ماضية للميادين نت: سوريا هي الوطن الأول والأخير

تشغل حالياً رئيسة القسم الثقافي في صحيفتي "الجماهير" و"الشهباء" في حلب، ورئيسة لمكتب الأمان المجتمعي الوطني في الأمانة العامة للثوابت الوطنية في سوريا. الأديبة السورية بيانكا ماضية حلّت ضيفةً على الصفحة الثقافية في الميادين نت، وهنا نصّ الحوار الذي أجراه معها أوس أبوعطا حول مستقبل الأدب في سوريا وكل ما يتصل بما أفرزته الحرب هناك.

بيانكا ماضية أديبة سورية من مواليد حلب. حازت جائزة سعاد الصباح للإبداع الفكري في مجال النقد للعام 1995، وجائزة فينكس في أدب العشق (القصة) من مصر عام 2010. من إصداراتها: سليمان الحلبي.. أول منتقم للعرب من العدوان الغربي الحديث، دمشق 2007، وهو في الذاكرة، رواية، حلب 2010، وتعمل حالياً على كتابة رواية (كأس نبيذ) عن الحرب في سوريا. 

تشغل حالياً رئيسة القسم الثقافي في صحيفتي الجماهير والشهباء في حلب، ورئيسة لمكتب الأمان المجتمعي الوطني في الأمانة العامة للثوابت الوطنية في سوريا.

حلّت الأديبة السورية ضيفةً على الصفحة الثقافية في الميادين نت، وهنا نصّ الحوار الذي أجراه معها أوس أبوعطا.

بدايةً .. هل نزوحك من حلب إلى اللاذقية أثّر في أعمالك الأدبية، وما هو الموقف الأشدّ وطأة عليك حينها؟ وما أبرز أعمالك الوليدة عن هذا النزوح؟

لم يكن نزوحاً متعمّداً. كان لأجل زيارة بيت أخي وقضاء رأس السنة معهم، وأغلق المطار أبوابه بعد يومين ولم نستطع العودة عن طريق البر بسبب وجود "الجيش الحر" على الطرقات وكان هذا في آخر عام 2012.

أما من ناحية تأثير هذا الانتقال إلى اللاذقية في شخصيّتي، فقد وجدتني أصبحت ذات شخصية أقوى، على الرغم من قوّة شخصيّتي، فقد تواجه أي امرئ في حال مكوثه في مدينة أخرى الكثير من الضغوط والمشكلات، لكني بإرادتي استطعت تجاوزها بالكثير من الصبر والتعقّل. كما أن وجود الأقارب والأصدقاء حولي وبمساعدتهم لي استطعت تجاوز المشكلات المتعدّدة التي تعرّضت لها.

أما بالنسبة لتأثير هذا الانتقال على أعمالي الأدبية، فكان تأثيراً إيجابياً لأني لم أترك حدَثاً من أحداث الحرب إلا وكتبت عنه، كتبت نصوصاً نثرية، وكذلك قصصاً، وتابعت قليلاً في الرواية التي كنت بدأتها في حلب منذ بدء الأحداث على سوريا وعنوانها (كأس نبيذ). وبلغ مجموع النصوص النثرية التي كتبتها تحت عنوانين (خارج النافذة) و(نافذة في حجرة انفرادية) ما يقارب الستين نصّاً لكلا المجموعتين، عدا عن القصص التي بلغ عددها تقريباً عشر قصص.

أما الموقف الأشدّ وطأة عليّ فهو حين كنت أمشي في شوارع تشبه شوارع في مدينتي حلب. أتذكّرها وتدمع عيني إذ لا أستطيع العودة إلى حلب.. أو حين تحصل الكوارث على أهالينا في حلب وتنقطع سبُل الاتصال والتواصل معهم.

"بعد عام 2011 تغيّر المشهد الأدبي كلياً"

سوريا ما قبل 2011 وما بعدها، كيف يمكن قراءة المشهد الأدبي؟ وهل أعطت الحرب الكاتب مزيداً من الحرية لم يكن ينعم بها من قبل أم خلقت حالة من الفوضى الأدبية متّسقة مع الفوضى المجتمعية وتنمّر السلاح؟

بعد عام 2011 تغيّر المشهد الأدبي كلياً. إذ عانى الأدباء والمُثقّفون من حالات التهجير، ومن قذائف المسلّحين ومن كل ما حصل في سوريا. أصبحت النصوص الأدبية كلها عن الحرب ومأساتها ونتائجها الكارثية على الإنسان. فقبل الحرب كانت القضايا التي تؤرق الكاتب تختصّ بمواضيع مختلفة كالحب والحرية والفساد الأخلاقي وغيرها من مواضيع. أما في الحرب فأصبحت كل المواضيع مباحة، ولم تبق هناك قضيّة لايمكن للكاتب أن يتناولها.

