ناصر و نصر الله.. هنا يكمن السر!

التاريخ وحده سيذكر العظماء.. سيردد صدى"لاءات عبد الناصر الثلاث: لا صلح لا اعتراف لا تفاوض"، سيتبنى صرخة نصر الله " إن "إسرائيل" واللهِ هي أوهن من بيت العنكبوت"،  وسيرذل كل متآمرٍ أفّاق مطبّع، فما هي الصفات المشتركة بين القائدين الكبيرين؟

  • ناصر و نصر الله.. أين يكمن السر؟
     ودّع المصريّون نصر الله بعبارة " ناصر آخر يغادرنا" (غرافيك: اسماعيل آغا )

ناصر و نصر الله.. هامتان شاء الباري أن يجمع أحرف اسميهما ويشبكهما في المعاني الانسانية والوطنية والنضالية رغم مرور 5 عقود وأكثر  بين الرجلين.

فهل كتب لهذه الأمة ألاّ تحظى بقادة حقيقيين ماجدين إلا بعد كل نصف قرن من المعاناة والنضال؟!

ناصر و نصر الله.. لم يجمعهما تاريخ  يوم الاستشهاد فحسب بل جمعتهما "مسيرة نضالية متشابه في عنفوانها وتعاظمها وانتصاراتها بل ونكساتها أيضاً"، كما يقول الكاتب والباحث سمير البرغوثي.

ومن هنا فليس غريباً أن يودع المصريّون نصر الله بعبارة " ناصر آخر يغادرنا"، رغم تضييق السلطات ومنعها للتحركات المواكبة لاغتياله.

  • في مصر بعد استشهاد نصر الله
    في مصر بعد استشهاد نصر  الله

النشأة والنضال الشبابي

ناصر و نصر الله تجمعهما مشتركات شخصية عدة.. فسبحان الله الذي يسبغ على القادة صفاتٍ مشتركة يغبون منها منذ نعومة أظافرهم، فقد ولد جمال عبد الناصر في مدينة الإسكندرية عام 1918 لأسرة بسيطة تعود أصولها إلى صعيد مصر وكان والده موظفاً بهيئة البريد.

وبدأ نشاطه السياسي في سن مبكرة مشاركاً في مظاهرات طلابية مناهضة للاستعمار البريطاني، أصيب في إحداها في رأسه ما ترك ندبة على جبهته.

أما السيد الشهيد فقد نشأ في أحد الأحياء الفقيرة شرق بيروت، وهو من بلدة البازورية المعطاءة بخيرة الشباب والشهداء، وكان والده يملك محل بقالة صغيراً، وهو  هو الابن الأكبر بين 9 أبناء. انضم إلى حركة "أمل" ثم إلى حزب الله في بداياته، وصعد في هرم القيادة بفضل حكمته وحنكته السياسية. 

نقطة هامة ولافتة تجمعهما في هذه الحيثية أيضاً، وهي أنهما لم يصلا إلى سدة المسؤولية عبر التوريث السياسي أو الوراثة العائلية أو الاقطاعية.

  • تمتع القائدان ببسمة مقنعة محببة وساخرة من الأعداء
    تمتع القائدان ببسمة مقنعة محببة وساخرة من الأعداء

في البسمة و"الكاريزما" والدعابة!

مفتاح وجوه الناس هو البسمة السمحة المعبّرة عن كنه روحيها الطاهرة وأسارير سجيتهما الفريدة، و قد حبا الله القائدين العربيين بهذه الاشراقة المقرونة بـ "كاريزما" عالية لدى الجماهير، ما جعلها طوع بنانهما.

ناصر و نصر الله  آثرا التفاعل مع الناس بتلقائية وصراحة، وغاصا في التفاصيل وربما بالخطابات المطولة التي يمكن أن ترمي "الإبرة" وتسمعها خلالها، وأيضاً بروح الدعابة التي يحبها الناس..

كذلك، كان إعلام العدو يرصد كل حرفٍ ينبسان به، ويلاحقان كل حركة يقومان بها، كانت قنوات التلفزة العبرية تنقل خطاباتهما وتترجمها بشكلٍ مباشر وحرفي، مع لحظ للنبرة والبسمة وحتى صبابات العرق، وتفتح استديوهات تحليل لكل كلمة أو حركة، مع رصد لتعابير وجهيهما!

ومن هنا لا بد من التنويه إلى أن المستوطنين وغيرهم كانوا يصدقون كلام الرجلين  أكثر من المسؤولين الإسرائيليين، وقد أتبتت المعطيات الميدانية واليومية صحة ذلك.

