حرب لبنان أطفأت 42 شمعة: السينما مقصرة والأوفى"بغدادي" و"دويري".

يصعب تصديق أن مدة تقترب من النصف قرن تكاد تمر على الحرب التي شُنّت على لبنان بين عامي 75 و90 لم توثّق بشكل حيادي لكي تعرف الأجيال المتعاقبة عندنا، كامل التفاصيل والخلفيات بشكل واضح خصوصاً بعد مرور فترة كافية عليها تسمح بقراءة جريئة وشفافة تنتشلها من صورتها الطائفية في المظهر، وتضعها في إطارها السياسي العميق والحقيقي الذي يؤكد وجود مؤامرة لإسقاط بلد صغير جداً في مساحته كبُر أكثر مما هو مسموح في منطقة يريد الغرب أن تظل هناك هيبة وتفوق وأولوية لكيان عنصري مغتصب إسمه إسرائيل لم يزل منذ العام 1948 يفعل المستحيل من أجل عدم السماح لأي عربي برفع الرأس، ولأننا في لبنان كنا البلد المضيء إقتصادياً وسياحياً وثقافياً فقد وجب تحويلنا إلى كيانات متفرقة ومتنافرة طائفياً ومذهبياً كون هذا الجانب هو الأسهل إثارته لإسقاط هذا الكيان في غياهب الفوضى والصراعات والمواجهات، فحدث ما حدث.

حروب صغيرة خلال التصوير في وسط بيروت
كم كنا نتمنّى أن نفوز بعمل مرئي يحمل تفاصيل هذه الصورة فقط لتبيان من خطّطوا وساهموا ونفّذوا المؤامرة الأكبر في الربع الأخير من القرن العشرين، لكن المشكلة كانت دائماً من سيقوم بهذا الدور، ونحن بثقة مطلقة نشير إلى أن كاتباً وباحثاً ومؤرّخاً في حجم الأستاذ جورج غانم (الأشهر كمذيع سابق في الـ أل بي سي،شقيق مرسيل) سيكون أفضل خيار لهذه المهمة بعدما أثبت في نصّين وضعهما للمخرجين "سمير حبشي" و" هادي زكاك" لفيلمي" سيدة القصر" و" كمال جنبلاط: الشاهد والشهادة"، أنه جدير بالتصدّي لهذا الموضوع مدعوماً من منتج على مثاله في الإستقلالية والموضوعية، على أن يكون المخرج إمّا سمير أو هادي.

لقطة من فيلم (غرب بيروت) لـ زياد دويري
نعم عندما صوّر الراحل الكبير "مارون بغدادي" حروب صغيرة" أو "زياد دويري"" بيروت الغربية" أو عندما إشتغل "برهان علوية" على رمزية منع اللبنانيين من التلاقي والتواصل في عمله الجميل"بيروت اللقاء"، كانت الغاية محاولة رسم إطار للحرب والقول إن اللبنانيين كانوا ضحية ذاك العبث المجنون الذي دمّر معالم البلد، وأوقف نموّها وحال دون أن تتمكّن من مجاراة الأمم الأخرى في إختبار الحياة، وتطوير البلد الذي ننتمي إليه، حيث تذهلنا صور النهب التي تعرض لها وما يزال إلى اليوم، لندرك ببساطة كم كان لبنان أواسط السبعينات بلد خيرات وثروات لم تنضب إلى اليوم رغم كل السرقات العلنية التي تعرض لها.

نعرف جيداً أن هناك وجهات نظر مختلفة وغالباً متناقضة حول كتاب التاريخ الذي سيدرّس ويشمل في تغطيته حقبة الحرب على وطننا، فقط لأن كل طرف سياسي يريد أن يكتب التاريخ على هواه، بحيث تبقى الحقيقة أسيرة التجاذبات بين القوى الفاعلة في البلد، لكن علينا ألاّ ننسى أننا شعب يتغنّى بالحرية ويعتبرها مقدّسة وممنوع المساس بها تحت أي ظرف، يعني هناك نافذة مشرعة للمستقلين كي يقولوا الحقيقة طالما تحكمهم صورة واحدة هي تفاصيل ما حصل حين إستُهدف لبنان ولم يسقط رغم كثرة الضربات اللئيمة على الرأس، ولنا في تجربة طازجة جداً تتمثل في الإختراق الذي حققه السيد جاد ثابت في إنتخابات نقابة المهندسين، كشخصية مستقلة هزمت تكتلاً حزبياً واسعاً، يعني فلنراهن على أصحاب الفكر المستقل لكي ننال مطلبنا البسيط في كاتب سيرة محايد يرصد التجربة المُرّة التي عشناها، لربما تعلمنا منها كيف نحب بعضنا البعض، ونحفظ وطناً أعطانا الكثير ولم نبادله ما يستحق من عطاء.. وهي فرصة متاحة حالياً لكي نقوم بالخطوة الصحيحة.