التطبيع العسكري مع الاحتلال.. خطورة أمنية وأطماع إسرائيلية

أمام الخطى المتسارعة لدول التطبيع مع "إسرائيل" في توقيع اتفاقيات في المجال العسكري، ما الهدف من هذه الاتفاقيات وزيادة التسلح؟ وما المخاطر التي ستنتج من هذا النوع من التطبيع؟

  • التطبيع العسكري مع الكيان.. مخاطر وأطماع إسرائيلية
    التطبيع العسكري يضمن تفوّق "إسرائيل" العسكري والأمني النوعي

بعد تطبيع بعض الدول العربية مع الاحتلال الإسرائيلي في مجالات متعددة، بدأنا نشهد في الأيام الماضية تطبيعاً من نوع مختلف، وربما يكون أخطر، لكن لا يتم الحديث عنه كثيراً، هو التطبيع العسكري الذي يراد منه تشكيل تحالف عسكري في المنطقة، لمواجهة إيران، كما ذكرت تقارير إسرائيلية.

في هذا الإطار، أجرت البحرية الأميركية والإسرائيلية مناورات، بمشاركة بعض الدول الخليجية، في منطقة البحر الأحمر، وتحديداً في الجزء الشمالي منه، الأمر الذي أثار تساؤلات حول أهدافها، وخصوصاً أن هذا البحر يشكّل العمق الاستراتيجي للسعودية والأردن ومصر والسودان واليمن.

وسائل إعلام إسرائيلية كشفت أنّ "المناورة تأتي بصورة خاصة ضد التمركز الإيراني في البحر"، وخصوصاً في ظل القوة الفاعلة لإيران في البحر، والتحركات الأخيرة التي كانت مقلقة لكل من الولايات المتحدة و"إسرائيل".

ووفقاً للتقارير، فإن جزءاً من الاستراتيجية الإسرائيلية في البحر الأحمر هو إطلاق يدها بشكلٍ يتيح لها السيطرة الكاملة عليه وفرض الرقابة، ما يشكّل خطراً على حرية الملاحة والتجارة البحرية التي تستفيد منه مصر واليمن تحديداً.

تطوير التعاون طويل المدى مع الاحتلال

من المناورت الإسرائيلية الخليجية المشتركة، نصل إلى شركة "البيت سيستمز" الإسرائيلية لتطوير الأسلحة، التي افتتحت مؤخراً فرعاً لها في الإمارات، قبيل زيارة مرتقبة لوزير "الأمن" الإسرائيلي بيني غانتس إلى دبي. وأوضحت الشركة الإسرائيلية أن "فرعها في الإمارات يعمل على تطوير التعاون طويل المدى مع الجيش الإماراتي"، وأنها "ستدير عمليات تنسيق الحلول التكنولوجية للمستخدمين، وستقود نقل تكنولوجيا إلى الشركاء المحليين".

دبي أيضاً عملت على تطوير التعاون العسكري مع "إسرائيل" في مجالات أخرى، ومنها التكنولوجيا العسكرية، حيث قالت شركة صناعات الطيران والفضاء الإسرائيلية إنها ستتعاون مع شركة إيدج الإماراتية المتخصصة في التكنولوجيا المتقدمة في قطاع الدفاع، لتطوير نظام دفاعي متقدم مضاد للطائرات المسيرة.

يلتحق المغرب بالدول المطبّعة لتعزيز "التعاون" العسكري مع "إسرائيل"، إذ أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية أن غانتس وقّع خلال زيارته إلى الرباط مذكرة تفاهم مع المغرب تحدد التعاون الدفاعي بين البلدين.

رئيس الدائرة السياسية الأمنية في وزارة "الأمن" الإسرائيلية، زوهار بالتي، قال إن الاتفاق الأمنيّ الذي وقّعه غانتس في المغرب سيسمح "بسياسة مشتركة في المناورات والمعلومات".

وكشفت مجلّة "أفريكا إنتليجنس" الفرنسية أنَّ المغرب أنشأ وحدة متخصّصة في تصنيع وتطوير طائرات مسيرة إسرائيلية وتطويرها في أراضيه، في إطار "تعزيز تعاون أمني وعسكري إسرائيلي مغربي"، وأنَّ هذه المسيّرات مصمّمة لتدمير قواعد الدفاع الجوي وأنظمة الرادار.

