"فينيقيا الماضي والحاضر" لـ "كركلا": المشهدية إنحازت لـ بيبلوس اليوم

إنها المسرحية الـ 17 في تاريخ فرقة "كركلا" العريقة الذي بلغ هذا العام النصف قرن. "فينيقيا الماضي والحاضر" التي عُرضت على خشبة مهرجانات بيبلوس الدولية ليلتي 17 و18 آب/أغسطس، وسط إقبال كثيف على حضورها وإشادات نقدية وجماهيرية واكبتها، مع تشديد على خصوصية المستوى الفني، وتميّز العنصر المشهدي بإبهار لا نعرفه إلاّ مع الفرق العالمية، و"كركلا" إحداها.

هي المرة الأولى التي يحصل فيها تعاون بين "كركلا" ومهرجانات بيبلوس، وجاء إختيار الموضوع موفقاً جداً. فـ "جبيل" إحدى أقدم المدن في التاريخ السحيق، والأكثر مواكبة للحضارة والتقدم والعصرنة هذه الأيام، هي الموضوع الذي يتأرجح بين الحضارتين، يقرأ ماكانت عليه المدينة الفينيقية في فجر وجودها وما إستطاعته اليوم من تلازمها مع كل معالم التطور بحيث أصبحت واحدة من أهم المدن السياحية في المنطقة، ينصهر فيها عنصرا الزمن بكل مندرجاته وملامحه البدائية، وصور الراهن من الحياة الزاخرة بكل معالم التقنية والعصرنة. هذا الدمج إشتغل عليه عمل "كركلا" الجديد وجاءت النتيجة لصالح الحاضر بكل ما يُعبّرعنه من مظاهر البهرجة والألوان ومعالم الموسيقى الضاجّة بالحياة ومعانيها وصولاً إلى تتويجها بالرمز الأبدي للحضارة قديمة كانت أم حديثة.

العمل الذي كتبه وصمم ملابسه الأستاذ المؤسس "عبد الحليم كركلا"، وصمم خطواته ولوحاته "أليسار كركلا"، أخرجه "إيفان كركلا" الذي فاق والده في عدد المسرحيات التي أخرجها للفرقة حتى الآن، بما يعني أن الإرث إنتقل بكامل ثقله وحيثياته وتفاصيله إلى "إيفان" الذي يمتلك عنصرين قويين في مهمته:ثقافته الأكاديمية في إنكلترا، والخبرة الميدانية التي إكتسبها من معايشته الوالد المؤسس في المنزل ومسرح الإعداد لكل المسرحيات التي قدمتها الفرقة. وبدت المشهدية ثرية في العمل الجديد على عادة الفرقة منذ العام 1972 (اليوم بكرا إمبارح) وحتى 2016 (إبحار في الزمن) وهي الصورة التي عرفناها مع الـ 14 مسرحية الأخرى التي قدمتها الفرقة ما بين لبنان والعالم، وها هو الفريق التمثيلي للوحات يبدو ثابتاً في معظم الأعمال الأخيرة (هدى حداد، منير معاصري، جوزيف عازار، غبريال يمين، و رفعت طربيه).

المشهدية متألقة محلقة وعلى مستوىً متقدم ومبهر، واللوحات الراقصة أكثر من ساحرة، مع ملابس لا تقل أهمية عن شفافية الحركة وطواعية الراقصين، وموسيقى إختارها الأستاذ "عبد الحليم"، إنسجمت بشكل متماهٍ مع قوة وحماوة الرقصات على مدى الفصلين، وكم أحببنا مقدمة المسرحية أو المدخل الفني إليها طوال بضع دقائق وتمنينا لو طالت هذه الفقرة أكثر لكي نتمتّع بروح التاريخ أكثر خصوصاً وأنه لم يأخذ حقه كاملاً أمام الحاضر من ضمن لعبة التوازن المطلوبة لأن المسرحية إنحازت إلى بيبلوس اليوم.