بقايا مدينة لبنانية تطرح مفاهيم تاريخية جديدة

تعود المكتشفات إلى أكثر من 6000 عام، وبتصوّر أكثر تحديداً، تشير تقديرات فريق التنقيب إلى أن عمرها يتراوح بين 4000  سنة قبل الميلاد، والـ 1800 سنة قبل الميلاد، وتعود هذه الفترة الزمنية للعصر البرونزي المُبَكّر. 

  • بقايا مدينة ساحلية تطرح مفاهيم تاريخية جديدة
    لم ينل الموقع المكتشف صيتاً ذائعاً نظراً لبطء العمل فيه المستند على مبادرة شبه فردية

عائداً من بيروت نحو الشمال على الطريق العام القديم، وفي بلدة كفرعبيدا، زهاء 5 كيلومترات قبل مدينة البترون الساحلية، يقوم تل لا يزيد ارتفاعه عن 10 أمتار، كشفت أعمال جرف عشوائية، وعناصر الطبيعة بعضاً من حجارته المتمازجة بالتراب بطريقة تظهر إنه تل زراعي عادي.

لكنّ المهتمين بالآثار، لمسوا أن لحجارته اصطفاف غير عادي، وغير مألوف.

يقع التل فوق الطريق العام مباشرة، ويمكن القول إن شقّ الطريق منذ عقود بعيدة كان السبب في كشف حجارته بين ألأتربة، ثم جاءت عناصر الطبيعة لتزيد الانكشاف، ولولا تمازج التراب بالحجارة لكشفت الطبيعة أجزاء أكبر وأوسع فيه. 

تنقيب عفوي

أما مكتشفاته التي بدأ التنقيب فيها بمبادرة من هواة وطلاب جامعات، فقد بدأت منذ نحو ١٧ سنة، وبعد مرور سنوات، أظهرت التنقيبات وجود آثار مدينة لعبت دورا هاما في عصرها الذي يعود لآلاف السنين. 

لم ينل الموقع المكتشف صيتاً ذائعاً نظراً لبطء العمل فيه المستند على مبادرة شبه فردية، قامت بها مجموعة من الطلاب وأساتذة الآثار في الجامعة الأميركية في بيروت بمتابعة الحفريات والكشف على الموقع، وما لبثت المجموعة أن اتسعت وشارك فيها خبراء آثار من جنسيات مختلفة. 

  • بقايا مدينة ساحلية تطرح مفاهيم تاريخية جديدة
    بقايا مدينة ساحلية تطرح مفاهيم تاريخية جديدة
  • بقايا مدينة ساحلية تطرح مفاهيم تاريخية جديدة
    بقايا مدينة ساحلية تطرح مفاهيم تاريخية جديدة

تظهر على التل آثار التنقيبات وهي كناية عن بقايا أبنية، وتقطيعات لها، وأساساتها، وتنتشر  على أكثر من موقع على التل الصغير المطل على البحر، ويعلو الطريق العام، ولا يبتعد عن البحر أكثر من بضع عشرات من الأمتار.

"حجر الدبش" 

المكشوف مما جرى التنقيب عنه يتكون من جدران سميكة، من الحجر المشقوف، غير المقصوب، وهو أقرب إلى ما يعرف لدى العامة بـ"حجر الدبش" الذي بنيت البيوت القديمة من حجارة على شاكلته، وهي حجارة جلها صغير الحجم، ما عدا في الزوايا حيث يكبر الحجر بعض الشيء ليناهز النصف متر.

لم يكتشف من الموقع إلّا نسبة قليلة من مكوناته المفترضة بحسب مصادر في الفريق الذي عمل في التنقيبات، وتجري الأعمال ببطء شديد لأكثر من سبب، فالتنقيب دقيق، ويحتاج إلى مرونة، وصبر حفاظاً على المكتشفات، ومنعاً لإلحاق الأذية بها.

الظروف المواكبة للتنقيب تفرض تأخراً في إنجاز الكشف، وسيحتاج العمل لسنوات طويلة، لكن البداية ركّزت على تنقيب نموذجي صغير معمّق، من أجل فهم الموقع، وما تؤشر إليه مكوناته، والموجودات التي عثر عليها فيه، من عظام وبقايا فخاريات وعناصر متعددة أخرى.

تركز التنقيب على موقعين يبتعدان زهاء الـ 100 متر عن بعض، واحد مطل على الطريق العام والبحر، والثاني أكثر بعداً في المنقلب الشرقي للتل.

