رأس الشقعة: إطلالة فريدة على العالم الفسيح

رأس الشقعة في لبنان يما يحتوي من ثغور، وأماكن تَغَوُّر، وإطلالة رائعة، ومراكز دينيّة يقدّم نموذجا طبيعيا، وسياحياً فريداً، وربما وحيداً في العالم.

  • رأس الشقعة: إطلالة على العالم الفسيح وموقع ديني
    رأس الشقعة: إطلالة على العالم الفسيح وموقع ديني

يشكّل رأس الشقعة فاصلاً طبيعياً ممتدّاً في البحر لمسافة تزيد على الكيلومترين، ويرتفع زهاء 300 متر عن سطح البحر، بمسطّح طبيعي نادر على هذا الارتفاع، وبانحدار حاد يكاد يصل الـ 90 درجة مع قعره عند سطح البحر.

ظاهرة طبيعية نادرة، وكأنه قرار كوني اتّخذ لفصل شمال ساحل شرق المتوسط، عن جنوبه، وعلى سبيل المثال، فالناظر إليه من رأس مدينة الميناء في طرابلس اللبنانية، يشاهد ما يشبه السدّ الذي يمنع النظر إلى ما بعده، ويفترض أن يمنع العبور بين جهتيه الشمالية والجنوبية.

عند حدوث تطوراته الجيولوجية، وفق الأبحاث الجيولوجية التي جرت عليه، منع التواصل بين جهتيه، لكنّ تطوّر تقنيات الصناعة الحديثة ألغت إمكانية الفصل فيه باستحداث ثلاثة أنفاق تخرقه.

الرأس يما يحتوي من ثغور، وأماكن تَغَوُّر، وإطلالة رائعة، ومراكز دينيّة يقدّم نموذجا طبيعيا، وسياحياً فريداً، وربما وحيداً في العالم.

إضافة إلى تشكّله الطبيعي كعازل في البحر، أقيمت عليه، وفي مغاوره العديد من المعابد، والأديرة التي لعبت دورَين:ديني، واستراتيجي- للحراسة والمراقبة، فليس أفضل منه للإطلال على 3 جهات في البحر، حيث لن يستطيع قادم من البحر التخفّي عن مواقع المراقبة فيه.

الرأس جيولوجياً  

تفيد دراسة قام بها متخصصون من أبناء المنطقة، أن التل تكوّن في القرن السادس ميلادي عندما ضرب زلزال قوي المنطقة، وهزّ حوض المتوسط، وشق الرأس الصخري فهوى جزء منه في الماء، وارتفعت الجبال على المياه، فتشكل الرأس. 

يتبع رأس الشقعة لقضاء البترون، زهاء 54 كيلومتراً شمال العاصمة اللبنانية بيروت، ونحو 30 كيلومتراً جنوبي طرابلس.

ينكشف الموقع عند طرف الرأس على البحر أفقياً بانفراج ثلاثة أرباع الدائرة، ويشرف على مسافات بعيدة، وواسعة بالعين المجردة، وتقوم على طرفه الشرقي بلدة حامات، وقربها مطار يستخدم أساساً لأغراض عسكرية تحت سيطرة الجيش اللبناني.

من حامات شرقاً باتجاه حدّه الغربي، تنتشر غابات السنديان، وتتوزع منها عدة دروب وممرات يصل كل منها إلى طرف من أطرافه، حيث تتوزع أديرة متعددة. 

الأنفاق القديمة

يمنع انسداد الرأس 3 أنفاق، الأول برّي شقّه العثمانيون سنة 1909، وكان صلة الوصل منذ ذلك الحين بين المناطق، خصوصاً طريق بيروت-طرابلس الدولية. 

وبسبب شدّة انحدار الطريق الموصل إليه، وتعرجاتها العديدة، شقّت الدولة اللبنانية نفقاً موازياً أقل ارتفاعاً، وأقصر مسافة، وذلك أوائل ثمانينات القرن الماضي، واعتمد طريقاً أسهل من السابق حيث وقع على أوتوستراد حديث سهّل حركة العبور بين العاصمة والمناطق الشمالية، بما فيها الحدود الدولية.

سنة 1942 شقّ البريطانيون نفقا لعبور خط سكة الحديد العابرة للساحل الشرقي للمتوسط، يعلو قليلا عن البحر، ويبلغ طوله الكيلومترين، لكن لم يعد للنفق إلّا قيمة تراثية أثرية.

