بنصابر للميادين نت: أريد أن أكتُب نصوصاً خالدة

عبد السميع بنصابر قاص وروائي مغربي لا يتجاوز عمره الثانية والثلاثين، لكنه شغل الوسط الأدبي بإبداعاته "المغايرة والمغامرة". بنصابر حل ضيفاً على الميادين الثقافية وهنا نص الحوار الذي أجراه معه ميلود لقاح.

عبد السميع بنصابر قاص وروائي مغربي، يكتبُ السيناريو والمسرح أيضاً. أصدر خمسة كتُب بين الرواية والقصة. وقد نالت تجربته متابعة من قبل القُراء والنقاد، كما تناولتها بعض الدراسات في رسائل وأطروحات جامعية، إضافة إلى نيله مجموعة من الجوائز الوطنية والعربية. لا يتجاوز عمره الثانية والثلاثين، لكنه شغل الوسط الأدبي بإبداعاته "المغايرة والمغامرة". بنصابر حل ضيفاً على الميادين الثقافية وهنا نص الحوار الذي أجراه معه ميلود لقاح.

أول ما يلفت الانتباه في تجربتك الشابة والثرية، كثرة الجوائز المغربية والعربية التي حصلت عليها، ولعلك أكثر مجايليك حصولاً عليها في القصة والرواية والمسرح والسيناريو، داخل المغرب وخارجه: (الكويت، لبنان، مصر، فلسطين، الأردن...). هل كان سعياً منك إلى إثبات اسمك عبر تلك الجوائز؟ وما الذي أضافته إليك؟

في الواقع، لست أكثر مُجايليّ حصولاً على الجوائز الأدبية. ثمة أسماء شابة أخرى من المغرب نالت جوائز عربيّة أيضاً. وأعتقد أن الجوائز الأدبية نافذة مهمة لترسيخ الاسم والتجربة في أقطار أخرى. كلّنا نعلم واقع الكتاب والنشر عموماً في بلادنا. إذ يجد المبدعون أنفسهم، سيما الشباب منهم، في مواجهة مجموعة من العراقيل التي قد تصيبهم بالإحباط في كثير من الأحيان. فمعظم دور النشر المغرية لا تتعامل بالجدية المطلوبة مع الأسماء الشابة. إنها مؤسسات تجارية في النهاية. لكن هذا ليس مبرراً. من حق الكاتب الشاب أن يحظى بفرصة يطلّ من خلالها على القراء أيضاً. وأمام هذا الوضع، لا يجد المبدع الشاب مناصاً من السعي إلى الترويج لنفسه من خلال المسابقات الأدبية العربية، حتى يجد لنفسه موطئ قدم في الساحة. هذا من دون إغفال الدور التحفيزي الذي تلعبه تلك الجوائز. أعتقد أن المبدع يحتاجها ترياقاً ينفض عنه بعضاً من اليأس الذي قد يصيبه في مراحل من تجربته.

نفدت الطبعة الأولى من روايتك الفائزة بجائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب "خلف السور بقليل" سنة 2013 من المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء في دورته العشرين، في وقت يشكو فيه المبدعون من الإقبال على الإبداع. ألأنّك صوت جديد وُسمت كتاباته بالمُغايرة، أم أن الجائزة هي السبب، أو أن هناك سببا آخر؟


نفادُ النُسخ من أحد أروقة معرض الكتاب ليس معياراً دقيقاً للحكم على مدى الإقبال على الكتب الإبداعية. صحيح أن رواية "خلف السور بقليل" نالت متابعة لا بأس بها من لدن النقاد والدّارسين والقُراء، لكن معضلة العزوف عن القراءة تبقى قائمة. أما عن سر الإقبال على رواية "خلف السور بقليل"، فأعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي كان لها الفضل في إتاحة فضاءات رحبة لتبادل النقاش والآراء حول موضوع الكتاب، الذي ربّما نال إعجابهم، ما دفع بقراء آخرين إلى اقتنائها.


