"من 30 سنة" شاهده المصريون ثم تركوه للفيديو

المشكلة الكبيرة التي تواجه السينما المصرية منذ سنوات أن أفلامها تُصوّر للمصريين فقط الذين يشاهدونها على شاشات صالاتهم ثم يدفعون بها إلى مكتبات الفيديو أو القراصنة الذين يبيعونها بأبخس الأثمان، ويبقى أن المشاهد العربي عليه أن يبحث عنها في لوائح التهريب لكي يختار منها ما يعتبره مميزاً، ونحن وقعنا على صيد ثمين بعنوان "من 30 سنة" للمخرج "عمرو عرفة" عن نص رائع لـ "أيمن بهجت قمر" والتمثيل لباقة من الأسماء.

نعم إن شريط "من 30 سنة" عمل وازن، نخبوي، كل من فيه نجم في مكانه ودوره، وهو يملك خاصية البعد السياسي في طياته من دون أن يكون مباشراً في مواقفه، لكنها الأحداث التي تبدأ في النصف الثاني من الخمسينات بما يعني أنها في عهد الثورة، وإذا ما أضفنا عليها 30 عاماً تصبح في أواخر الثمانينات يعني الفترة التي أعقبت إغتيال الرئيس السادات (1981) وبالتالي تداعيات سياسة الإنفتاح والثراء الذي أصاب فئة قليلة من الناس على حساب إفقار فئة كبيرة من الشعب، وهذه الصورة هي ما إستند إليها نص الشريط من خلال عائلة عملت في تجارة الأسلحة وترك لهم سيدها إمبراطورية من الثروة ورغم أنه أوصى بالعدل في توزيعها على أبنائه وأحفاده إلاّ أن الطامعين حازوا حصصاً أكبر وعانى آخرون من القلة والعوز أبرزهم "عماد" (أحمد السقا).

وإذ نتخيل أن الشاب الذي يمارس الكتابة "عماد" هو نموذج للعصامية ونظافة الكف نكتشف في خواتيم الأحداث أنه لا يقل سوءاً وفساداً عن قريبه "عمر" (شريف منير) الذي إدّعى أنه جنى ثروة أورثه إياها عجوز بريطاني في لندن بعدما خدمه في آخر أيامه قبل الموت، بينما الحقيقة أنه كان سجيناً في مصر بتهمة السرقة والإحتيال وعندما غادر إلى الحرية إسترجع ما خبّأه من مال، وأطل على أفراد عائلته مقدّماً إليهم مساعدات مادية كريمة تساعدهم في تحسين أوضاعهم المعيشية، لكن في حقيقة الأمر أنه خطط ونفّذ بنجاح عمليات إغتيال لثمانية منهم وكان هو التاسع، بتواطؤ وتعاون من "عماد" والذي كشفته الفتاة الفقيرة التي تكتب الشعر "حنان البغدادي" (منى زكي) التي تزوجت من "عمر" بعدما أغرق زوجته "رشا" (نور اللبنانية) وحماته (ميرفت أمين) في تدهور سيارة.

"حنان" التي تزوجت من "عماد" بعد ذلك كشفت له عن تسجيلات هاتفية بينه وبين "عمر"، تُثبت تعاونهما معاً في كل عمل سلبي قام به الأول، عندها يهاجمها ويوسعها ضرباً، وسرعان ما ينضم لركب الراحلين من أفراد العائلة، وتنتقل التركة كلها إليها عندها تدعو والدها (محمود الجندي) الذي يجلب معه زوجاته العديدات وأبناءه الكثيرين ويحتلون البيت الكبير ليُعيدوا تشكيل قصص جديدة قديمة عن عائلة تبدأ واحدة ثم تتفكك وتخسر العديد من أفرادها ثم تنقرض. شارك في باقي الأدوار البارزة (أحمد فؤاد سليم، صلاح عبد الله، رجاء الجداوي، جميلة عوض، نبيل عيسى، محمد مهران) وصوّر المخرج "عرفة" (نجل سعد وشقيق شريف) الفيلم بين لندن والقاهرة، ليضيفه إلى أعماله السابقة (أفريكانو، السفارة في العمارة، جعلتني مجرماً، الشبح، إبن القنصل، ألزهايمر، وسمير أبو النيل).