واللافت هنا، في الوقت نفسه أن هذه الوسائل المعادية لم تكن تعير اهتماماً لكلام المسؤولين العرب الكثر على امتداد عقود!

ناصر و نصر الله كانا مثالاً للتعامل الحريص في الدعاية السياسيّة والحرب النفسيّة ضد العدوّ. يعلم العدوّ أن نصر الله لا يبالغ في قدراته ولا يهدّد بما ليس لديه، كذلك كان الزعيم المصري الراحل. 

وإلى كل ما تقدّم كان الرجلان زاهدان بمظاهر الحياة المادية، فقد كان رصيد عبد الناصر البنكي الذي اورثه لابناءه لا يتجاوز 300 جنية، بينما لم يكن لنصر الله الممنوع أصلا من فتح حساب بنكي، يملك شيئاً يورثه لابنائه وأحفاده، وكما أن منزل الزعيم المصري كان عادياً وبعيداً عن "البذخ"، عاش "السيّد" حياةً متزهدة مترفعة عن كل متاع الدنيا.

لعل رصيدهما كان واحداً، وكبيراً لا بل عظيماً، عند الله تعالى وفي نفوس ملايين الناس في هذا العالم.

  • من التظاهرات في الأردن
    من التظاهرات في الأردن

العاطفة والدمعة الصادقة

ناصر و نصر الله كانا يرفلان بالعاطفة الجيّاشة الصادقة، التي تجعلهما لصيقين بالناس وبالجماهير الهادرة، مع دمعة قريبة تتراىء للملأ من خلف مقلتين آسرتين تشيان بالذكاء وقوة الشكيمة والبأس الشديد.

  • من ساحات العاصمة تونس
    من ساحات العاصمة تونس

ومن نافلة القول، إن الرجلين تركا سيرة تسير على نهجها الأجيال، نهجٌ وخارطة طريق نحو الحرية والتحرر وفلسطين...

 قتال المحتل ودعم فلسطين

ناصر و نصر الله سارا على هدى بوصلة واحدة، فتحرير القدس والمسجد الأقصى كانا الهدف، ورفد الشعب الفلسطيني لتعزيز العمل المقاوم كان سبباً في نقمة الغرب وتحريض بعض العرب عليهما..

فـ ناصر و نصر الله عكفا على بناء القدرات العسكرية وخلق توازن ردع مع العدو التاريخي للعرب، وقد يسجّل التاريخ أنه و"بينما كان جمال عبد الناصر يعمل دوماً للوصول إلى عمق الأراضي المحتلة لضرب جيش العدو رداً على استهداف الطائرات الاسرائيلية لمصر،  جاء حسن نصر الله ليجسّد له حلمه على أرض الواقع بل بات العمق كله مكشوفاً"، يقول البرغوثي.

  • ناصر و نصر الله.. هنا يكمن السر
    زهد الرجلان بمتاع الحياة ودخلال التاريخ من باب رضى الله ومحبة الجماهير

يبقى أن نذكّر أن ناصر و نصر الله تعرضا في حياتهما  ومسيرتهما النضالية لنفس الضغوط ومعاداة من ذوي القربى، وحاول البعض من العرب عبر إنفاق ملايين الدولارات بغية الإساءة لهما عبر الترويج الإعلامي وضخ الأخبار المغرضة، وبالتالي تضليل الرأي الأخر.

  • ناصر و نصر الله.. أين يكمن السر؟
    ناصر و نصر الله.. أين يكمن السر؟
  • ناصر و نصر الله.. أين يكمن السر؟
    ناصر و نصر الله.. أين يكمن السر؟

أين يكمن السر؟ 

غادر الزعيم العربي جمال عبد الناصر وبعده بـ 5 عقود، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله هذه الدنيا، كثيرون لم يصدقوا بعد أن "سيّد الوعد الصادق"، لم يستشهد، كما لم يصدقوا رحيل عبد الناصر ، فأين يكمن السر في هاتين الهامتين؟ 

التاريخ وحده سينصف ناصر و نصر الله، رغم المحاولات الدؤوبة التي تقوم بها دول كبرى وغرف عمليات تعطي "الأمر" لمئات الفضائيات والصحف والمواقع الالكترونية للتجني على الرجلين.

التاريخ وحده سيذكر العظماء.. سيردد صدى"لاءات عبد الناصر الثلاث: لا صلح لا اعتراف لا تفاوض"، إلى صرخة نصر الله " إن "إسرائيل" واللهِ هي أوهن من بيت العنكبوت"،  وسيرذل كل متآمرٍ أفّاق أفّاك مطبّع. 

اقرأ أيضاً: قصة عن سيد "الوعد الصادق".. أيقونة المقاومين