"ستالين الحيّ": شبيه ستالين الذي عاش ممثلاً طوال الوقت

قيل الكثير عن وجود بدلاء للقائد السوفياتي ستالين، إلا أن أحدهم ظهر إلى العلن مدّعياً ذلك وهو لا يزال حيّاً، فمن هو؟ وما قصته؟

تجرّأ الكاتب المسرحي فاروق صبري على معالجة موضوع شائك في مسرحية "الزعيم" (1993) السياسية الكوميدية التي أخرجها شريف عرفة، حيث أدّى الفنان  عادل إمام فيها دوري رئيس الجمهورية الديكتاتور والرجل البسيط زينهُم المنكوب بكونه نسخة طبق الأصل عن القائد المفدّى الخالد إلى الأبد.

أراد صبري أن تكون لعبة القدر في صالح زينهُم الآتي من قاع المجتمع، وقد شاءت تلك اللعبة أن يموت الرئيس، فبدل أن يُعدم هذا الرجل يختار أهل القصر أن يجعلوا منه رئيساً ألعوبة ليقودوا البلاد من خلاله.

بصرف النظر عمّا جرى على خشبة المسرح وكيف فكّك صبري عقد حبكته، فأهميّة الموضوع تكمن في صحته، وفي أن الزعماء يحتاجون في الغالب إلى بدلاء للظهور عنهم أمام الشاشات، أو من بعيد أمام الجماهير، ويُقال إن الحال كانت كذلك مع القائد السوفياتي يوسف فيساريونوفيتش جوغاشفيلي (1878 - 1953)، الملقّب بستالين (أي الفولاذي)، الذي حكم أكبر دولة في العالم نحو ثلاثة عقود، وحظي بأكثر من نصف أخبار العالم وفبركات الدعاية الموجّهة ضدّ السوفيات.

قيل الكثير عن وجود بدلاء ليوسف ستالين، إلا أن أحدهم ظهر إلى العلن مدّعياً ذلك وهو لا يزال حيّاً، فمن هو؟ وما قصّته مع ستالين؟ 

بدلاء ومصائر

  • القائد السوفياتي يوسف ستالين
    القائد السوفياتي يوسف ستالين

يُشاع أن المحاولة الناجحة لاغتيال الثوري الروسي البارز سيرغي ميرونوفيتش كوستريكوف (1886 - 1934) الملقّب بكيروف، هي ما دعت ستالين إلى البحث عن رجال يشبهونه ليكونوا بدلاء عنه حين يضطر إلى الظهور على الملأ.

كان كيروف صديقاً مقرّباً من ستالين، وقد تمكّن رجل مسلّح من إطلاق النار عليه في مكتبه في "معهد سمولني" وأرداه قتيلاً، على الرغم من أنه كان على رأس قيادة الحزب في العاصمة الثانية لينينغراد (سان بطرسبورغ حالياً).

حيكت حكايات كثيرة عن موت كيروف، إلا أن الحقيقة الوحيدة أن مصرعه أطلق حملة ضخمة ضدّ "أعداء الشعب" قادتها المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية (أن كي في دي – التي سترثها الكي جي بي لاحقاً) في جميع أنحاء البلاد. 

لو لم تُرفع السرّية عن بطاقة فيليكس دادايف سنة 1996، ربما لكان حمل أسراره معه حتى الممات، فالرجل صمت نصف قرن من الزمن مخفياً حقيقة عمله في الدولة السوفياتية بديلاً لستالين.

عمّا أسفر البحث عن بدلاء للزعيم الذي كان في منتصف عقده السادس؟ وكم كان عددهم؟ لا يمكن أن نعرف، لكن إسم المحاسب السوفياتي إيفسي لوبيتسكي وضع في التداول، فقيل إنه خضع لعمليتيّ تجميل قبل أن يعمل بديلاً للزعيم، وقيل إن القرار كان قد اتّخذ لتصفيته، شأنه شأن بدلاء آخرين، لكن القدر لعب لعبته فقد أعلن عن وفاة ستالين حين كان البديل قيد الاحتجاز، فنفي إلى مدينة دوشانبه (عاصمة طاجسيكستان) بعدما تعهّد بألا يغادر آسيا الوسطى طوال حياته.

إلا أن كل ما تناقلته الألسن لا يمكن التحقّق منه، أما الشخصية الوحيدة التي خرجت من أقبية أرشيف الاستخبارات فهي فيليكس دادايف شبيه ستالين وبديله كما زُعم، الذي كشف الستار عنه سنة 1996، ولا يزال حيّاً حتى اليوم (وفق مصدرين) فمن هو دادايف، وأين ومتى حلّ محل الزعيم؟  

غزوات دادايف

  • ستالين إلى اليسار فيليكس دادايف
    ستالين وإلى اليسار فيليكس دادايف

لو لم تُرفع السرّية عن بطاقة فيليكس دادايف سنة 1996، ربما لكان حمل أسراره معه حتى الممات، فالرجل صمت نصف قرن من الزمن مخفياً حقيقة عمله في الدولة السوفياتية بديلاً لستالين، ولم يتحدّث عن ذلك سوى عام 2008.. ولم يتحدّث كثيراً.

