محردة تتحدى الموت ... شمس الحياة دائمة الإشراق

رغم ما تعرّضت له محردة من قصفٍ وهجماتٍ مُتكررةٍ استمرت فيها الحياة الثقافية في أصعب الظروف. كانت أمام المدينة ثقافة موت واجهتها بالعِلم وثقافة الحياة.

سبع سنوات عِجاف مرّت عليها. إنها محردة الواقعة شمال محافظة حماه، في وادٍ مُطلٍ على نهر العاصي. هناك تقبع الجميلة الصامِدة. محردة، أو مشرق الشمس، هي صاحبة العُمق التاريخي الذي تنطق به الآثار المنتشرة حول المدينة وداخلها. من قلعة شيزر الشامِخة فوق كتفٍ صخري، إلى المعبد اليوناني القديم الذي يُعرَف حالياً بإسم كنيسة السيّدة وصولاً إلى المباني الأثرية والمقابر البيزنطية.

لكن في أحد أيام صيف عام 2012 اجتاح سلام هذه المدينة تفجير انتحاري بسيارةٍ مُفخّخةٍ في الحيّ الغربي. فَقَدَ الأهالي خمسة من أبنائها وأصيب العديد بجروح. اختبرت محردة مع الوقت حصاراً كاملاً وجزئياً خلال سبع سنوات، إنهالت فيها القذائف حتى تشبّعت شوارع المدينة برائحة الدماء.

لكن، على الرغم من ذلك بقيّ العِلم سلاحاً بوجهِ النار والموت. فقد ظلّ المركز الثقافي في المدينة مشرِّعاً أبوابه للعِلم والفن ... والحياة.

هذا ما يؤكّده ماهر قاورما، مدير المركز الثقافي في محردة سابقاً، للصفحة الثقافية في الميادين نت حيث موضحاً الدور الذي لعبه المركز الثقافي في المدينة "في مواجهة الإرهاب بكل أشكاله"، قائلاً "صراعنا صراع ثقافي فكري لأن الفكر الذي تعيشه المجموعات التكفيرية هو فكر ظلامي، لذلك نواجهه بالنور والثقافة. وهذه الثقافة يجب أن تتعزّز لِما لها من قيمة كبيرة بمواجهة هذا الفكر".

إذ رغم ما تعرّضت له محردة من قصفٍ وهجماتٍ مُتكررةٍ "استمرت فيها الحياة الثقافية في أصعب الظروف، من اللقاءات والمُحاضرات"، وفق قاورما الذي يُضيف "كانت أمامنا ثقافة موت واجهناها بالعِلم وثقافة الحياة التي تُعطينا الحضارة".

فقد شهد المركز الثقافي في مدينة محردة نشاطات ثقافية مختلفة تهتمّ بالأطفال والشباب والحال الاجتماعية التي تعيشها سوريا، وأحياناً "عند وجود فعاليّة مُعيّنة كنا نرى القذائف تتساقط في محيط المركز وأحد الصواريخ دخل الصالة مُخلّفاً أضراراً مادية"، يتذكّر المدير السابق للمركز الثقافي.

 

من الأنشطة التي أقامها المركز في حمأة الحصار والقصف مسرحيات لفيروز ومسرحيات تتكلّم عن الأرض والوطن، بالإضافة إلى الأنشطة الكورالية للفِرَق الموجودة في محردة.

كان لفنّاني محردة الدور البارز في استمرار عجلَة الحياة الثقافية داخل المدينة، إذ أقيمت دورات لتعليم الأطفال الرسم التي استمرت رغم القذائف التي تعرّضوا لها خلال فترة التدريب. هذا ما تُفصح عنه التشكيلية مارو العبيد في حديثها للميادين نت إذ تقول "كنا نقيم دورات تعليمية للأطفال في الصيف وغالباً تحت صوت الصواريخ. هذا ما نعتبره تحدّياً وصموداً، فقد استمر الناس في الحضور بمحبّةٍ ومن دون خوفٍ ضمن فترة المُعاناة التي لن ننساها".

بقيت الحياة الثقافية حيّة في المدينة لكن بصعوبة. هكذا حاولت العبيد أن تدفع الأطفال إلى "رسم لوحات تتضمّن الجمال والألوان الموجودة في الدنيا، سواء المناظر الطبيعية أو برسم محردة القديمة لنُشعِر الأطفال والكبار بالأمل والجانب الإيجابي الموجود في حياتنا"، وكذلك فإن "أطفال محردة رسموا في الشوارع رغم الدمار ورغم القذائف وأبدعوا".

بالغناء والموسيقى ارتفعت الأصوات لينسى الحاضرون مايعانونه خارج جدران المركز الثقافي وليكون الإقبال كبيراً.

"الحرب قائمة في الخارج وضمن المسرحيات أو الحفلات الفنية التي نقوم بها يترافق تساقط القذائف في الخارج ورغم ذلك نستمر بالغناء وعزف الموسيقى"، بهذه الكلمات أكّدت نهى زروف كيف تواجه القذائف. وكذلك عازِف العود سعيد ناصر الذي يقول مُتذكّراً "واكبنا كل الأفراح والمهرجانات ضمن المركز الثقافي من سبع سنوات لم تتوقّف نهائياً والحضور دائماً موجود".

يبقى للأهالي كلمتهم أيضاً. "نشارك بكل الأنشطة لنُثبت لجميع الناس أنه بالرغم من كل الظروف الصعبة اللي عم تتحدانا رح نتابع حياتنا بكل معانيها ورح نتخطّى كل الصعاب. نحن سندافع عن أرضنا ووجودنا أيضاً"، تقول منى سموع.

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]