• 

• 

لطالما سمعنا عن الأشقاء اللبنانيين الثلاثة عساف ومنصور وعارف، من بلدة الورهانية الشوفية في جبل لبنان، لذلك شدّ فريق الميادين نت الرحال إلى محترفهم  في منطقة "البصيل – الورهانية" التي تبعد عن بيروت 50 كيلومتراً.

هنا تشنّف الآذان أصوات رقرقات مياه عذبة تنساب على جنبات الطريق الضيّقة المزروعة بأشجار التفاح والإجاص والعنب وغيرها.

إقرأ أيضاً: بين الدراسات والأعراف.. ما هي حقيقة فوائد خل التفاح؟

• 

مشهدية "لا تخطر على بال"!

بيت حجريّ جميل أصفر منقّش بألوان بيضاء وبنّية وسوداء، تعلوه "سطيحة" إلى جانبها جرن "كبة" حجري مع مدقّته الحجرية.

• 

بعد ممرٍّ جميل، نلاحظ عدة قطع حجرية منحوتة ومرصوفة بطريقة هندسية، وفيما لا نجد تفسيراً لوجودها، يشير علينا المرشد بالنظر من كوّة مستطيلة (فتحة) في جدار غرفة... فينعقد اللسان فعلاً: القطع المذكورة اكتملت، فبان من هذه النقطة بالذات رأس تمثال الأديب اللبناني العالمي ميخائيل نعيمة!

• 

ويحلو للزائر شرب ماء العين من ذلك الإبريق الفخاري الموشّح بـ "كروشيه" الخيطان، في وقتٍ يحرص فيه الأشقاء على استقبال الزوّار ببشاشة ممزوجة بأصالة جبلية ووقار قروي، مع تقديم التفاح الجرديّ والعنب "الزيني" والقهوة العربية، تحت شجرة "سنديان" معمّرة.

• 

• 

"الصخور الصامتة... حياة"!

يصف منصور عساف ما يقوم به مع شقيقيه: "ملَكنا هذا الفن بالوراثة عن آبائنا وأجدادنا. تعلّمنا كيف نحيل الصخور الصامتة إلى تماثيل ومجسّمات وحياة. ومن هنا أتى بناء متحف في ظلال بيئة خضراء".

• 

ويُسهب شارحاً: "في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، بدأنا بتحويل رسومات عادية إلى تماثيل ضخمة، وشاركنا في معرض عالمي للأعمال النحتية الفنية في الشارقة عام 1995، وفزنا بالمركز الأول، فقرّرنا أن نعرض أعمالنا النحتية في الجامعات والساحات العامة في لبنان، لا أن نتركها تنزوي في غرف البيوت وصالوناتها".

سطح منزل... "يوغا" وتأمّل!

النظر إلى المكان من علٍ... يجذب الزائر إلى ذلك السطح المكّون من التراب المحدول بمحدلة حجرية تراثية، وهو إلى ذلك مزروع بالـ "الغازون"، أي الحشيش الأخضر المشذّب... هنا، لكَ أن تشعر بالحنين الذي لا يزول، والاتحاد مع "أمّنا" الطبيعة الصادقة... تماماً كما هي من دون تصنّع.

نمشي بتؤدة، ونجلس جلسة قرفصاء لا تُنسى، نراقب الجبال الشاهقة والوديان السحيقة، مع التفاتة "ولا أجمل" نتأمل فيها مغيب الشمس ما وراء ذاك "المتوسط".

• 

• 

على هذا السطح، يقول عساف، يأتي مُحبّو رياضة "اليوغا" ليُضفوا بجلساتهم الهادئة رونقاً خاصاً، ويضيف: "الزوار يأتوننا من كل المناطق اللبنانية، وقد حرصنا على ترك كل شيء طبيعياً، لا بل عزّزنا المنحى البيئي - العلمي بزراعة أشجار وأعشاب مفيدة من البراري اللبنانية".

• 

• 

 متحف في الطبيعة

 يعمل الإخوة عساف بمقدار 10 ساعات يومياً. فكل منحوتة تستغرق عملاً ضخماً. ولعل أهم شخصية جُسّدت خارج المحترف هي تمثال الأديب ميخائيل نعيمة، بارتفاع 5 أمتار وعمق 2,5 متر في قلب صخر جبل صنين (أحد جبال لبنان الغربية، ترتفع أعلى قممه 2695 متراً عن سطح البحر).

ويبدو تمثال المفكر والقيادي اللبناني الراحل كمال جنبلاط الضخم على كتف المحترف في الهواء الطلق، وهو مؤلف من 7 قطع كبيرة شكَّلت جدارية ضخمة.

• 

وفي ردهات المنزل توزّعت تماثيل: الأمير فخر الدين، الأديب والفيلسوف جبران خليل جبران، الجرّاح اللبناني العالمي مايكل دبغي، الممثل حسن علاء الدين (شوشو)، الموسيقار والمطرب فريد الأطرش، الموسيقار فيليمون وهبي، الفنان نبيه أبو الحسن، الشاعر سعيد عقل، الصحافي غسان تويني، الشاعر طليع حمدان، الرسام وجية نحلة، "بطل الاستقلال" أديب البعيني، وشهيد الاستقلال الوحيد في لبنان سعيد فخر الدين، وغيرهم من الأدباء والمفكرين والفنانين والمخترعين.

• 

تأريخ... فنحت!

 انتقاء الشخصيات المنحوتة ليس سهلاً وفق عساف: "نحن نحّاتون ومؤرّخون في الوقت ذاته، فبعض وقتنا هو للنحت الفني، وجلّه يخصَّص لنحت التماثيل التاريخية والشخصيات اللبنانية".

ويأتي النحّاتون بأجود أنواع الصخر وأصفاها من إيطاليا بكلفة عالية، بغية أن تأتي التماثيل "نقية" ولا تشوبها أيّة شائبة.

• 

الكمية لا تهم هنا بقدر نوعية العمل المُتقن المحترف، فقد لفتنا مثلاً الصولجان الحجري "المنمنم" الأسطواني الذي نُحت لتمثال القديس "مار مارون" في المحترف، وهو بالفعل أذهل النحاتين الإيطاليين، كما أدهشتنا دقة التفاصيل الصغيرة (شارب - عُرى الأزرار - الأسنان - رباط الحذاء) في بعض التماثيل للشخصيات المعروفة.

يبقى أن تجربة الأشقاء عساف، بتضافر جهودهم وتعاونهم، تعطي نموذجاً ساطعاً لنجاح الشباب اللبناني والعربي في الإبداع والتميّز.

• 

• 

• 

• 

•