"حكي رجال" يركز على النساء لأنهن مصدر الغم والسعادة في آن

غليان مسرحي على خشبات بيروت، إنه الموسم الناشط والمميز حيث يدلي مخضرمون وشباب بدلوهم رغبة في قول شيء عن الأوضاع السائدة أو إبتكار أفكار ذات بُعد إنساني. الجديد في هذا الإطار"حكي رجال" للمخرجة "لينا خوري" التي إنتظرت 10 سنوات بعد "حكي نسوان"، كي تدخل عالم الرجال وتباشر محاسبتهم متعاونة مع 5 ممثلين ومعها تنتصف الدزينة على المسرح في حراك على مدى فصل واحد تستقبله خشبة مسرح المدينة.

ليل الرابع من آذار/مارس الجاري إفتتحت المسرحية في حفل حاشد لمدعوين من مجالات الفن والإعلام والأصدقاء، وشهد العرض تجاوباً مع بساطة وقوة تعبير السينوغرافيا لـ "حسن صادق"، وبعض العبارات والمواقف التي تسمّي الأشياء بأسمائها في الصور المرسومة عن الجنسين وتهمة لا ينفيها الرجال بأن المرأة هاجس دائم يملأ حياتهم على مدار الوقت، وهي خلاصة العمل الذي تعاونت على نصه المخرجة مع زميليها "فؤاد" و"غبريال يمين"، و"رامي الطويل"، وجاءت النتيجة إضاءات متفاوتة على قضايا عديدة تعود سريعاً إلى منبع واحد هو الجنس، وهي صورة نمطية لكنها حقيقية تؤشّر على أن الرجل في عالمنا العربي محكوم بهواجسه تجاه الجنس الآخر، وليس التفكير في أمور مصيرية حساسة تشغل المجتمع، لتضيع معها إعتبارات ذات شأن ووزن لا تعود تعرف طريقها إلى التناول والمعالجة.

"لينا" تبني عملها على بحث تجريه عن أدمغة الرجال وماذا يشغلهم من الإحباطات والطموحات في آن، من خلال 5 رجال (غبريال يمين، فؤاد يمين، طارق تميم، طوني معلوف، جوزيف زيتوني) تطرح عليهم سؤالا واحداً عن معنى الرجولة، وما إذا كانوا يمثلونها، ولم يعجبها أي جواب أو شرح، معتبرة أن الكذب يمثل مئة في المئة "ملح الرجال"، لتنقلب الآراء ضدها عندما تخرج من الكادر المسرحي منكفئة إلى الكواليس ليباشر الرجال مصارحاتهم إستناداً إلى وقائع وتجارب متناقضة لا تُخطئ الهدف الأول وهو المرأة بكل ما تمثله في المجالين المعنوي والمادي، ويبرز هنا الممثل "غبريال يمين" عبر مونولوغ مؤثر وطويل، يعيد ترتيب أوراق الموضوع ووضعه في نصابه، طالما أن الأجواء مائلة إلى التصالح مع الواقع السلبي وتداعياته.

إحتاجت المسرحية إلى محفّزات أقوى لمتابعتها، التشكيل التمثيلي جيد، لكن توزّع عناصره على الخشبة كان جامداً لولا التعويض ببعض الإنفعالات التي أبرزها الممثلون كل على حدة في مونولوغات مستقلة خيم عليها التطويل والحس التوجيهي، لتبقى الصورة نموذجية في تحريك الأحداث والنقاشات في إتجاه الهدف المبنية عليه المسرحية أصلاً وهو "المرأة"، وهذا ليس إبتكاراً ولا إكتشافاً، بل المهم كيفية معالجة هذه اللوحة الأقرب إلى الموزاييك في توزّع أجزائها وتداخلها حتى الصميم مع باقي عناصر اللوحة المشهدية التي علق في أذهاننا منها حضور "طارق تميم"، والمميزان "غبريال" و"فؤاد يمين"، وحتى أداء "جنيد زين الدين" بالصوت لشخصية "عزيز" كان لافتاً بطرافته وخفة دمه.