هذا عدا عن الشرخ العمودي الذي أصاب المشهد الأدبي إذ انقسم الكتّاب إلى مؤيّد ومُعارِض، ومنهم إلى خائِن للأدب بكليّته، فسقط القناع عن أولئك الكتّاب الخائِنين الذين لم يكن يهمهم الوطن بقدر ما كان يهمهم ذواتهم المريضة، ونفوسهم المُتعفّنة، لاذوا بالمستنقعات كي تفوح روائحهم النتنة بشكل أكبر.

أما الحرية فقد منحت لهم بالتأكيد في موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) وكذلك في المواقع الإلكترونية التي أتاحت مساحة كبيرة لهذه الحرية الفكرية والأدبية.

أما الفوضى فلا يوجد هناك فوضى أدبية باعتقادي؛ لأن الأدب لايكون إلا منظّماً لنفسه ضمن باقي الفنون الإبداعية، والنصّ الأدبي هو الذي يطرح نفسه ويطلّ بأناقته ليشير إلى ما يمتلكه من جماليات، وماعدا ذلك هراء تستطيع أن تقول عنه فوضى.

مَن يقرأ كتاباتك يلاحظ سيرك في ركب الروائية المصرية نوال السعداوي، فهل لازال المجتمع  الذكوري من أبرز التحديات التي تواجهها المرأة السورية؟ أم أن تداعيات الحرب أضافت أعباءً أكثر على المرأة لانخراط الرجال في القتال أو لسفرهم خارج البلاد وبالتالي قلّص من هيمنة الذكر على الأنثى؟

ربما أجد هنا مبالغة نوعاً ما في أني أسير في ركب نوال السعداوي. فأنا أسير في ركب ما تمليه عليه أفكاري الحرة، ونفسي المتحرّرة من القيود والتقاليد.

أخال أن المرأة السورية، وخاصة الكاتبة، لم تعد تقف أمامها عقبات المجتمع الذكوري، لأنها إن أقرّت بها تكون قد وضعت نفسها في سجن بَنَت جدرانه بيديها، وارتضت السكنى فيه.

أما بالنسبة لتداعيات الحرب فبالفعل أضافت أعباءً أكثر على المرأة لا لانخراط الرجال في القتال، وإنما لانخراطها هي معهم في القتال، ولكل امرأة سلاحها الخاص الذي استطاعت من خلاله محاربة تداعيات الحرب المأسوية. أما سلاحي فكان القلم ذا الصوت العالي الذي لا يقلّ عن صوت الرصاص.

وبالنسبة للمرأة السورية بشكل عام فقد تحمّلت هذه الأعباء وخاصة في غياب الرجل الذي ربما استشهد في الحرب، أو طلبت الطلاق لخلاف حول الموقف الأساس من الوطن، ووجدت نفسها في غمار الحرب الأمّ والأب معاً، وعليها تأمين مُتطلبات معيشة أبنائها.. وهذا ما شكّل ضغطاً لايُستهان به عليها.

من وجهة نظرك، هل يمكن للأديب أن يُصلح ما أفسدته الحرب؟ وما هي الوسائل المُتاحة له؟

هذه هي مهمة الأديب السوري الأساس، ألا وهي أن يُصلح ما أفسدته الحرب في وطنه، وما أفسدته كثيراً، بدءاً بالمنظومة الأخلاقية وليس انتهاء بالقِيَم والفضائل التي طاف نقيضها على السطح.

وهنا لا بد من أن يتنطّع الكاتب لهذه المهمة، وهي إعادة نثر بذور هذه القِيَم وسقايتها والتمثَل بها؛ لأنه النموذج المثال لأبناء الوطن، ووسيلته في هذا قلمه، وسلوكه وتصرّفاته.

"أفضّل الكاتبة والصحافيّة. فالكتابة متنوّعة الأجناس"

بما أنك برعت في الصحافة والقصة والرواية والشعر، أيها تفضلين؟ ولماذا؟

أفضّل الكاتبة والصحافيّة. فالكتابة متنوّعة الأجناس، وأشمل من أن تحصرني بممارسة نوع أدبي معيّن.

