وادي خالد: تهريب فرضته الجغرافيا

منطقة وادي خالد الحدودية تشهد بشكل مستمر توترات أمنية على خلفية مكافحة عمليات التهريب التي تعدّ الخبز اليومي لمعظم سكان قرى الوادي.

  • وادي خالد: تهريب فرضته الجغرافيا
    وادي خالد: تهريب فرضته الجغرافيا

لم تكن حادثة وادي خالد التي وقعت الأسبوع الماضي بين أحد المهربين وعناصر من الجيش اللبناني الأولى من نوعها، وحتماً لن تكون الأخيرة، فالمنطقة عرضة بشكل مستمر لهذا النوع من الاشتباكات الناجمة عن محاولات مكافحة عمليات التهريب التي تعدّ الخبز اليومي لمعظم سكان قرى وادي خالد الحدودية، إضافة إلى ضبط الحدود لمنع تسلل بعض المتطرفين والمطلوبين في قضايا إرهاب.

في هذا الإطار، شهدت المنطقة الأربعاء في 27 نيسان/أبريل 2022 توتراً، إذ لاقى أحد المطلوبين حتفه أثناء مواجهة حصلت بينه وبين عناصر دورية من مديرية مخابرات الجيش أثناء توقيفه، وما لبثت الحادثة أن تطوّرت ليلاً إلى إطلاق نار على مركز الجيش في المجدل، نفّذه أشخاص موجودون في قرية المعاجير التي تقع ضمن الأراضي السورية، لكن يسكنها لبنانيون.

قد يبدو الأمر غريباً للذين يعيشون خارج نطاق المنطقة، فكيف يسكن مواطنون لبنانيون في بلدة تقع عقارياً وجغرافياً في القسم السوري من الأراضي؟ إلّا أن ذلك مألوف لأهل الوادي والمحيط. 

هناك، تتداخل الشوارع والأحياء اللبنانية السورية الحدودية، إذ يحصل أن تمرَّ في طريق لبنانية، وبموازاتك أخرى سورية، حتى إنّ البعض يردّد على سبيل الفكاهة: "إنك تدخل منزلاً من الباب الأساسي في الأراضي اللّبنانية، وتخرج من باحته الخلفية لتجد نفسك في الأراضي السورية".

يختلط الحابل بالنابل على حدود لبنان الشمالية. تضيع هويات الأشخاص الحقيقية، ويصعب تمييز اللبنانيين عن السوريين. يتحدثون لهجة واحدة، وتطبعهم سمات واحدة، حتى يصعب التفريق بين الهويتين.

في وادي خالد، التي تقول الرواية إنّها حملت اسمها تيمّناً بالقائد الإسلامي خالد ابن الوليد، تقبع 22 قرية تشكل تضاريسها الجغرافية المتداخلة، ويفصلها النهر الكبير عن توائمها السورية، باستثناء 4 منها يتشارك البلَدَان أراضيها، وهي قرحة وكنيسة وحنيدر والمجدل. تبدأ كل بلدة منها في لبنان وتنتهي في سوريا. يصعب على السكان أنفسهم التمييز؛ هل هم في لبنان أو سوريا؟ هنا تتجلى مقولة سعيد تقي الدين: "سوريا ولبنان.. هذه الواو الكافرة".

للوصول إلى منازلهم، يُلزَم لبنانيو هذه القرى بالمرور عبر المعابر، سواء الرسمية أو معابر التهريب، إذ لا يمكنهم التنقل من دون ذلك، فهي في نهاية الأمر ضمن الأراضي السورية، وإن كانت لبنانية!

يعيش أهالي "الوادي"، وبعضهم نال الجنسية اللبنانية، وفق مرسوم التجنيس الصادر في العام 1994، حالة من الإرباك الاجتماعي على الخريطة الجغرافية، فهم جزء من لبنان، ولكنهم من سوريا على خريطة الحياة الاقتصادية والاجتماعية، حتى هواتفهم متصلة بشبكات الاتصال السورية. 

علاقة هؤلاء الاقتصادية الاجتماعية مع الدولة السورية بقيت أكثر متانة منها مع لبنان، وخصوصاً أنّ الحكومات اللّبنانية المتعاقبة أهملت المنطقة وأسقطتها من لائحة اهتماماتها، فوجد هؤلاء أنفسهم يمارسون ما اصطلح على تسميته "عملية تهريب".

مع انصهار حدود البلدين،  كان من البديهي أن تنشط المعابر غير الشرعية، كما في معظم المناطق الحدودية، في نقل البضائع وانتقال الأفراد بين لبنان وسوريا، فقد جرت العادة أن يتنقل الأفراد عبر هذه المعابر في القرى المتداخلة بين البلدين بصورة طبيعية، كما جرت العادة أن يتبادل الأهالي من الجانبين البضائع من دون معاملات أو أي إجراءات رسمية، حتى بات الحديث عن ضبطها ضرب من المستحيل، في ظل تعدّد مساربها وتشابك الأراضي الزراعية في بعض المساحات الحدودية، وقيام عصابات التهريب باستغلالها لنقل الأفراد بصورة غير شرعية.

ما سبق يطرح أسئلة بديهية: كيف يمكن ضبط سكّان 22 قرية مورست بحقها التعسف والحرمان؟ وهل تعالج إشكالية هذه القرى بالقوة أو بخطة إنمائية جدلية قد تشكل الإجابة عنها حلاً لمشاكل مناطق حدودية مختلفة؟