ضمان تفوّق "إسرائيل" العسكري والأمني

الجدير ذكره هنا أنَّ "إسرائيل" تسعى دائماً إلى ضمان تفوقها العسكري والأمني النوعي في المنطقة، ففي أي علاقة عسكرية بين "تل أبيب" وعواصم التطبيع، ستستفيد "إسرائيل" منها أكثر بكثير من الاستفادة التي ستقدمها لهذه الدول، وستأخذ أكثر مما تعطي، وهذا ما يشير إليه الكثير من المحللين.

لا يوجد أي مانع أخلاقي أو سياسي لدى "إسرائيل" في التجسس على أقرب حلفائها، وهذا ما فعلته مع حليفتها "الأوثق" الولايات المتحدة، إذ أدرجت وزارة التجارة الأميركية شركة "إن إس أو" الإسرائيلية التي طوّرت برنامج "بيغاسوس" للتجسس ضمن قائمة الشركات المحظورة، لأنها تشكل تهديداً للأمن القومي الأميركي.

يُشار إلى أن فتح أبواب بعض العواصم العربية لـ"إسرائيل" في الجانب العسكري سيتيح الفرصة أمام الكيان وأجهزته الاستخبارية للتجسس والمراقبة.

وبحسب التقارير، فإنَّ أحد أهم المخاطر للعلاقات العسكرية العربية الإسرائيلية هو الانكشاف التام لهذه الدول أمام "إسرائيل"، وهذا يتيح للإسرائيليين فرصة محاصرة المنظومة العسكرية العربية واختراقها، وربما في أوقات لاحقة "إعطابها"، وذلك على قاعدة أنه "لا يجب أن يكون هناك دولة في المنطقة تتفوق في أي جانب عسكري على قدرات الكيان".

أمام الخطى المتسارعة لدول التطبيع مع "إسرائيل" في توقيع اتفاقيات في مجال التطوير العسكري، ما الهدف من سباق التسلّح هذا؟ هل هو تحضير لخوض حروب أم تعبير عن حالة قلق وعدم اطمئنان؟ وهل يتماشى امتلاك السلاح الإسرائيلي مع مزاعم "التعايش والسلام" لتلك الدول المطبعة؟

  •  وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس وهو يوقع مذكرة أمنية مع الوزير المنتدب المغربي عبد اللطيف لوديي (.A.F.p)
    وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس خلال توقيعه مذكرة أمنية مع الوزير المنتدب المغربي عبد اللطيف لوديي (أ ف ب)

الاحتلال جعل المغرب بوابة ومعبراً لأطماعه

يُشار إلى أنَّ منسق الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، عبد الصمد فتحي، علّق على تطبيع بلاده مع الاحتلال، قائلاً إن الكيان الإسرائيلي جعل من المغرب بوابة ومعبراً لأطماعه في دول المغرب الكبير وفي باقي دول أفريقيا، كما يريده أن يقوم بالحرب بالوكالة عنه في محوره التحالفي.

وبخصوص زيارة وزير الأمن الإسرائيلي إلى الرباط، لفت إلى أنّ "التطبيع العسكري مع الكيان الصهيوني يكتسب خطورتين، بغض النظر عن آثاره وانعكساته على القضية الفلسطينية والأمن القومي وما يمثله من تردٍ أخلاقي وقيمي".

الخطورة الأولى، وفقه، مرتبطة بأمن المغرب واستقراره، فالتطبيع مع محتل له مشروع وأطماع توسعية وله سوابق في الغدر والخيانة، ثم نستأمنه على جيش البلد ونسمح له باختراقه لهو الحمق بعينه، أو لهي لخيانة العظمى للدين والوطن.

أما الخطورة الثانية، فتعني أمن المنطقة واستقرارها، فلن يتوانى المحتل عن إشعال نار الفتنة والحرب بين دول المنطقة حتى يتحقق مراده، ببيع الأسلحة ووهم الدعم، وإضعاف وتقسيم دول المنطقة والضغط على غير المطبع حتى يطبع ضد إرادة شعبه. وتوظيف المغرب في تحالفات ومحاور عسكرية لا ناقة ولا جمل للمغرب فيها.