الأهمية الدينية

يعتبر رأس الشقعة واحداً من أهم المواقع الدينية التابعة لطائفة الروم الأرثوذكس، تتوزع عليه عدة أديرة هي بمجملها امتداد لسلسلة أديرة تابعة للروم الأرثوذكس في الكورة المجاورة، مثل أديرة سيدة البلمند، وبكفتين، وبدبّا، وأميون، والناطور بأنفة.

أهم الأديرة على الشقعة دير سيدة النورية الذي يتوسط الطرف الشمالي لرأس الشقعة، وهو الدير المركزي الحالي في الموقع، شيد سنة 1880 بحسب وثائق الدير ومرجعياته، وتختلف الآراء حول تسميته، لكن أقربها للمنطق هي إشارة الكلمة إلى النور الذي يظهر في رسم أيقونة "أم النور" (اي السيدة العذراء). 

تحت دير سيدة النورية، يقع الدير الأساس، والأقدم، ويعرف بدير مار مخائيل، وهو يتوسط المنحدر بطريقة حادة، يعود تاريخه إلى منتصف القرن السادس الميلادي، ويمكن الوصول إليه عبر درج أنشيء في العقود الثلاثة الماضية متّبعا انحراف الجرف الصخري، عبر منعطفات متعددة، تنتهي بممر موصل إلى مغارة تتصدر وسط الجبل، وعند نهايات الممر، جزء مسقوف قصير على جانبي الدرج، تقع فيه بضعة صوامع مُطِلّة على مسافات بعيدة في البحر لجهة الشمال، وبعد الصوامع، تقوم كنيسة صغيرة باسم الملاك مخائيل التي رُمِّمَت سنة 1950.

يدلّ الموقع على إرادة صلبة لبناء موقع بهذا الانحدار، ويمكن أن يقرأ المرء فيه بكل بساطة مبدأ "الصراع من اجل البقاء".

عند الطرف الغربي لمسطح الشقعة، أي رأسه، يقع دير مار سمعان العمودي، يؤكد هويته رسم عامود يجلس عليه رجل هو القديس سمعان المفترض، وقربه قاعدة عسكرية للجيش اللبناني.

وعلى منحدر المقلب الآخر الجنوبي من الرأس يقع دير صغير ينسب للسيدة العذراء، يعرف ب"دير الحرشية”.

وبين هذه المواقع الدينية أحراج واسعة من السنديان تابعة لدير النورية، وللوقف الأرثوذكسي، وبعض أملاك حوّلها أصحابها لمنتجعات صغير إفرادية للترفيه.

وفي مواقع مختلفة على منحدرات الرأس، انتشرت مغاور طبيعية اتخذ منها نساك ورهبان مواقع لتنسّكهم، وربما اعتمدت نقاط مراقبة للبحر تحوّطا للغزوات الخارجية، وتحوّلت بعض هذه المغاور مع الوقت إلى أديرة كدير مار مخائيل، ودير الحرشية، بالإضافة إلى ثغور-مغاور ما تزال تحافظ على طبيعتها في نقاط مختلفة من صدور منحدرات الرأس. 

من الميزات الجميلة والخاصة للموقع، وفرادته امتداد النظر منه إلى آفاق بعيدة، مما جعله مقصدا للزوار للتأمّل، وللسياحة في آن، خصوصاً لدى زيارة أشجار الصنوبر التي تبدو ساجدة في جوار دير النورية، لكن حقيقتها أن الرياح التي تعصف باستمرار عليها من الجهة الغربية، دفعت بها لتنحني للجهة المقابلة، مُشَكِّلةً منظراً فريداً قلّ نظيره. 

قاعدة عسكرية

نظراً لموقعه الاستراتيجي الهام، أقيمت عليه نقطة مراقبة عسكرية، كما يقوم على هذه القاعدة مطار يمتد مدرجه بطول يقارب الكيلومترين تقريباً ويروي سكان المنطقة إنه يشهد حركة طائرات عسكرية ناشطة متعددة الهويات.

 

المدرج نشأ في ظروف الحرب الأهلية اللبنانية 1975-1976، وعندما دخلت القوات السورية 1967 إلى لبنان ضمن قوات الردع العربية، اتخذت من الموقع مركزاً لها سنة 1978، وأقامت فيه حتى انسحابها من لبنان سنة 2005،حيث تسلمه  الجيش اللبناني.