بين عمر بن الخطاب ومحمّد بن سلمان ... أويس؟

عندما تُتلى قصة أويس على بن سلمان يسخر من عمر رضيّ الله عنه .. "ما حاجة عمر لاستغفار أويس، والله ما أتفهني وأنا محمّد بن سلمان أطلب استغفار رجل من اليمن؟ لقد طمّع عمر الرُعاع بنا".

  • بين عمر بن الخطاب ومحمّد بن سلمان ... أويس؟
    بين عمر بن الخطاب ومحمّد بن سلمان ... أويس اليمني؟

ما بين فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مع أويس القرني وفعل ولي العهد السعودي محمّد بن سلمان مع أحفاد أويس في اليمن، مفارقة مريعة، والقصة معروفة وهي باختصار: أن عمر رضيَ الله عنه في زمن خلافته كان كلما وصل مَدَد من اليمن إلى المدينة (حيث كانوا يرفدون جبهة الفتوحات الإسلامية في الشمال) جاء إليهم وسألهم: أفيكم أويس القرني، حتى إذا وجده بعد سنوات من البحث قال له: سمعت رسول الله يقول:يأتي رجل من اليمن إسمه أويس بن عامر من مراد من قبيلة قرن كان بارّاً بأمّه، مَن استطاع أن يستغفر له فليفعل.

  • لم يعتمد عمر على رصيده العظيم مما قدّم في خدمة الإسلام ويركن إليه، يشعر دوماً بأنه بحاجة إلى رحمة ربّه وهذه عنده فرصة أن يصل إلى ما وصّى به رسول الله من استغفار أويس.
  • لم يشعر عمر بأنه أرفع شأناً من أويس وأن مقامه العالي يحول بينه وبين أن يتواضع لهذا الرجل القادم من اليمن.
  • حاجته لاستغفار رجل من عامة الناس اليمنيين لم تشعره بالحَرَج كونه من أشراف مكّة ورجال الإسلام العظماء.
  • الناس عنده يتفاضلون بالتقوى وإن أكرم الناس عنده أتقاهم ولو تمثّل ذلك برجل لا يعرفه أحد وقادم من أقصى جنوب الجزيرة "اليمن"، فهو أفضل بكثير من الناس الذين تقلّ تقواهم عن تقواه.
  • الناس عنده سواسية ولا يرفع أحداً إلا بما قدّم من عمل، فلا يرتفع عنده إبن الحجاز على إبن اليمن لأن الحجاز أعلى وأجلّ من اليمن، بلاد الله عنده سواء وما لا يقبله للحجاز لا يقبله لليمن فكلها بلاد الله مصونة بأمر الله، وهكذا نجد أن حرمة دماء المسلم من أي البلاد كان كحرمة البلد الحرام في الشهر الحرام.

وعلى هذه الأسس العظيمة أقام بها عمر دولته وبها حظيَ رجل من أهل اليمن من العدالة والتكريم ما لم يحظ به كثيرون بغضّ النظر من أية أصقاع الأرض هم.

هذا عمر رضي الله عنه وهذا فعله، أما بن سلمان اليوم فله هذه المزايا والأوصاف:

