"هنا القدس" إذاعة العرب من فلسطين قبل 83 عاماً

على خشبة "مترو المدينة" في بيروت أمضى تخت شرقي من 6 عازفين ليلة (في 2 نيسان/إبريل الجاري) طربية بإمتياز عنوانها "هنا القدس"، مع 3 أصوات تتقدمهم "سلوى جرادات" رافقها في بعض الأغنيات العوّاد "فراس العنداري"وزميله على الإيقاع "سماح أبو المنى"، أعادتنا 83 عاماً إلى الوراء في نوستالجيا الحنين إلى فلسطين ومعالم الفن فيها من خلال ما كانت تقدمه هذه الإذاعة العريقة لأمة العرب في المنطقة من أغنيات.

أهم ما في العرض إستعادة تعريفات بصوت مذيع من تلك الحقبة، وإحياء باقة من الأغنيات التي ذاعت أواسط الثلاثينات (الله يا رب العباد، أرق ما في عيونك، سألت قلبي كثيراً، على فين ما تقولي، آمنت بالله، حلو يا برتقان طيب يا برتقان، كل الجراح مع الزمان تروح، تعذيب قلبي في هواك حناني، آه يا عيني يا كبدي عليه (ديالوغ – مع سلوى وسماح)، بتريد إبقى بالأوضة (ديالوغ ثان)، فرّق ما بينا ليه الزمان، يا دي النعيم اللي إنت فيه يا قلبي، وعلى بلد المحبوب وديني) وهي تتراح بين الطقاطيق والأدوار، والقصائد الدينية والمونولوجات لـ (أم كلثوم، أسمهان، ليلى مراد، محمد عبد الوهاب، لور دكاش، إيليا بيضة، سيدة حسنو، أحمد الشريف)، ومعهم المغنون المحليون من فلسطين (روحي الخماش، يحيى السعودي، ثريا قدورة، ماري عكاوي، ومحمد غازي).

أهمية هذا الحدث الفني لم تكن إذاعية فقط لأن صوت المغنية "جرادات" أعاد النكهة القديمة الأصيلة لكل الأغنيات الـ 15 التي أدتها بثقة وثبات وإتقان وصوت كأنه عابر للزمن قي رحلة عودة جميلة إلى مناخ وأجواء الغناء في حقبة أواسط  الثلاثينات وما تلاها، وتكاملت الصورة سماعاً مع دخول عازف العود "فراس العنداري" على خط الأداء لنعرف جيداً أننا أمام سهرة طربية غير عادية، تمت دراستها بعمق لكي تتلاءم مع صورة الأيام الخوالي التي كان فيها الغناء ينتقل من التتركة إلى الفعل العربي المحلي بشكل تدريجي وهي حقبة لمع فيها نجم سيد الملحنين "سيد درويش" الذي مهّد الطريق بعدها للموسيقار "محمد عبد الوهاب" كي يباشر عملية تحديث وعصرنة الأنغام العربية، وكم يصلح الثنائي "جرادات"- "عنداري" لتولّي مهمة إحياء حقبة الغناء الأصيل بصوتيهما المنسجمين والمتآلفين والجميلين لرسم صورة حقيقية تعبّرعن تلك الحقبة.

إذاعة "هنا القدس" شكّلت المدخل النموذجي للولوج إلى مدارس الغناء التي كانت سائدة في الثلاثينات، وقد إستوقفتنا أخطاء لغوية عديدة إرتكبها المذيع وهو يعرّف الأغنيات التي ستبث عبرأثير الإذاعة من دون معرفة السبب، وسينتظر الراغبون في التمتع بأجواء السهرة مجدداً، حتى الثلاثين من نيسان/ إبريل الجاري موعد الحفل المقبل لهذا الفريق المتجانس والرائع.