مهن جديدة.. الحاجة أم الاختراع في غزة

أكثر من مليون و 300 ألف نسمة معظمهم من النساء والشيوخ والأطفال والمرضى، يقبعون في مساحة لا تتعدى الـ 151 كلم2 في رفح.، بينما كان عدد سكان المنطقة الأصليين لا يتجاوز  الـ 120,000 نسمة.

  • صورة جوية لخيم النزوح في رفح (CNN)
    صورة جوية لخيم النزوح في رفح (CNN)

الحاجة أم الاختراع، فكيف إذا كان الوضع مزرياً كما في قطاع غزة، حصار على مدى سنوات، واعتداءات إسرائيلية متكررة، قبل تنفيذ أقذع عدوان وأشده وحشية في التاريخ الحديث.

أكثر من مليون و 300 ألف نسمة معظمهم من النساء والشيوخ والأطفال والمرضى، يقبعون في مساحة لا تتعدى الـ 151 كلم2.، بينما كان عدد سكانها الأصليين لا يتجاوز  الـ 120,000 إنسان .

اقرأ أيضاً: تاريخ عريق و مطار.. ماذا نعرف عن مدينة رفح؟

وتقع في منطقة رفح أهم المعابر إلى القطاع، فعلى أرضها يقع معبر "رفح" شريان الحياة الرئيسي للقطاع، وبوابته إلى العالم الخارجي.

وعلى بعد نحو 4 كيلومترات منها يقع  معبر "كرم أبو سالم"، صلة الوصل المهمة بين القطاع والضفة الغربية، فمنه تعبر البضائع المقبلة من فلسطين المحتلة وكذلك بعض المساعدات الدولية.

أطباء.. مراسلون

ورغم وجود المعابر،وقربها من مصر إلّا أن وضع الناس فيها مخيف، فالمجاعة طرقت أبواب الكثيرين، وهم يخشون العدوان الإسرائيلي في محاولة لتهجير أهلها ونازحيها إلى شبه جزيرة سيناء.

 قد تشمل "المهن الجديدة" العمليات الجراحية وحفر القبور، وتشمل أيضاً مواساة الفاقدين سواء كانوا أطفالاً فقدوا أهلهم أو أمهات فقدن أطفالهن.

كذلك، أخذ الكثيرون، صغاراً وكباراً، على عاتقهم مهمة الصحافي أو المراسل، عبر صفحاته أو عبر وسائل الإعلام التي تشتري مواده الإعلامية.

 
 
 
 
 
عرض هذا المنشور على Instagram
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎عبود بطاح🇵🇸‎‏ (@‏‎abod_bt77‎‏)‎‏

ولكننا هنا سنتحدث عن المهن الشعبية المبتكرة، والحاجة أم الاختراع، فما هي؟

إلى مدخل مركز توزيع مساعدات تابع للأونروا بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، كان "سعيد" ينتظر في دوره لاستلام كيس دقيق (25 كغم) لعائلته، وبعد زهاء 3 ساعات ونيف من الانتظار قطع فيها زهاء 300 متر جاء أحد "المتعجلين" همس في أذنه وحل مكانه.

وقال سعيد، الذي رفض أن يكشف عن اسم عائلته بسبب "تحرجه"، إنه يمتهن الانتظار في الدور لصالح بعض المواطنين مقابل مبلغ من المال.

"وقفت اليوم في طابور الطحين مقابل مبلغ مالي وسأقف مرة أخرى لاستلام نصيبي لكن سأبيع دوري مرة أخرى إن استطعت، وإن لم يعجبني السعر سأستلم طحيني." قال سعيد.

وأشار أنه يملك محل ملابس في مدينة غزة ولديه مال كاف لكنه هرب من بيته وعائلته دون أن يحمل شيئاً ولا حتى وثائق ولا بطاقات بنكية.

مهنة انتظار الطوابير!

أضطر للعمل في الانتظار فلا يوجد فرص عمل فأنتهز فرصة متسع من الوقت وأنتظر مقابل المال لأشتري طعاماً، ويعيل سعيد أولاده الأربعة وزوجته واخته ووالديه.

