شعلة بعلبك .. إنطفأتْ

جمالها الطاغي رافقها حتى الشيخوخة. وكانت تتباهى بأنها لا تلبس إلاّ أجمل القصّات وأبهى الألوان بحيث تكون متصالحة مع نفسها الشفافة والشغوفة بالحياة كما هي. وظلّت السيدة "مي عريضة" على هذا النهج حتى وافتها المنية وهي في الـ 92 من عمرها الذي عاشته نشاطاً ونجاحاً وعلاقات ممتازة مع أرفع الشخصيات والقادة في محيطنا العربي الأوسطي والعالم، حاضرة بطلاوة روحها وجمال طلتها تدير أهم وأعرق مهرجانات لبنان في قلعة بعلبك مستقبلة أهم الكبار في العالم ومنهم كوكب الشرق السيدة "أم كلثوم" وهاهي شعلة بعلبك السيدة "مي" تنطفئ قبل الإحتفالية التكريمية لـ "الست" في برمجة المهرجان هذا الصيف.

الرئيسة الفخرية للجنة مهرجانات بعلبك الدولية، لم تترك صرح ومهمات وحيثيات المهرجانات رغم عبء السنين ووهن أطرافها في مساعدتها على الحركة، وظلّت تتقدّم الحضور في معظم حفلات برمجة فصول الصيف المتتابعة متحملة إرهاق الإنتقال مسافة بعيدة إلى مدينة الشمس، والسهر حتى ساعة متأخرة من الوقت ومن ثم العودة إلى بيروت وهكذا مع كل الضيوف. وقد تحدثنا إليها الصيف المنصرم وكانت محاطة بجمع من السيدات، وبادرناها "أليس مرهقاً إنتقالك إلى بعلبك أم أن الهمّة جيدة" وردّت بسرعة "بموت إذا بلّش بعلبك وأنا ببيتي.. صدّقني هون بيتي"، وتابعت وتبعناها إلى حيث إستقرت على أحد مقاعد الصف الأول لتكون في إستقبال كبار الضيوف من نجوم ورسميين وشخصيات الذين يعنيهم تاريخ المهرجان ويهمهم متابعة المواهب الكبيرة التي تُدعى لتقديم ما عندها في فضائه الشاسع.

كان طبيعياً أن تحتفي بها الدولة اللبنانية على أرفع مستوى، فقد نعاها رئيس الحكومة "سعد الحريري" معتبراً "أنها صنعت مجداً للبنان يعانق أعمدة بعلبك، رحلت وفي خزينتها مهرجانات فرح وإنفتاح وثقافة، ستبقى علامة فارقة في تاريخ السياحة اللبنانية"، ووصفها وزير الثقافة الدكتور "غطاس خوري" بـ "الشخصية النسائية الرائدة التي عملت على إبراز وجه لبنان الحضاري والثقافي وحفظ مكانة له على خارطة المهرجانات الدولية، وكانت السيدة "مي" (إسمها قبل الزواج من كارلوس عريضة: مي الخوري سعادة) أفاضت في الكلام عن حياتها العامة والخاصة إلى المخرج اللبناني المقيم في باريس "نبيل الأظن" فنشر كتاباً عنها بعنوان "حلم بعلبك"، وهي التي ما تركت مناسبة إلاّ وإستغلتها في سبيل تدعيم صورة المهرجانات وإعلاء شأنها.

حضور السيدة كان في مجالات عدة، سياسية، ورياضية (في مجال التزلج على الماء)، ولم تكن لتغيب عن أبرز الإحتفالات والأحداث، بحيث كانت تشع جمالاً وحضوراً آسراً، أعطى دفعة إيجابية على الدوام لجهدها في تنظيم دورات مهرجانات بعلبك بين عامي 1973 و 2016.