"الخوف" على ثورة تونس أم منها

"الفاضل الجعايبي" واحد من بين أبرز المسرحيين والسينمائيين في تونس، لكنه فنان مشاكس، جريء، يقول ما معه ويكمل طريقه، متعاونً في الفن والحياة مع سيدة لها وزنها التونسي والعربي في مجال الحضور على الخشبة" جليلة بكار"، وهما يعرضان هذه الأيام مسرحيتهما الجدبدة"الخوف" جماهيرياً على خشبة قاعة "الفن الرابع" في العاصمة، بعدما دارت على باريس، بون، وبيروت.

مسرحية رمزية ترصد الحال التي تعيشها تونس منذ سبع سنوات بعد قيام الثورة وتبدّل الأحوال في البلاد إلى ما هو أقل من المتوقع، وبالتالي رىىىا العمل على إنتقاد رمزية الثورة هذه الأيام، على إعتبار عدم الرضى عن النتيجة التي حلم بها الشباب في السنوات الماضية حين إنضموا إلى الصفوف المطالبة بالتغيير، لكنهم صُدموا بالنتائج. هذه الأجواء رصدتها المسرحية التي تعاون على كتابتها "الجعايبي" و"بكار" معاً، من خلال عواصف رملية تهب على تونس وتجعلها مشهداً أشبه بسهول شاسعة من الرمال تغيب معها معالم الأبنية، وينجو من أحد مخيمات الكشافة عشرة شباب يختبئون في مستشفى قريب منتظرين زوال الخطر، لكنهم يتواجهون في مواقف حادة من الوضع في البلاد وتعلو أصواتهم ثم تكون بينهم  إحتكاكات دموية.

 نعم الأمور لم تتوقف عند هذا الحد بل تعدته إلى معارك طاحنة بين الطرفين اللذين يستميت كل منهما في هزيمة الآخر، كاشفاً عن المساوئ والعيوب التي تعتري القوانين المرعية الإجراء، وبحجة تحسين الأوضاع وفرض حالة من التصحيح على الواقع السائد، الطرفان يرغبان في التحسينات نفسها ويختلفان على من هو الطرف الأقدر من الآخر على تحقيق ذلك، وينجم عن هذه المواجهة شهداء وجرحى. ويدير "الجعايبي" هذه الأجواء بكثير من السوداوية، لأن النص متشائم ولا يرى في الأفق أي بادرة خير لا في الواقع القائم ولا في المستقبل المنظور.إنها حال صاحب العديد من المسرحيات(خمسون، جنون، عشاق المقهى المهجور، سهرة خاصة، أوفيليا) والأفلام (العرس،عرب، شيشخان)، الذي يتجرّأ ويعلن عدم تفاؤله بالوضع القائم.

المناخ المتشائم يرافق المسرحية على مدى ساعتين من الوقت، واللافت أن النص لا يرى أي بارقة أمل في التغيير إلاّ من خلال إستكمال الثورة التي توقفت في غير الوقت المناسب. الخشبة تكاد تخنق المشاهدين من شدة قتامة السواد السائد، لكن هذه هي الصورة التي يريد العمل فرضها على مشاهديه، وقد تألق معظم فريق الممثلين تتقدمهم "جليلة بكار" و"فاطمة بن سعيدان"، لكنهم بكل صدق كان مطلوباً منهم الذوبان في إطار سواد المسرحية السائد، فإذا بهم أقرب إلى لون الإضاءة وشكل الديكور والمناخ العام السائد، من دون أن ننسى الإشارة إلى تسامح الرقابة مع كاتبيْ وبطليْ العمل على أفكارهما المناقضة للمسار العام في البلاد.