من يخترق لغتك غير المباشرة والمكثفة، يكتشف نقداً لاذعاً للمجتمع الروتيني الخامل ورغبة كبيرة في تجاوزه. إلى أي حد ترى أن المبدع قادر على تغيير الواقع، في زمن انحسرت فيه قراءة الإبداع؟


أرى أن اللغة تدخل ضمن الاستراتيجيات المهمة التي يتبناها الكاتب في التعبير. واللغة إلى جانب عناصر فنية أخرى، تفرضها تيمة النص المكتوب. فالموضوع يبحث له عن الشكل الذي سيخرج به، بداية بالجنس الأدبي وانتهاء بتركيب الجملة. أما عن الواقع وما يمكن أن يغير فيه الإبداع، فتلك مسألة مُلقاة على عاتق التاريخ والتجربة. ينبغي أن تُقرأ الكُتب بمُختلف مواضيعها وتجنيساتها أولاً، علماً أن المبدع، كما صرّحتُ في حوار سابق، ليس مُطالباً بتدبيج وصفات خلاص مُعلّبة لتجاوز الأزمات والمشاكل. ربّما تلك مهمّة المُصلح والفقيه والعطار وكل من يرى في نفسه مُخَلِّصاً للبشرية. الإبداع يمنح القارئ متعة ولذة روحية ثمينة. كما أنه يذكي الحرقة والسؤال في أعماقه. فهو لا يحتاج الكتبَ ليعرف واقعه. طبعاً، هذه ليس هرولة من الواقع إلى البُرج، كما قد يُفهم من كلامي. فالكاتب ينطلق من واقعه المشترك مع الآخرين بكل تأكيد، لكنه لا ينقله كما هو، بل ينفعل ويتفاعل معه من رؤى وجدانية وفنية مختلفة.


يحضر الأسلوب الساخر بقوة في إبداعاتك. لماذا؟


لستُ أدري تحديداً، هل أتعمّدُ ذلك؟ ربّما بعض الظواهر الغريبة في مجتمعاتنا لا يحسن التعامل معها سوى بالسخرية. لكن، دعنا نقول إن النصوص التي كتبتُها بنفس ساخر تُعدُّ على رؤوس الأصابع إذا ما نظرنا إلى المنجز السردي بأكمله. أستطيع أن أقول إن رواية "خلف السور بقليل" ومجموعة "السكابندو" يمثلان بعضاً من تشكيلات "الأدب الساخر" إن شئت. لكن ثمة نصوص أخرى، في المقابل، يغلب عليها طابع القلق والشكّ والتساؤل.


على ذكر مجموعة "السكابندو"، يكمن أن نلمس في نصوصها حنيناً كبيراً إلى عوالم الطفولة، فيما انفردت مجموعة "الرقص مع الأموات" قبلها بالعوالم العجائبية. هل هو بحث متواصل منك عن شكل أمثل؟


أرى أن المبدع في بحث دائم عن الجدّة، في الموضوعات والأشكال، ولعلّ هذا ما يدفعه إلى تجديد رؤاه وأدواته الإبداعية باستمرار. إن كل إصدار يعبّر عن مرحلة ما. فقد كتبتُ –على سبيل المثال- مجموعتي الأولى "حب وبطاقة تعريف" قبل عشر سنوات، تأثراً بتيّار التجريب القصصي الذي عرفته الساحة القصصية المغربية آنذاك. لكنني ما لبثتُ أن ركنتُ إلى القصة التي أحار في تصنيفها الآن. وأعتقد أن هذه القصّة بدأت تشكّل ملامح بصمة خاصّة، أو هكذا هُيئ لي. فبعضُ القراء باتوا - حسب زعمهم - يميّزون كتاباتي من الأسلوب. وأعتقد أن هذا الأمر مهمّ ومثير.. لكن، أعتقد أن هذا لن يدوم طويلاً، حين تطلع على روايتي الجديدة "ذيل الثعبان" التي تصدر هذه الأيام.


هذه الرواية، صدرت في لبنان.. كيف تُقدّمها ولمّا يطّلع عليها القارئ؟


رواية "ذيل الثعبان"، كما ذكرت، مختلفة كثيراً عن الإصدارات التي سبقتها. أقصد الموضوع التاريخي الذي تطرّقت إليه، ثمّ اللغة التي نُسجت بها.. إنها بحث في التاريخ وفي الذّات، وأعتقد أنها تلخص سؤالاً واحداً: "أين تكمن الحقيقة؟". فلنترك القارئ مع أجوائها حين تتوفّر لديه، مع تمنيّاتي لها بالتوفيق.


ما هو طموحك الإبداعي؟

أن أكتُب نصوصاً تخلد في أذهان قرائها. نصوصاً تستحق أن تُقرأ!

 

ترحب الصفحة الثقافية في الميادين نت بمساهماتكم بنصوص وقصص قصيرة وشعر ونثر، وكذلك التحقيقات التي تتناول قضايا ثقافية. بإمكانكم مراسلتنا على: [email protected]