ماذا بعد التطبيع العسكري؟

في هذا الإطار، يؤكد الخبير في الدراسات الأمنية والاستراتيجية أحمد ميزاب للميادين نت أنّ التطبيع العسكري مع الاحتلال "معناه تفكيك المنطقة العربية وتهديد الأمن القومي العربي".

وإذ أعرب عن خشيته من "دقّ آخر مسمار في نعش التماسك والتضامن العربي، حيث سيكون بمثابة بيع القضية الفلسطينية بأبخس الأثمان"، شدد على أن "التطبيع العسكري مع الكيان الصهيوني معناه اختراق للمنظومة الأمنية العربية وانكشاف استراتيجي عربي بالنسبة إلى الكيان الإسرائيلي الذي يشكّل خطراً على أمن المنطقة واستقرارها".

وشدد ميزاب على أن "التطبيع العسكري المغربي مع الاحتلال هو استكمال لمحاور مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يمتد من الخليج إلى المحيط، وهو مكسب استراتيجي قُدّم مجاناً للاحتلال وعلى طبق من ذهب". 

كما رأى "أن الأمن القومي للمنطقة المغربية مهدد، لأن ما يقوم به النظام المغربي هو انتحار، وهذا الانتحار سيعجّل تفكك المنطقة وانتكاسها".

تأثيرات سلبية في واقع القضية الفلسطينية

ولا بد من أن يؤثر هذا المنحى التطبيعي في القضية الفلسطينية، عن ذلك يقول ميزاب: "لقد تمّت محاصرة القضية الفلسطينية، وأصبح الاحتلال ينفرد بالساحة، وبات لديه متسع للتحرك والتوغل والاختراق، لا بل أصبح يتحكم في قواعد اللعبة في المنطقة، ويتحكم في إيرادات الدول، فحجم استفادة الاحتلال من التطبيع بلا حدود، لأنه استطاع أن يحقق مكاسب استراتيجية لم يحلم بها منذ عقود".

وعقّب قائلاً: "للأسف، القضية الفلسطينية وجدت نفسها خارج البيت العربي الرسمي، وتحوّلت من قضية الأمة العربية إلى قضية الشعب الفلسطيني، وهذا خطر، لأن الهدف كان عزل القضية الفلسطينية، وإخراجها من عمقها العربي، والانفراد بالشعب الفلسطيني، وإسكات الصوت الفلسطيني في المحافل الدولية، وهو حتى إن وجد، فسيكون ضعيفاً أو غير مسموع. وللأسف، إن ما حدث له تأثيرات سلبية في واقع القضية الفلسطينية".

أمن الدول في خطر

وبعد توقيع مذكرة التفاهم الأمني مع المغرب، يقول ميزاب: "إنَّ التوجه نحو بناء قواعد عسكرية مع الكيان الصهيوني وإبرام اتفاقيات أمنية معه، معناه انكشاف استراتيجي للقدرات الدفاعية للمنطقة، وأن المنطقة أمنياً ستتحول قدراتها الدفاعية إلى أدوات يتحكم فيها الكيان الصهيوني، وستترك تأثيراً سلبياً. يمكن تلخيص ذلك بأن أمننا القومي أصبح في خطر".

وأكد ميزاب أنّ "المرحلة دقيقة وغير مسبوقة في تاريخ المنطقة. لذا، إن زيارة السفّاح للمغرب هي إهانة للشعب المغربي، والمغرب يمارس الانتحار، وهو في حالة اللانظام".

ويختم الخبير الاستراتيجي بقوله: "ما يحدث هو إعلان حرب في المنطقة، وهو صورة واضحة للمشروع القذر الذي ينفذ ضمن مشروع أكبر، وهو الشرق الأوسط الكبير"، لكنه يؤكد أن "ما يجري بين المغرب والكيان الصهيوني من تصعيد وتعاون عسكري وأمني سينقلب على المغرب، فعلينا أن نقرأ التاريخ جيداً ونستوعب الأحداث لفهم الحاضر واستشراف المستقبل".

أنظمة عربية عدة، وبعد سنوات من التطبيع السري مع الاحتلال الإسرائيلي، تسير في ركب التطبيع العلني، برعاية كاملة من الولايات المتحدة الأميركية.

اخترنا لك