باقةُ أشواك

آه هي مشاعر لم تعُد تستحق، كنت أظنُها حديقةً ليلكية ملتصقة بجسدي، تغمرني بما أُناديها: حبيبتي ! يا هدّيتي مِن الله .. طريقاً يأخذني عن العزلةِ، الجدران الخمسة، النعش والبحر التعيس. لكن البيت انتهى وصاحبُه والقصة، والزوايا اختبأتْ في الزوايا، والصمتُ غاب بين السكون.

باقةُ أشواك - أمين سعدي

لم أُخبركِ في تشرين الأول عن حكايات المسافات التي بقيَتْ مكانها عندكِ شبحاً لأيام، وثمة خطوطُ بسمة في وجهي شاخت نحو الكآبة. ابتكرتُ أساليبَ جديدةً في نثر القصيدة لأنقُلَ لكِ صورة الغيوم الخانِّقة بحروفٍ غطّت بريق الحزن القديم في اللّيل المُهشّم.

وكتبت عن فراشةٍ بيضاء حطّت على كتفي ورحلتْ، عن السنونو الذّي بنى عُشاً في صدري ثم تركه ثقباً غائراً حالك السّواد، عن الفصول والمطر الدافئ والبِرَك الملوّنة في أحلام ذابِلة، وعن قوس قُزح وألوانِه السّبعة الآتية منَ العدم واللاإنتماء.

كلُّ ليلةٍ تتسلّق الذكريات المعلّقة في عنقي، هناك نحو رأسي حيث الأشواك، في كلمات لها احتمالاتٌ ومعانٍ لا تنتهي، ومنها نصٌّ أسود:

 

بعد الحُب

سرابٌ على الخشبة

حس أنثوّي يسبحُ في الخيالِ

حاجة عابِرة

الحكايا سَرد مِن التابوهات

والأحضان شعور

وقتي في الفراغ

وقت كاذب في صناعة الذاكرة

والثوب الأبيض  

باقة أشواك

وجع مِن نار

كفن للموت

يبقى .. برغمِ الأسى   

معي!

 

سفينة أفكاري غرِقتْ بين العابرين، بعد أن حقّقتُ في نفس الشهر مصادفةً أولى خطوات الحياة نحو قفص مِن اللازورد، نَمَتْ بداخله أزاهيرُ برغبة السعادة لتجتازَ السّكة الطويلة، وأحاديثٌ بين العيون تختزل الكون وما أبعد، وأردتُ أن أتكلم عن (فادي ويارا)، هما عصفوران سقطا عن غُصن حّب زائف، فأبعدُتكِ حرصاً على مشاعرِها الملتوية والمحاطةِ بشكوك أزلية.

آه هي مشاعر لم تعُد تستحق، كنت أظنُها حديقةً ليلكية ملتصقة بجسدي، تغمرني بما أُناديها: حبيبتي ! يا هدّيتي مِن الله .. طريقاً يأخذني عن العزلةِ، الجدران الخمسة، النعش والبحر التعيس. لكن البيت انتهى وصاحبُه والقصة،  والزوايا اختبأتْ في الزوايا، والصمتُ غاب بين السكون.

في النهاية لم أعرف مَن أنا برغم كلّ تلك السنوات الصاخبة خلفَ أسوار محطمة، وأسألُك عزيزتي (تيلا) .. ماذا فَعَلتْ بنا الحياة؟  ماذا صنعتُ أنا عندما دخلتُ إلى أركان الوهم والهامش؟ 

لا بأس .. ما زلتُ واقفاً بكلّ قوّتي الزرقاء، لأتجاوز كآبة بودلير، وكوابيس كافكا، لأجمع أشلاء جسدي المُدْمَى لأكتملَ في تمامي، بعد أنْ اغتسَلَتْ روحي بماءٍ مالح تشرّبتهُ شفتاي، لأدون سريَّ أمام الله، أرتّلُه قمراً في رسالة إلى الشّمس وبشكل مختلف، لأعيشَ مرةً أخرى، وأُخرى من دون وداع، وأنت عكّازي.

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]