عصية على الغزاة.. صور: تاريخ متجذر

يعود تأسيسها إلى بدايات الألف الثالث ق.م، وعرفت الكثير من الحضارات.. إليكم بعض من تاريخ مدينة صور اللبنانية.

  •  آثار من الداخل
    آثار من الداخل
  • أحياء سكنية
    أحياء سكنية
  • أحياء سكنية
    أحياء سكنية

تحتلّ مدينة صور في دولة لبنان الحديثة موقعاً هامشياً، لكن الناظر إلى تاريخها، والباحث في تراثها وتاريخها القديم، والآثار المتحدرة منه، يقرأ عكس ذلك بالتمام. وإذا كان مغامراً، ومتعجلاً في أحكامه، فإنه يقرأ أنها كانت أولى عواصم العالم القديم، وأهم مدن الإمبراطورية الفينيقية التي تحدثت الأبحاث التاريخية عن العثور على سفينة لها في جنوب القارة الأميركية.

كانت صور، وشقيقاتها صيدا وجبيل وأوغاريت وأرواد وسواها، مدناً مزدهرة على شاطئ البحر المتوسط الشرقي. جمعت تاريخ المدن والممالك المدينية المستقلة، لكنها متكاملة على المستويات الاقتصادية والتجارية والاجتماعية والثقافية، ولم يُسجل التاريخ لها عدواناً على آخرين، ولم تتشكل فيها جيوش جرارة قوية، فقد كانت مكتفية بذاتها، ومتوسعة في علاقاتها مع شعوب العالم المقتصر قديماً على حوض البحر المتوسط.

لكن تاريخ هذه المدن يتوقف عند صور المتميزة في محطات كبيرة من تاريخها، كأنها كانت عاصمة شاطئ المتوسط الشرقي، فهي المصدّرة للأبجدية عبر أسطورة قدموس وأوروب، وواهبة اسم ابنتها للقارة الباردة شمال المتوسط، وهي المؤسسة لقرطاجة 815 ق.م- المدينة التي أدت دوراً مهماً في تاريخ غرب المتوسط، وربطه بشرقه، وربما الخروج منه عبر مضيق جبل طارق نحو الأطلسي.

في صور، وشقيقتها صيدا، اخترع الصوريون الأرجوان من أصداف البحر، وراجت صناعة الزجاج الشفاف، ومنها خرجت السفن الضخمة محملة بالمنتوجات الحرفية والزراعية نحو موانئ المتوسط. ويوم بدأت تظهر دول أخرى، كان محطّ أنظارها شرق المتوسط وما فيه من تطور وازدهار، فغزاها البابليون من الشرق، وبعدهم اليونان من الغرب. وعندما كانت تذعن المدن للغزاة، عصت صور بداية لسنوات على نبوخذ نصر البابلي، ولم يتمكن من دخولها.

وبعد انكفائه، حاصرها الاسكندر المقدوني وأسقط جزءها البري، فاحتمى الصوريون بجزئها البحري، وقاوموا ببسالة، وألحقوا أضراراً بالجيش اليوناني، ما أثار غضب الإسكندر الّذي أمر بهدم صور البرية، ووصلها بصور البحرية بردم البحر من ركامها.

تاريخ عريق ومتشعب، يفتح الباب على تساؤلات كثيرة عن ماهية تلك الحقبة، وما تكتنزه من وقائع ليست بالوضوح المفترض، لكنه يذكر اليوم بقدرة شعوب هذه المنطقة على الصمود والمقاومة والتطور.

  • الشارع الروماني
    الشارع الروماني
  • صور العصية على الغزاة.. إرث مقاومة متجذر
     المرمدة

يعود تأسيس صور إلى بدايات الألف الثالث ق. م. وفي حوالى القرن العاشر ق.م، قام ملكها حيرام بإنجاز عدد من المشاريع العمرانية، ثم خضعت للإسكندر المقدوني بعد حصار بدأ 332 ق. م، وبعده بنحو 3 قرون للسيطرة الرومانية. 

وعرفت صور الديانة المسيحية في وقت مبكر. وفي العصر البيزنطي، عرفت فترة من الازدهار. وفي العام  634م، دخلتها الجيوش العربية الإسلامية، وتابعت مسيرة ازدهارها، في ظل الخلفاء الأمويين والعباسيين. 

وكان من شأن أسوار صور المنيعة أن تؤخّر سقوطها في أيدي الصليبيين الذين لم يتمكنوا من احتلالها إلا في العام 1124، وظلت المدينة تحت السيطرة الصليبية حتى العام 1291، حين استولى عليها المماليك.

في بدايات القرن السادس عشر، انضوت صور في إطار الدولة العثمانيّة، وبقيت على هذه الحال إلى أن أصبحت جزءاً من دولة لبنان الكبير التي أسّسها الفرنسيون أعقاب الحرب العالمية الأولى. 

ونظراً إلى أهمية الآثار المكتشفة في صور، جراء تنقيبات رعتها مديرية الآثار اللبنانية، فقد ظهرت آثار مثل قناة المياه المعلقة، وقوس النصر، وميدان سباق عربات الخيل، الذي يعتبر من أكبر ميادين العالم الروماني، فأدرجتها منظمة "الأونيسكو" في لائحة مواقع التراث العالمي في العام 1984.

ومن أبرز معالم صور  الأثرية:

"السرط الكبير": هو شارع محاط بأعمدة من الرخام الأخضر ذات تيجان كورنثية، إضافة إلى أروقة مرصوفة بالفسيفساء. يمتد إلى أكثر من 170 متراً، بعرض 11 متراً. وقد رصف بالفسيفساء في القرن الرابع ب.م.، وأعيد رصفه بالرخام في فترة تاريخية لاحقة.

  •  مدافن المدينة
    مدافن المدينة
  •  قوس النصر
     قوس النصر
  • قوس دعم لركائز الحمامات
    قوس دعم لركائز الحمامات
  •  نواويس حجر
     نواويس حجر

"حوز الزجاج": اكتشفت فيه بقايا لأفران مخصصة لتذويب الزجاج تعود إلى الفترة الإسلامية، وبقايا كتل زجاجية ضخمة. 

"السوق القديم": بني خلال الفترة الرومانية، ودمر كلياً في الفترة البيزنطية. مربع ضلعه 30 متراً محاط برواق معومد، وأنشئت في الفترة البيزنطية مكانه خزانات مياه كبيرة، يعتقد أنها استعملت في صناعة الأرجوان.

"الشارع الروماني": يعتبر هذا الشارع واحداً من أهم شوارع المدينة في الفترة الرومانية، وكانت تحيط به المحال التجارية الصغيرة والممتدة تحت السرط الكبير.

وتظهر في الموقع الحمامات والأحياء السكنية ذات الأرضيات المرصوفة بالفسيفساء والرخام. أما طرقها الداخلية، فكانت ضيقة ومتعرجة، بالإضافة إلى كاتدرائية كبيرة تعود إلى القرن الثاني عشر، فيها أعمدة من الغرانيت الأحمر، وأحجار أثرية، وحلبة المصارعة، وبناء مثمن لبركة تحيط بها الفسيفساء. 

وفي موقع صور البص الكثير من الآثار التاريخية المعبرة عن ثراء المدينة القديمة وعظمتها.

*ملاحظة: الصور بعدسة الشاعر ميلاد نقولا.