله الحديث لم يظهر إلا مع بدايات القرن التاسع عشر وخاصة مع رواية "الرجل الأخير" (1826) لماري شيلي، والتي تدور حول مجموعة من البشر يكافحون للبقاء في عالم يجتاحه الوباء، ورجل يُصارِع من أجل إبقاء عائلته آمنة، لكنه في نهاية الرواية يصبح الرجل الوحيد المُتبقّي على قيد الحياة.
تلت هذه الرواية أعمالاً أخرى مثل رواية "المحاورة بين إيروس وتشارميون" (1839) لإدجار ألان بو وهي محاورة بين روحين في الحياة الآخرة، تتحدّثان عن كيفية دمار الحياة على سطح الكوكب عن طريق اصطدام نيزك بالأرض أدّى إلى فقدان النيتروجين من الغلاف الجوي وفناء البشر.
هناك أمثلة أخرى كثيرة مثل "آلة الزمن" (1895) و"حرب العوالم" (1898) لـ إتش جي ويلز و"بعد لندن" (1885) لريتشارد جيفريس ورواية "الآلة تتوقّف" لـ إي. إم. فورستر (1910) وغيرهم.
لكن هذا النوع من الأدب لم ينل شهرته وشعبيته إلا في منتصف القرن العشرين، مع حلول الحربين العالميتين، ورؤية الإنسان لما قد تفعله القنابل النووية، فأصبحت نهاية العالم مُمكنة وليست ضرباً من الخيال. إذ تصدّرت فكرة الكارثة النووية هذا النوع من الأدب، وظهرت روايات مثل "الإنذار الأحمر" (1958) لبيتر جورج التي تتحدّث عن أول ساعتين من الحرب العالمية الثالثة، وحوّلها المُخرج ستانلي كوبريك إلى فيلم سينمائي. ثم رواية "على الشاطئ" (1957) لنيفيل شوت وتتحدّث عن اندلاع الحرب العالمية الثالثة النووية فتبدأ بحرب بين ألبانيا وإيطاليا ثم تتطوّر إلى صراع بين الناتو والاتحاد السوفياتي. هذه الرواية أصبحت فيلماً سينمائياً كذلك.
مصدر خوف جديد .... تصوّر جديد لنهاية العالم!
في وقتنا الحاضِر يُعدّ سيناريو "ما بعد النفط" هو الأشهر في أدب ما بعد الكارثة، والصراع على موارد الطاقة بين القوى العُظمى. لعلّ الأشهر في هذا اللون من سلسلة أفلام "ماد ماكس" مع الجزء الذي عُرِض سنة (1979) وتدور أحداثه في مستقبل استنزف فيه الوقود وما تبعه من نقص شديد في موارد الطاقة وانهيار لمنظومة القانون والقِيَم والأخلاق.
ففي رواية "عالم صنع باليد" لجيمس هوارد كونستلر (200) يتخيّل الكاتب الحياة في شمال ولاية نيويورك بعد نقص موارد النفط العالمية والدمار الشديد الذي تعرّض له الاقتصاد الأميركي إثر ذلك، ما يُجبِر الناس والمجتمع على التكيّف مع حياتهم اليومية خالية من النفط الرخيص.
وفي رواية "اللاعب رقم واحد" لدوغلاس كوبلاند (2010) نرى أربعة أشخاص يلجأون إلى حانة مطار في تورنتو بينما تجري في الخارج سلسلة من الأحداث الكارثية. أما قصة "النور الأخير" وتكملتها "ما بعد النور" بقلم أليكس سكارو، فتروي سقوط الحضارة البريطانية بعد حرب في الشرق الأوسط، تستزف أغلبية موارد الأرض من النفط.
وهكذا نرى أنه كلما ظهر مصدر جديد لخوف الإنسان يلي ذلك تصوّر جديد لنهاية العالم، وألوان جديدة من أدب ما بعد الكارثة، الخوف من سيطرة الروبوت على الإنسان، الخوف من الغزو الفضائي، وسيستمر الأمر كذلك حتى نهاية العالم الحقيقية، أو ما بعدها.
ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]