  • بقايا مدينة ساحلية تطرح مفاهيم تاريخية جديدة
    بقايا مدينة ساحلية تطرح مفاهيم تاريخية جديدة
  • بقايا مدينة ساحلية تطرح مفاهيم تاريخية جديدة
    بقايا مدينة ساحلية تطرح مفاهيم تاريخية جديدة

غرف مكشوفة

 وبين الموقعين تنتشر آثار ظاهرة للعيان من دون تنقيب، وثمّة قسم مكشوف من التل بفعل العوامل الطبيعية، يطل أيضا على الطريق، ويؤشر تكوينه إلى وجود ما يشبه الباب، لكن التنقيب لم يطل هذه النقطة.

بحسب مصادر الفريق، تعود المكتشفات إلى أكثر من 6000 عام، وبتصوّر أكثر تحديداً، تشير تقديرات الفريق إلى أن عمرها يتراوح بين 4000  سنة قبل الميلاد، والـ 1800 سنة قبل الميلاد، وتعود هذه الفترة الزمنية للعصر البرونزي المُبَكّر. 

المكتشفات للجهة الشرقية تشير إلى غرف مكشوفة،  عثر على نوع من الصلصال الأبيض في أرضيتها، وعثر فيها على بقايا عظام، وفخاريات. وفي جزء منها مايشبه الغرفة، يعتقد من غير جزم، أنها كانت مخصصة بطريقة ما للأسماك، حيث عثر فيه على كميات من بقايا أصناف سمك متنوعة، ويستبعد وجود آثار أكثر عمقاً في الأرض لأن الجدران المكتشفة ينتهي أسفلها عند أرضية الموقع.

كثيرة هي الأشياء التي عثر عليها في المكان في السنوات الماضية، وكثير منها قيد البحث والتدقيق لمعرفة معانيها، وما تشير إليه من أبعاد ودور.

ترجّح مصادر الفريق أن تكون الآثار تابعة لمدينة مبنية بين 4000  سنة تقريباً ق. م. و 1800 ق.م. وهذه المدة المحددة تجعل الموقع سهل الاكتشاف، وهو يعود للعصر البرونزي المبكر الذي امتد من 2000 و 3000 سنة ق.م.

وهذه فترة غاية في الأهمية ففيه بدأت مدن المنطقة تنشأ في هذا القسم من العالم، وبدأت فيه التجارة العالمية بالنمو، وكذلك تأسست فيها أهم المرافىء التجارية، وأبرزها مرفأ جبيل، ونقلت منها البضائع إلى مصر واليونان، وسواها، وجاء المصريون إلى جبيل ليأخذوا شجر الأرز، وزيت الزيتون، والخمور". 

وتربط مصادر الفريق بين موقع المدينة، ومدينة جبيل التي لا تبعد عنه أكثر من 10 كيلومترات، وتتساءل المصادر عن جبيل كمدينة واحدة، لكنها كانت تزود مجتمعات كبيرة كمصر وسواها بالحاجيات، مما يعني أن جبيل كان عندها شركاء اقتصاديين. 

أهمية التنقيب

وهنا تأتي أهمية هذا الموقع الصغير القائم على مساحة لا تزيد على الهكتار ونصف، وهو يحتوي على عشرات الأبنية والمنشآت العامة، والأبنية الإدارية، لذلك يُعتقد أن الموقع هو مركز الحاكم أو المحافظ الذي عيّنته جبيل، والمحتمل أن يكون دوره تجميع المحاصيل الزراعية، خصوصاً زيت الزيتون والخمور التي كان من السهل تسويقها.

  • بقايا مدينة ساحلية تطرح مفاهيم تاريخية جديدة
    بقايا مدينة ساحلية تطرح مفاهيم تاريخية جديدة

أهمية التنقيب تساعد على فهم الوظيفة الاقتصادية والسياسية للموقع، بحسب مصادر الفريق، ويساعد في فهم دوره ما عُثِر فيه على مستودعات، وأبنية كبيرة، وهي أبنية أكبر بكثير من الأبنية التي تحتاجها بيئة محلية ضيقة، ما يدفع على الاعتقاد أن الموقع خُصِّص لتجميع المنتوج من المحيط من أجل نقله إلى جبيل، مضيفةً أن هناك الكثير من الأقسام لم تكتشف بعد.

معوّقات كثيرة، أبرزها التمويل، وصغر فريق العمل، فرض أن يكون التنقيب متقطّعاً، أضافت ظروف السنوات القليلة الماضية عليه وقف العمل.

التنقيبات جرت على مرحلة من الموقع ليس لها أية مراجع، ولذلك لا يزال من الصعب تحديد اسم الموقع، وسيستغرق ذلك وقتاً طويلاً لمعرفته.