بيروت بيت بيوت: الثلاثية إكتملت..ماذا بعد؟؟

"بيروت طريق الجديدة"."بيروت فوق الشجرة". واليوم يعرض الثنائي الكاتب والمخرج "يحيى جابر"، والممثل "زياد عيتاني": "بيروت بيت بيوت"في فصلين على مسرح فردان، لتكتمل ثلاثية مسرحية حظيت بحضن جماهيري، وترحيب نقدي، مع محور شكّل السمة الرئيسية دائماً، ألا وهو العنصر المذهبى الذي يضحك الجميع على مفارقات السنة والشيعة، مضافاً إليهما الروم الأرثوذوكس هذه المرة.

زياد عيتاني كما ظهر في آخر أعماله: بيروت بيت بيوت
استطاع الممثل "زياد" أن يجد مكاناً له على الخشبة اللبنانية، وأن يكوكب حوله جمهوراً خاصاً يقصده، يتفاعل معه، ويترقب جديده لمعرفة إلى أين تذهب به الأعمال المتلاحقة، ومع ثالثة الثلاثية، إطمأن الجميع على أن الأمور تسير في الإتجاه الصحيح وأن ما ظهر حتى الآن جدير بالتهنئة. إنه يتمتع بذاكرة فولاذية لأنه يتنقل بين الشخصيات والحكايات برشاقة وثقة، وحيداً على الخشبة، ينطق بعدة لهجات وطبقات صوتية، مقلّداً حيناً، مستعيناً على السيناريو بملء فراغ غياب الممثلين أمامه، ويقوم صوته بالواجب، جاعلاً من الخشبة بكاملها ملعباً له بعدة شخصيات يقدّمها بالصوت، من والديه إلى زياد الطفل إلى زوجته جومانة بيضون، إلى كل من تناوله بالكلام لكي تستقيم الصورة أمامنا: ممثل واحد بدزّينات من الشخصيات من الجنسين.

 

يبدأ السياق المسرحي في 13 نيسان/أبريل1975 التاريخ المعتمد لإنطلاقة شرارة الحرب اللبنانية، وهو أيضاً تاريخ ميلاد زياد نفسه، إلاّ أنه وبسبب سماعه أزيز الرصاص في بطن والدته رفض الخروج إلى الدنيا والأوضاع غير مستقرة، لكن االتطمينات لم تتوقف: ساعتان ويتوقف كل شيء،لكن الحرب إستمرت 15 عاماً متلاحقة وتوقفت حرب البارود لتحلّ مكانها حروب سياسية، إجتماعية، ثقافية، لا يبدو ممكناً وقفها في المدى المنظور على الأقل، ولأن العنوان: بيت بيوت، فالصورالتي إشتغل عليها:"جابر"تصب في هذه الخانة بالذات، معطياً مساحة رحبة للبيت الزوجي، زياد وجومانة ومعهما صبي وبنت، وصياغة هنا لمفارقات وتصرفات الزوجة والولدين وعلاقتهم بالوالد الذي يسخر من تحديد عيد للأب صيفاً بحيث لا يتذكره أحد بينما يُعطى للأم أحلى أيام الربيع لكي تحيي عيدها، مع حيثيات مختلفة عن علاقتها بالأولاد وكيف تستخدمهم ضد والدهم بطرق عديدة لتطبيق خططها المنزلية.

 

تطول المشهديات، تعرض بكثرة، تتدفق، وزياد يلهب المادة النصيّة بمهارة فطرية تكمن أهميتها في أن هذا الممثل الإكتشاف فعلاً لا يفكر في الذي سيقوله، بل يقنعنا مئة في المئة بأنه يرتجل ما يقوله، يبادر به بتلقائية صاحب الخبرة، وهي إشارة نموذجية تؤكد أن هناك إمكانية بعد إنجاز الثلاثية بين "يحيى" و"زياد"، أن يعمدا معاً إلى إستنباط إطار لزياد يدل عليه، ويتم تطويره وفق تعاقب المشاريع المنفذة بين الطرفين،بحيث لا تظل الطاقة الإضافية في موهبته مهدورة، وغير قادرة على الظهور، وهي مهمة تبدو ملحة في المرحلة المقبلة، التي تفترض تجاوز التجريب إلى تحديد القواسم والأهداف. ما أنجز حتى الآن رائع بكل المقاييس المعروفة، ولأن الإستمرار ضروري تبرز الحاجة إلى جلسة تقييم لما قدّم وما يجب أن يتم تحضيره لاحقاً.