  • يشعر بأنه صاحب الأمر كله في بلاد الحجاز واليمن بل وأكثر من هذا له أن يُحيي ويُميت بالمعنى النمرودي: من أراد له الموت قتله ومن أراد له الحياة أبقاه حيّاً، وعلى هذا يدفع بمُدمّراته الجوية فتلقي بحممها البركانية ذات الصناعة الأميركية على رؤوس أهل اليمن فتقتل بالإرادة السلمانية من أرادت له الموت وتترك من أرادت له الحياة، لأن القنابل ذكيّة وقادرة على تنفيذ الأوامر السلطانية لوليّ عهد مَن يخدم الحرمين ويُدمّر مدن اليمنيين، ويقف أمام الحرمين يوم عرفة ليذكّر بحرمة دماء المسلم كحرمة هذا اليوم المحرّم في هذا البلد المحرم، ولا يذكر دماء اليمنيين المُعلّقة بالحرمين ومَن يدّعي خدمتها ليل نهار. هم أحفاد أويس القرني .. ألا تسال عنهم ليستغفروا لك بدل هذا القتل والتدمير سيّدنا خادم الحرمين؟
  • يشعر بن سلمان ( تماماً كعمر !) بأنه أرفع شأناً وأجلّ قدراً من ذاك اليمني المُنتسِب لذلك التابعي أويس القرني. مَن يكون هذا أويس إن صحّت المقارنة. مَن ذا الذي يُقارن بن سلمان بذاك اليمني إبن القرني؟ ليس لهذا إلا أن يأمر فيقتل ويدمّر وليس لذاك إلا أن يتلقّى بصدره العاري صواريخ وقنابل ولو كان ضاغط زنادها أميركي أو صهيوني. هذا لا يهمّ طالما أن المموّل والدافِع لثمنها سعودي ومن الأعراب الأقحاح ومن صناديد قريش الذين يصحّ لهم ما لا يصحّ لغيرهم ولو كان هذا تحالفاً مع الشيطان الأكبر والأصغر.
  • وعندما تُتلى قصة أويس على بن سلمان يسخر من عمر رضيّ الله عنه .. "ما حاجة عمر لاستغفار أويس، والله ما أتفهني وأنا محمّد بن سلمان أطلب استغفار رجل من اليمن؟ لقد طمّع عمر الرُعاع بنا بفعلته الشنيعة هذه، لو حافظ عمر على هيبة دولتنا وسيادتنا على الجزيرة لما رفع اليمنيون رؤوسهم هذه الأيام. عمر وبحثه الشاذّ عن أويس جعل لليمنيين شأناً هم ليسوا أهلاً له. زرع في نفوسهم شعوراً غريباً وبأنهم مثل بقيّة البشر. سامحك الله يا جدّي عمر: منذ قلت مقولتك المشهورة: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحراراً، وعوام الناس يتطاولون على أشرافهم وسادتهم. رميت حجراً في بئر ليأتي من بعدك مائة منا نحن الأشراف ليخرجوا هذا الحجر. هذا يا عمر لا يُقال للعامة. لقد أخطأت يا عمر بالنزول من مقامك العالي لتُخاطب ممسوخاً جاءك من أقصى اليمن. والأدهى والأمّر تظهر حاجتك لاستغفاره؟ لقد زوّدتها يا خليفة المسلمين .. سأريك كيف نحافظ على هيبتنا وكيف نسحق أحفاد أويس كي ينسوا درسك ولا يذكرون إلا دروسنا الخالدة".

وهكذا نجد الهوّة الشاسِعة بين ثقافتين. ثقافة تعلو فيها القِيَم الإنسانية التي جاء بها الإسلام وكل الديانات السماوية: الناس سواسية، لا فرق بين عجمي وعربي، سعودي ويمني، كل الناس من آدم وآدم من تراب، حرمة دماء الناس واحدة، بينما الثقافة الثانية تميّز على أساس مناطقي ومذهبي وديني. تميّز مَن يُوالي ويُحالِف أميركا في المنطقة وبين مَن يحاول أن يتحرّر وتكون له سيادة مستقلّة على بلده وشعبه. ثقافة تحكمها سياسة عميلة لا تُراعي إلا مصالح أعداء الأمّة ولا ترقب إلا أن يحظوا بحماية عروشهم وسيادة العائلة الحاكِمة على البلد بغضّ النظر عن أي ثمن يدفع سرّاً أوعلانية. كان آخر ما أعلن عنه 450 ملياراً وما خفيَ أعظم. أيُعقل أن يبذل كل شيء لسواد عيون ربيبة أميركا وأن تُسكَب كل مياه وجوههم لكسْبِ ودّها والوصول إلى رضاها؟ بينما مَن في اليمن تُسكَب عليهم كل نيران وحِمَمَ الموت؟                                                                                                                                                                                                                                                                            أويس القرني سلّم الراية لأحفاده متأمّلاً أن يُقابلهم أحفاد عمر ومَن استلموا الراية منه: راية العدل والحرية والبحث عن استغفار أويس. لكنهم وجدوا مَن يقابلهم ويصعقهم بظلمه وقهره قاضياً على كل أمل في العدل والحرية وباحِثاً عن استغفار (إسرائيل) بدل استغفار أويس.

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]