"بوليتيكو": كيف استخدمت قطر صفقة سرية لربط نفسها بالبرلمان الأوروبي؟

صحيفة "بوليتيكو" الأميركية تنشر "اتفاق تعاون" بين لجنة فرعية برلمانية ومنظمة قطرية. ومع ذلك، من الناحية الرسمية، فإنّ الصفقة غير موجودة.

  • برئاسة أنطونيو بانزيري صفقة سرية بين قطر وبرلمان الاتحاد الأوروبي
    صفقة سرية بين قطر وبرلمان الاتحاد الأوروبي، برئاسة أنطونيو بانزيري 

حصلت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية، على "اتفاق تعاون" بين لجنة فرعية برلمانية ومنظمة قطرية. ومع ذلك، من الناحية الرسمية، فإنّ الصفقة غير موجودة.

وأفادت الصحيفة بأنّه في شباط/فبراير 2020، كانت إيفا كايلي، نائبة رئيس البرلمان الأوروبي، على خشبة المسرح في فندق "ريتز كارلتون" من فئة الخمس نجوم في العاصمة القطرية الدوحة، حيث أدارت مناقشة بشأن عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي والديمقراطية.

وقالت كايلي حينها: "نرى دائماً جهوداً للتدخل السياسي بين الدول الأعضاء، حتى في أوروبا"، مستديرةً إلى زميلها في اللجنة، وتساءلت: "كيف تشعرون في هذا البلد وماذا عن دوره في استقرار المنطقة بأسرها؟". 

ليأتي رد الإشادة كما أجاب مفوض الاتحاد الأوروبي السابق ديميتريس أفراموبولوس، بالقول: "لقد أحرزت الدولة التي تستضيفنا اليوم تقدماً كبيراً خلال السنوات الماضية".

وأشارت الصحيفة إلى أنّه كان من الممكن أن يمر هذا المقتطف من محادثة من مؤتمر استمر يومين، من دون أن يلاحظه أحد في ذلك الوقت.

لكن اليوم بات يُسمع ثناء مليء بالسخرية، فيما تقبع كايلي في السجن، بعد أن اجتاحتها فضيحة فساد "عالية الأوكتان"، كما اجتاحت مؤسسة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، حيث تتهم قطر – وكذلك المغرب – بدفع أموال لمشرعي الاتحاد، من أجل التأثير على عمل البرلمان.

ولم يأت المؤتمر من فراغ، إذ كانت بذوره قد زُرعت قبل حوالى عامين، عندما وقّع عضو البرلمان آنذاك بيير أنطونيو بانزيري، الزعيم المزعوم لمؤامرة الفساد، اتفاق تعاون شبه رسمي مع منظمة مرتبطة بالحكومة القطرية، وفق "بوليتيكو".

وحصلت الصحيفة الأميركية الآن على الوثيقة، بعد الإبلاغ لأول مرة عن وجودها الشهر الماضي.

وربط الاتفاق، الذي وقعه بانزيري كرئيس للجنة الفرعية لحقوق الإنسان في البرلمان، هيئة الاتحاد الأوروبي بلجنة حقوق الإنسان في قطر. وتعهد "بتعاون أوثق" بين الجانبين، مشيراً إلى "المشاريع" السنوية، وتبادل "التجارب والخبرات"، بما في ذلك المؤتمرات ورحلات المشرعين إلى الدوحة، حيث تغطي قطر رحلات درجة رجال الأعمال والإقامات الفندقية الفاخرة.

والجدير بالذكر أن الاتفاق غير موجود رسمياً، وفقاً للبرلمان. ولم يتم تمرير المذكرة إلى المشرعين للمراجعة - على الرغم من قول بانزيري إنّها ستفعل ذلك - لكنها لم تمر عبر أي قنوات رسمية للموافقة. 

كذلك، قال مسؤول في الخدمات الصحافية للبرلمان، لـ "بوليتيكو" إنّ "البرلمان الأوروبي ليس لديه معرفة رسمية بالوثيقة التي تشير إليها".

ومع ذلك، فإن الوثيقة موجودة، وتوضح كيف تمكّنت دولة أجنبية من إقامة روابط جوهرية مع مشرعي الاتحاد الأوروبي، ولجنة البرلمان الأوروبي من دون إطلاق أجراس إنذار رسمية في المؤسسة.