وأشار أن هذه "المهنة" متعبة لكن ميزتها انها لا تحتاج رأس مال.

وكشف سعيد أن الانتظار ليس فقط في طابور الطحين بل أيضا طابور الخبز والصراف الآلي وبعض المحال التجارية لاستلام معونة غذائية.

  • طوابير لا تنتهي في غزة (الشرق الأوسط)
    طوابير لا تنتهي في غزة (الشرق الأوسط)

محمد ناصر (24 عاماً) نازح مين بيت حانون قال، إنه أيضا يمتهن مهنة الانتظار في الطوابير، و"أصعب طابور هو الصراف الآلي، أخرج الساعة الرابعة صباحا وانتظر 6 أو 7ساعات لاقتراب دور صاحب المصلحة."

وهناك أزمة على الصراف الآلي لعدة أسباب أهمها هو أن البنوك أغلقت أبوابها ومعظم الصرافات الآلية متوقفة في قطاع عزة إضافة لتكدس المواطنين في منطقة رفح.

مهنة "لفّ العجلة"!

مهنة جديدة برزت هي مهنة "لف العجلة"، ويقوم فيها المستخدم بلف عجلة دراجة مرتبط بماكينة خياطة عند أحد الخياطين ليتمكن من تشغيل الماكنة وتصليح ملابس.

وقال الخياط نسيم قشطة من رفح، انه ربط ماكنته بعجلة الدراجة بسبب انقطاع الكهرباء بشكلٍ دائم وشح الوقود لتشغيل مولد خاص به.

وغالبا أن القائمين على هذه المهنة هم من الفتية وليس كبار السن، وفقاً لقشطة.

وقال الأخصائي الاجتماعي طلال أبو ركبة، إن بروز مهن جديدة في الحرب أمر طبيعي لأن المواطنين يعيشون ظروفاً طارئة يرافقها مهن طارئة.

وأشار أبو ركبة إلى أن الذين يعملون في هكذا حرف هم غالباً من العمال الذين كانوا يعملون بالمياومة أو أصحاب الحرف وانقطع رزقهم بفعل الحرب وشحّ المواد الخام فيضطروا "للإبداع" لانتزاع لقمة العيش.

في الطريق الرئيس الذي يربط شرق رفح بغربها طوابير كثير اصطفت على ابواب المخابز وفرع لبنك محلي ومحلات الصرافة وطوابير داخل مدارس الايواء في انتظار معونة غذائية غير مؤكدة.

مواقد متخصصة


أمسى  اللجوء إلى استخدام الأخشاب والحطب في أعمال المنزل هو الأساس، من أجل طهي الطعام وخبز الدقيق، حيث يجري تجهيزها حالياً على مواقد النار التي تنوعت أصنافها وأشكالها واستخداماتها، كما أن الحاجة وسعت رقعة تلك الابتكارات، ودفعت بالحرفيين هنا إلى خلق بدائل مثل المواقد الطينية لكسب قوت يومهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، وكذلك التخفيف عن السكان.

  • صناعة المواقد
    صناعة المواقد

حرفة أخرى

"حرفة" جديدة أيضاً هي "تعبئة أنبوبة غاز الطبخ"، وهي من أهم الحرف التي طرأت، وفيها يتحمل العامل مسؤولية تعبئة أنبوب الغاز مقابل مبلغ مادي.

وقال محمد عيد (27 عاما)، من مدينة رفح، إن سعر الأنبوبة الرسمي هو 72 شيقلا لكن مع أزمة الغاز ارتفعت إلى زهاء 100 في حال أن الزبون سينتظر دورا يستمر تقريباً أسبوعين.

"بمعارفي وعلاقاتي بالمدينة أستطيع أن أعبئها في يومين مقابل 200 شيقل،" قال عيد، مضيفاً أنه أحياناً تطرأ أوقات لا يستطيع التعبئة.