حمل إسم فيليكس تكريماً لصديق شهيد في "الحرب الوطنية العظمى" (1941-1945)، لكنه ولِدَ باسم غزوات دادايف سنة 1923 في جمهورية داغستان السوفياتية. هوى الرقص منذ طفولته، واشترك في فرقة ليزغينكا (رقصة شعبية قوقازية وسط آسيوية)، ثم كان في عداد الفرقة الوطنية للغناء والرقص في جمهورية أوكرانيا السوفياتية، ثم خدم في لواء الموسيقى.

 أشيع عام 1996 أن من ظهر في الأفلام الإخبارية لم يكن ستالين بل فيليكس دادايف متنكّراً بزيّ الزعيم السوفياتي، وقيل إنه من كان يقرأ التقارير ويشارك في التجمّعات والفعاليات الثقافية المختلفة.

ولما اندلعت الحرب قام بمهمّات استطلاعية وشارك في بعض المعارك، ووصل إلى برلين عام 1945 ضمن ألوية الجبهة البيلاروسية الثانية. بعد الحرب، عمل ممثلاً وراقصاً، ثم عمل مديراً لأحد المسارح. 

كانت هذه سيرته الرسمية إلا أن له سيرة أخرى أكثر تشويقاً. فقد أشيع عام 1996 أن من ظهر في الأفلام الإخبارية لم يكن ستالين بل فيليكس دادايف متنكّراً بزيّ الزعيم السوفياتي، وقيل إنه من كان يقرأ التقارير ويشارك في التجمّعات والفعاليات الثقافية المختلفة.

في هذه السيرة الثانية، بدأ دادايف عمله السرّي في العام 1942، عندما تلقّت عائلته خبر وفاته بعد إصابته على الجبهة.

كان يعتبر ميتاً، وقد لاحظت الاستخبارات شبهه بالزعيم وجنّدته وأعدّته لمهمة خاصة. كمنت المشكلة الرئيسة في أن شاباً في العشرين من عمره عليه أن يكون بديلاً لرجل في الستين. لذلك، عمل فريق خاص من المفوضية الشعبية للشؤون الداخلية على إعداده لعدّة أشهر، فتعلّم تقليد تعابير وجه ستالين، حركات يديه، مشيته، صوته... كما عمل فريق آخر على وضع مكياج متقن له، بالإضافة إلى أنه اضطر لزيادة وزنه 11 كيلوغراماً لمزيد من التشابه.

هل القصة صحيحة؟

  • دادايف يعرض إحدى صوره
    دادايف يعرض إحدى صوره

سيرة دادايف الثانية، مبنية على أن ستالين كان محاطاً بالمؤامرات ومحاولات الاغتيال، لذلك كانت الاستخبارات تخطّط مسبقاً لجميع رحلاته وزياراته الرسمية، وقد جرى الأمر وفق دادايف على النحو التالي: كان يخرج من الباب الرئيس إلى السيارة، فيما كان ستالين يخرج في الوقت نفسه من الباب الخلفي في اتجاه مختلف.

تحدّث دادايف عن الرحلات المشتّتة للانتباه، وحلّ محل ستالين في بعض الاجتماعات واللقاءات. يدّعي الممثل أنه هو الذي وقف على الضريح أثناء العرض في اليوم الرياضي واستقبل الرياضيين، وأنه في وقت لاحق ظهر في أفلام إخبارية بدلاً من ستالين، وقرأ بعض التقارير، وحتى تحدّث مع وفود مختلفة.

يرى الباحث في "معهد التاريخ الروسي" يوري جوكوف أن قصة البدلاء "هراء في هراء"، لأنه لم يكن لدى ستالين بدلاء. فالأخير لم يكن بحاجة إليهم أصلاً، ويعتقد أن مفهوم البديل ظهر في السنوات الأخيرة.  

هذا مجمل ما ادّعاه دادايف، ولم يدعمه بتواريخ محدّدة وكان يردّ على الأسئلة بعبارة "هذا لا يمكن التصريح عنه" أو "هذا لا يقال"، فباتت الأسئلة أكثر من الأجوبة في قضيّته، ومزاعمه لا توحي بالثقة بالنسبة إلى علماء التاريخ.

ففي المقابل، يرى الباحث الأول في علوم التاريخ في "معهد التاريخ الروسي" لدى "الأكاديمية الروسية للعلوم" يوري جوكوف، أن كل هذا "هراء في هراء. لم يكن لدى ستالين بدلاء لأنه لم يكن بحاجة إليهم أصلاً. لماذا؟ لأنه في أحسن الأحوال كان يظهر مرة واحدة في السنة ولبضع دقائق. فما حاجته إلى بديل؟". ويعتقد أن مفهوم البديل ظهر في السنوات الأخيرة. (موقع "كولتورولوغيا") 

بغضّ النظر عمّا ادّعاه دادايف، وعن آراء الذين صدّقوه أو عارضوه، فهو شخص مثير للاهتمام وممثل بارع، سواء أكان فعلاً قد ناب عن ستالين في الفترة الممتدة بين تجنيده وموت الزعيم السوفياتي الشهير ومثّل ببراعة حينذاك، أو أنه يمثّل الآن منذ كشف النقاب عنه، عبر سرده حكاية غريبة وهو يشارف على المئة من عُمره.