وتصرّ قطر باستمرار على أنها ترفض أي مزاعم بتدخل غير مبرر في عمل الاتحاد الأوروبي.

الغموض يلف الاتفاق

وقّع بانزيري الاتفاق في 26 نيسان/أبريل 2018، خلال اجتماع لجنة حقوق الإنسان (المعروفة باسم DROI) في بروكسل مع علي بن صميخ المري، الذي ترأس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في قطر (NHRC). وتقول اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان على موقعها الإلكتروني إنها تتمتع "باستقلال تام" عن حكومة قطر.

  • نسخة من الوثيقة
    نسخة من الوثيقة

وفي كلمته أمام عدد قليل من أعضاء البرلمان الأوروبي، قال المري إنّ الحكومة القطرية قطعت "خطوات هائلة" في إصلاحات حقوق الإنسان، وإنّها اعترفت أيضاً بأنّها لم تكن كافية بعد.

كما انتقد المملكة العربية السعودية وجيرانها الخليجيين الآخرين، لفرضهم ما أسماه "عقوبات جماعية" وسط مواجهة دبلوماسية أسفرت عن "انتهاكات لحقوق الإنسان".

وفي نهاية اجتماع اللجنة الذي استمر ساعة، أشار بانزيري بإيجاز إلى "وثيقة التشاور والتعاون التي سنوقعها اليوم وسنقدمها لأعضاء اللجنة الفرعية DROI". 

إلا أن ذلك "لم يحدث أبداً"، بحسب ما قاله بيتراس أوستريفيتشيوس، عضو البرلمان الأوروبي الليبرالي الليتواني الذي قاد عمل مجموعته في مجال حقوق الإنسان في ذلك الوقت. وقال اثنان من أعضاء البرلمان الأوروبي السابقين الذين لديهم أدوار تنسيقية في اللجنة، باربرا لوشبيلر وماري كريستين فيرجيات، إنهم لا يتذكرون مثل هذا الاتفاق.

وذكرت الصحيفة أنّه في اليوم الذي تم فيه توقيع الصفقة، عاد بانزيري إلى بروكسل بعد رحلة إلى قطر مع مساعده البرلماني، فرانشيسكو جيورجي.

وخلال الرحلة، التقى بانزيري برئيس الوزراء القطري آنذاك عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، ونظيره الحقوقي المري، وأشاد بإصلاحات العمل في قطر قبل كأس العالم لكرة القدم، وفقاً لتقرير إعلامي أعاد بانزيري تغريده.

وأصبح المري فيما بعد وزيراً للعمل في قطر، مع تصاعد الانتقادات العالمية بشأن معاملة الدوحة للعمال المهاجرين الذين يبنون ملاعب كأس العالم.

ثم بعد ذلك، اعتقل بانزيري ومساعده جيورجي إلى جانب كايلي، في حملة الاعتقالات الأولية التي قامت بها السلطات. واتهم الثلاثة بالفساد وغسل الأموال والمشاركة في منظمة إجرامية.

وقد توسط بانزيري الآن في صفقة مع المدعين العامين، واعترف برشوة أعضاء البرلمان الأوروبي مقابل تخفيف العقوبة.

في المقابل، تنفي كايلي وجيورجي، وهما شريكان بالتهمة، ارتكاب أي مخالفات، علماً أن محامي بانزيري وكايلي، لم يردّا على طلب "بوليتيكو" للتعليق.

وبعد ما يقرب من 5 سنوات، بدأ مسؤولو البرلمان يتساءلون عن كيفية توقيع مثل هذه الصفقة، إذ اكتنف التوقيع نفسه الغموض. ووفقاً للخدمات الصحافية للبرلمان، تم توقيع الصفقة في مكتب بانزيري.

لكن صورة التوقيع تظهر أحد موظفي البرلمان الأوروبي حاضراً، إضافة إلى الأعلام الرسمية للاتحاد الأوروبي وقطر. وقال شخص آخر مطلع على عمل اللجنة إن التوقيع تم في إحدى غرف المراسم الرسمية للبرلمان، والتي تستخدمها عادةً الوفود الأجنبية. 

اخترنا لك