قصة/ فريد المعتقل الذي عاد إلى الحياة في غزة

قصص مروعة رواها بعض الناجين من معسكرات وسجون الاعتقال الإسرائيلية، تبين حجم المعاناة التي ينتقل الفلسطينيون من إحداها إلى الأخرى، لا لشيء إلاّ لأنهم أصحاب الأرض والحق دون شراكة من المحتل الغاصب.

  • قصة/ فريد المعتقل الذي عاد إلى الحياة في غزة
    قصة/ فريد المعتقل الذي عاد إلى الحياة في غزة (صورة أرشيف - وكالة قنا)

تستمر معاناة الفلطسنيين في قطاع غزة على كافة الأصعدة، بين حصار وتجويع وتهجير وتنكيل، فضلا عن المجازر التي لا تتوقف بفعل القصف المدمر لكل مظاهر الحياة هناك.

النازحون من بيوتهم طلباً للعيش وحماية لأبنائهم من الموت، يكونون -حتمًا- على موعد آخر من المعاناة اليومية، والتي لا تستثني شيوخاً أو أطفالاً أو نساءً، إذ تُمعن قوات الاحتلال -بسبب فشلها في مواجهة المقاومة- في التنكيل بمن بقي حيّاً، فتقوم باعتقاله وتعذيبه انتقاماً منه ومحاولة فاشلة لتحقيق نصر زائفٍ على المدنيين العُزّل.

اقرأ أيضاً: هيئة شؤون الأسرى للميادين: الاحتلال يعذّب الأسرى انتقاماً من طوفان الأقصى

قصص مروعة رواها بعض الناجين من معسكرات وسجون الاعتقال الإسرائيلية، تبين حجم المعاناة التي ينتقل الفلسطينيون من إحداها إلى الأخرى، لا لشيء إلا لأنهم أصحاب الأرض والحق دون شراكة من المحتل الغاصب.

قصة اعتقال.. و"حياة جديدة"

مع اقتراب القصف الشديد في مطلع شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، من بيت فريد عامر قرر أن تغادر زوجته وابناه المتبقيان إلى مركز خان يونس، بينما بقي وحده في البيت قرابة أسبوع حتى نال بيته القصف الإسرائيلي، فقرر الخروج إليهم مستسلماً.

في ظهر  23 من الشهر نفسه، خرج عامر  من منزله، فأطلقوا النار على باب منزله لإرهابه، حيث يقول: "فوراً قلت لأحد الجنود، بالعبريّة: "أنا صاحب المنزل. أنا مُواطن. عُمري 65 عامًا"، وقد كرّرت ذلك مرّتين. قال لي الجندي: "ازحف على الأرض" وأمرني أن أخلع ملابسي كلّها، وأن أبقى عارياًُ.

عندما فعلت ذلك تقدّم جنديّ نحوي من الخلف وضربني ضربة قويّة على الجهة اليمنى من ظهري، بيده التي كان عليها قفّاز من البلاستيك الصّلب. حتى اليوم ما زال موضع الضربة يؤلمني. بعد ذلك كبّل يديّ خلف ظهري وعصب عينيّ”.

وتابع عامر: "أبقوني نحو نصف ساعة ملقىً على الأرض في حديقة منزلنا. بعد ذلك أخذوني هكذا -عارياً- إلى منزل آخر في الحيّ يبعد عن منزلي مسافة 150 متراً تقريباً".

إجرام في أساليب التحقيق

واستطرد: "بعد مضيّ ساعتين أخذني الجنود للتحقيق وساروا بي وأنا لا أزال عاريًا وعيناي معصوبتان في طريق وعرة جدّاً – مليئة بالحجارة وقِطَع الزجاج والرّمال.. حقّقوا معي مدّة 45 دقيقة تقريبًا. سألوني عن جيراني وهل أعرف أشخاصاً من حماس".

