غادر مرتين، وأغنياته عُرفت بأصوات غيره

المطرب "نهاد طربيه" غادر بيروت إلى مقر إقامته منذ 38 عاماً "باريس"ومنها إلى الدار الأخرى قبل أن يغادر مطارها إلى منزله، قالها لأهله هاتفياً بعد هبوط الطائرة "وصلت بسلامة وكل شي تمام بحكيكن من البيت بعد ساعتين"، لكن "أبو ياسمين" (في السابعة من عمرها من زوجته المغربية)، لم يتصل، وكانت مخابرة هزّت بيت ذويه "الأستاذ هبط ضغطو فجأة بالمطار ووصل عالمستشفى.. العوض بسلامتكن". كأنه زار بيروت لعدة أيام فقط لوداع أفراد عائلته المصابين بالذهول من وقع الخبر المحزن عليهم، وتحرك أشقاؤه فوراً لترتيب إجراءات نقل الجثمان إلى لبنان في أقرب وقت ممكن.

نهاد طربيه اسم على مسمّى عائلته

إبن الـ 68 عاماً، الودود، الخلوق، الهادئ، شاء قدره أن يغادر في عز عطائه وإنطلاقته إلى فرنسا، مفترضاً أن الحرب التي شُنّت على لبنان أواسط السبعينات لن تدوم كثيراً وبالتالي فهو قادر على ملء الوقت بمحاولة التواصل مع عدد من أركان النغم العرب في عاصمة النور التي عرفت نشاطاً غنائياً واسعاً هناك في تلك الفترة، وسرعان ما وجد مكاناً له في عز تألق نجوم "ستوديو الفن" ومنهم "وليد توفيق" وعدد من زملائه الذين أطلقهم المبدع "سيمون أسمر" إلى الفضاء العربي والإغترابي بسرعة الريح، وكان من حظه أن الموسيقار "محمد عبد الوهاب" دأب على تمضية جزء من إجازة الصيف في باريس بعدما حالت ظروف الحرب في لبنان من إمكانية الإقامة الصيفية في "صوفر" مسقط رأس "نهاد" الذي خدمه الحظ في وجود الإذاعي الديناميكي "حكمت وهبي" في إذاعة "مونتي كارلو" كواحد من نجوم الميكروفون في ذلك الوقت، وحصل أن حلّ "نهاد" ضيفاً على برنامجه المباشر على الهواء وغنّى مختارات من نتاج الموسيقار "فريد الأطرش"، وصودف أن "عبد الوهاب" كان على السمع فإتصل بالإذاعة ليقول على الملأ: "إنت مطرب كبير ومش غريب إن عيلتك مشتقة من الطرب طربيه" وتحولت المخابرة إلى أهم شهادة حازها "نهاد" في مسيرته الفنية.

وعلى ذكر "فريد" فقد آلى "نهاد على نفسه التعبير عن هيامه الخالص بفن هذا العملاق الذي يُعتبر مع الموسيقار "رياض السنباطي" وقليل غيرهما من أركان تجديد الموسيقى الشرقية الحديثة بعد "سيد درويش"، وخدمه في ذلك جانب رحب من الشبه في درامية الصوت بينهما، لكن القضية الأهم في صورة "نهاد" هي أن أغنياته الضاربة (بدنا نتجوز عالعيد، طيب جداً، مشوار الحياة، أنا فلاح، يا أميرة، وينا الزينة، بعز الليل، تريد تروح وتنسانا، القمر مسافر، لبنان يا حبنا، وغيرها) عرفت بأصوات غيره من المغنين لأنها إنطلقت من باريس حيث كان يغني "نهاد" في عدد من مرابعها العربية، ويصل الصدى الطيب والمدوّي إلى بيروت عبر مغنّي تلك الفترة وتصوّر كثيرون أنها لهم وليست لصاحبها الأصلي "نهاد طربيه".

صوت مشرق من معالم الزمن الجميل في عمر الأغنية اللبنانية، وله في أرشيفها الكثير مما يُثري ويعيش في الذاكرة لأطول فترة ممكنة، لفنان خطط في فترة سبقت رحيله بسنوات قليلة أن يُملي سيرة غربته فنياً وإنسانياً على كاتب موثوق لنقلها في كتاب ثم في حلقات تلفزيونية لما فيها من ومضات حب ودموع ونجاح.