أما الصحافيّة فلأنها كانت حلمي مذ كنت صغيرة، وتعود بي الذاكرة الآن إلى أول موقف لي مع الجريدة، حين أرسلني أبي لشراء صحيفة (تشرين) من المكتبة القريبة من بيتنا، فعدت متأبّطة إياها وكأنني صحافيّة.

ومذاك الوقت وأنا أحلم بهذه المهنة التي وجدتني أغوص فيها مصادفة بعد تخرّجي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، إذ التقيت ببعض من أصدقائي المتخرّجين مثلي حديثاً وكانوا يكتبون المقالات والقصائد والقصص للصحف والمجلات سواء في داخل سوريا أو في خارجها، فنهجت الطريق نفسه الذي كان في حالة كمون في داخلي.

هلاّ تحدّثينا عن عملك كرئيسة لمكتب "الأمان المجتمعي الوطني" في سوريا، وما هي مهمات المكتب؟ 

فكرة "مكتب الأمان المجتمعي الوطني" حملتها معي منذ أن خرجت من حلب. إذ كنت أحمل في جعبتي لائحة لحملة شعبية في سوريا ولاحقاً في بعض البلدان العربية، حملة على الفكر التكفيري الإرهابي وعلى أهدافه من تخريب وقتل وتهجير وتدمير للحضارة والإنسان السوريين.

وعندما التقيت بالباحث الدكتور حسام الدين خلاصي وكان يحمل فكرة تأسيس الأمانة العامة للثوابت الوطنية في سوريا كمجتمع مدني وطني، في مدينة اللاذقية التقت أفكارنا معاً، وبات الهدف واحداً. فعملنا على تأسيس الأمانة منذ عام 2013 كهيئة مدنية وطنية مستقلّة.

وحين عودتي لحلب في 2018 وجدت أنه من الضروري أن أتابع عملي في هذا المضمار، فعملنا على تأسيس هذا المكتب التابع للأمانة العامة للثوابت الوطنية في سوريا، ليكون مركزه حلب، ومن ثم نُعمّم عمل المكتب على بقيّة فروع الأمانة في المحافظات السورية.

هذا التأسيس لاقى ترحيباً كبيراً من الناس هنا في حلب وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وكثير منهم رغب في أن ينضمّ لهذا المكتب؛ لأنه يرى فيه عملاً وطنياً مجتمعياً مهماً في هذه المرحلة.

أما عملي في المكتب فينصبّ حالياً على إنشاء هيئة تأسيسية مُنتقاة بعناية ومكوّنة من نخبة من المثقّفين والكتّاب والأكاديميين المُهتمين بالفكرة والذين تلتقي أفكارهم بالفكرة الأساس لهذا المكتب، علماً بأن الكثير ممن تواصلت معهم يعرف تماماً عملنا في الأمانة العامة، وكانوا متابعين لنشاطاتنا فيها.

وكذلك ينصبّ على البدء بخطة العمل التي رتّبت أفكارها بالتنسيق بيني وبين رئيس ومؤسّس الأمانة حسام الدين خلاصي، وكذلك مستشار الأمانة ريمون نسطة.

بدأنا أولى خطواتنا بهذا المكتب إذ شكّلنا الهيئة، وتم العمل على وضع خطّة للعمل.. ونشتغل حالياً على تنفيذ هذه الخطة بنداً بنداً، ومن هذه البنود كما أشرت نشْر الفكر الوطني الجامِع لكل أبناء سوريا بمختلف أطيافهم السياسية والاجتماعية، فما يهمّنا هو الوطن بكل فسيفسائه الجميلة والتي كانت عليه سوريا من قبل.

ولإعادة هذه اللحمة الوطنية السورية لا بد من بذل الجهود من خلال نشْر الفكر الجامِع لكل الأطراف، والتأكّد من أننا شركاء في اتخاذ القرار في ما يتعلّق بالأمان المجتمعي الذي فُقِد خلال سنوات الحرب، ونعتقد بأن الوطنية والمواطنة والانتماء هي أساسات إعادة بناء هذه اللحمة التي لم يفرط عقدها في سوريا، لأن الوطن هو الأول والأخير في عمل هذا المكتب، وفي ذهن كل أبناء سوريا.

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]