ويكمل عامر: "من هناك أخذوني إلى مكان قريب من الحدود شرقيّ خان يونس، بعيداً عن القصف والقذائف. طوال هذا الوقت كنت لا أزال عارياً، مكبّل اليدين ومعصوب العينين. في هذه المرحلة كانوا قد كبّلوا رجليّ أيضاً. احتجزونا هناك في العراء. كانت ليلة صعبة. كان المطر يهطل على جسمي العاري. كان إلى جانبي أشخاص آخرون ولكن لم أعرف من هُم. هناك جلبوا لي طعاماً للمرّة الأولى، بعد ثلاثة أيّام من الاعتقال. قِطعتا خُبز وخيارة".

ويقول عامر: " أدخلونا إلى مركبة تشبه الحافلة ونقلونا فيها إلى مكان علمت لاحقاً أنّه في داخل الأراضي المحتلة. استغرق السّفر مدّة ساعة تقريباً. عندما وصلت إلى هناك أعطوني ملابس داخليّة وزيّاً رماديّاً خاصّاً بالسّجناء. في اليوم التالي أخذوني في اللّيل إلى تحقيق استمرّ نحو ثلاث ساعات. أجلسوني على كرسيّ وربطوا يدي إليه، وربطوا رجليّ إلى حدائد مثبّتة في الأرض. قالوا لي أن أبقي رأسي منخفضاً.. مضمون التحقيق كان شبيهاً جدّاً بمضمون التحقيق الأوّل. بعد مضيّ يومين أخذوني مرّة أخرى للتحقيق، وقد استمرّ مدّة ساعة، وكان شبيهاً بسابقيه. وجّهوا إليّ الأسئلة نفسها – عنّي وعن أولادي وجيراني".

اقرأ أيضاً" "سوء معاملة وتعذيب".. شهادات مروعة لغزيين عما تعرضوا له أثناء فترة اعتقالهم لدى الاحتلال

ويضيف: "في معسكر الاعتقال رأيت أشخاصاً من قطاع غزّة، منهم من اعتُقلوا من منازلهم وآخرون اعتُقلوا من مختلف مستشفيات القطاع، كانت الظروف هناك صعبة جدّاً. أبقوا يديّ مكبّلتين وعينيّ معصوبتين طيلة فترة الاعتقال، في اللّيل والنّهار. كان من الصّعب جدّاً الدخول إلى المرحاض على هذا النحو، حتى أنّني فضّلت الامتناع عن الطّعام كي لا أحتاج إلى الدخول إلى المرحاض، الذي كان قذراً جدّاً".

وتابع: "في أحد طوابير الأسماء الذي أجروه داخل "البركس" الذي احتجزوني فيه تبيّن لي أنّه يوجد معنا أيضاً طفل في الـ13 من عمره، من عائلة قنديل. لا أعرف اسمه الشخصي. سمعت الجنديّة تسأله “كم عمرك؟” فأجابها: “13 سنة”، ثمّ ذهبوا".

عودة "إلى الحياة"

أخذوا عامر بعد ذلك إلى حافلة أقلّتهم إلى معبر كرم أبو سالم. يقول عامر: "وصلنا إلى هناك عند السّاعة 7:00 صباحاً، مع حافلة أخرى. كنّا نحو 60 معتقلاً. فكّوا وثاقنا ثمّ مشيت من هناك حافياً مسافة 4-5 كم. قال لي أحد الجنود: “انظر، هذا هو الطريق. امش فيه، وممنوع أن تتوقّف أو تنظر إلى الوراء".

وأكمل: "عندما وصلت إلى الجانب الفلسطينيّ من المعبر كانت نقطة توزيع تابعة لوكالة الغوث، طلبت أن أتحدّث مع محمد ابن أخي، وهو موظّف في وكالة الغوث. بعد أن تحدّثت معه جاء وأخذني، لم يعرف أحد من عائلتي أنّني كنت معتقلاً لدى الجيش الإسرائيليّ منذ قرابة أسبوعين. كانوا يظنّون أنّني لا أتمكّن من الاتّصال بهم لأنّ الاتصالات الخليويّة شبه مقطوعة، وأنّني ربّما خرجت من المنزل وأحاول الوصول إليهم. لقد فوجئوا وصُدموا عندما سمعوا بما جرى لي".

ويختم عامر بقوله: "بعد ذلك أقلّوني إلى المنزل حيث التقيت أسرتي. بكينا، جميعُنا".