ويعيش قطاع غزة في أزمات لا تُحصى أبرزها أزمة شح مصادر الطاقة لأن قوات الاحتلال تمنع دخول الطعام ومشتقات الوقود للقطاع منذ بداية العدوان، فلا كهرباء على الاطلاق وهناك شح كبير في الوقود وغاز الطبخ والطعام.

صناعة الخيام

وبرزت مهنة صناعة الخيام وفيها يقوم الصانع بتثبيت خشبات في الأرض وتغطيتها بشوادر بلاستيك او قماش.

وازداد الطلب على هذه "الحرفة" بعد موجة النزوح الأخيرة من مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، إلى رفح في أقصى الجنوب.

وقال تامر بركات، نازح من شمال غزة لرفح، إنه يعمل في نصب الخيام لمساعدة نفسه واهله في ايجاد مصدر وزق وسط البطالة.

  • مهنة بناء الخيم في غزة
    مهنة بناء الخيم في غزة

وأشار إلى أنه يشتري بعض الخشب والمستلزمات ويثبت الخيمة في المكان الذي يرغب صاحبها ويتقاضى أجر يده أو تكون كصفقة أجرة العمل وثمن المواد الهام.

"أربح في كل خيمة نحو 100 شيقل، عمل سهل إذا لم يتخلله تأسيس مرحاض"، قال تامر الذي كان يعمل في الأصل نجاراً.

"صانع المراحيض"!

أما "صانع المراحيض" فهي احدى المهن الصعبة التي تحتاج مهارة خاصة وقوة بدنية، كما قال أحد العملين فيها رائد جبر، من جباليا.

وقال جبر لمراسل "وفا"، الذي صادفه في إحدى مخيمات النزوح برفح، إن المهنة تحتاج أدوات كثيرة ومكلفة ماليا للنازحين.

ويحفر العامل حفرة يسميها "بئرا" بطول متر واحد تقريباً ويغطيه بلوح معدني أو بأي جسم صلب ثم يصله بأنبوب بمرحاض افرنجي أو شرقي.

وقال جبر إن الأدوات والمعدات باهظة الثمن لذا يطلب البعض بصب أرضية خرسانية يتوسطها فتحة للفضلات وينتهي الأمر دون تمديدات مياه.

وتنتشر الحمامات الفردية في مخيمات النزوح، وهناك بعض المخيمات تُنصب فيها حمامات جماعية، ٣ حمامات للنساء و٣ للرجال في زاوية أخرى من المخيم لكن يتجنبها الناس حفاظا على الخصوصية.

ويعيش في رفح أكثر من مليون نازح وفقاً لتقديرات أممية، نزحوا من مختلف أنحاء القطاع، في عشرات المخيمات في مناطق مختلفة من مدينة رفح التي يبلغ عدد سكانها زهاء 300 ألف نسمة.

شحن الهواتف والبطاريات

كما انتشرت في قطاع غزة، سيما في مخيمات النزوح، مهنة "شحن الهواتف والبطاريات".

وفيها ينصب صاحب المصلحة لوحة تحول الطاقة الشمسية إلى كهربائية ويشحن هواتف وبطاريات المواطنين مقابل مبلغ مادي.

وقال وائل سلامة صاحب لوحة طاقة إنه يتقاضى شيقل واحد مقابل شحن الهاتف النقال وشيقلين مقابل بطاريات حفظ الطاقة (الباور بانك) و٥ لشحن اللابتوب.

  • العجلة لشحن الهواتف
    العجلة للخياطة وشحن الهواتف

كما وانتعشت أوجه تجارة مثل بيع الطحين والمأكولات المعلبة، فيستلم النازح كيس طحين أو معلبات من أي جهة فيبيعها أو يبيع جزء منها ليشتري شيئاً آخر مثل أدوية أو حفاضات للأطفال أو لكبار السن الأطفال، كما قال عماد الحاج (32 عاما) الذي يبيع معلبات على طاولة في شارع رئيس برفح.

وأضاف عماد أن من أهم التجارات هي بيع السجائر "الفرط" التي يشتري فيها الزبون سيجارة واحدة فبات من المستحيل شراء علبة سجائر لأن ثمنها يبلغ زهاء 100 دولار أميركي.